لن أضيف جديدا بأي كلام عن التذيل المصري لدورة بكين الأولمبية. لن أكون مضطرا للمقارنة بين مصر، الاسم الكبير، والتاريخ الطويل، وبين الشقيقة الصغيرة البحرين التي حصلت على ذهبية.
لن أبكي وأذرف الدموع على احتراق مجلس الشورى المصري في طرفة عين، بعد أن ظل سامقا يحكي للأجيال تجربة مصر الديمقراطية منذ بنائه عام 1863!
لم استغرب سؤال المذيعة العربية لضيفها الذي كان يتحدث من القاهرة عندما سألته: هل في مصر امكانيات للسيطرة على الحريق أم تحتاج إلى معدات اطفاء ومساعدات من دول أخرى؟.. وهل تتوفر في مصر مستشفيات وأطباء يعالجون الاصابات الناتجة عنه؟!
استغرب الضيف السؤال لأنها لا تسأل عن الصومال أو جيبوتي، فردت عليه أنها تستفسر فقط لأن الكثيرين لا يعلمون، ولا تقصد التقليل من شأن مصر!
معذورة هذه المذيعة.. إذا كنا نحن وصلنا إلى درجة مميتة من الَيّأِسً والاحباط مما نراه من أحوال بلدنا، فماذا نتوقع منها؟!
عندما تزوجت “فوزية” شقيقة الملك فاروق من شاه ايران الراحل محمد رضا بهلوي وصارت امبراطورة لايران، سألوها عند وصولها لطهران عن رأيها في تلك العاصمة التي كانت حينها تنافس حضارة القاهرة ورونقها في الشرق كله.
في “مذكرات علم” لوزير القصر الامبراطوري وقتئذ واسمه خزيمة علم، أن اجابة الامبراطورة فوزية السريعة صدمتهم جميعا. قالت لهم بمنتهى الوضوح وبلا لف أو دوران أو تزويق “إنها قرية كبيرة”!
يعلق علم: في ذهنها الصورة التي تركتها في القاهرة. العاصمة العربية الجميلة النظيفة بأحيائها الواسعة والعصرية، التي تأخذ شوارعها حماما صباحيا كل يوم بالماء والصابون!
انتهى الاستغراب عندما اكتشفوا أن المقارنة بين القاهرة وطهران هي التي حكمت تشبيهها للأخيرة بالقرية الكبيرة. لم تكن في الوطن العربي في تلك الأيام عواصم أخرى ذات شأن. ربما تشبه قياسا على تعبير الأمبراطورة فوزية، النجع أو الحارة!
ذهبت تلك الأيام الخوالي لحال سبيلها مع أن الأمم الحية تتقدم وتغير لباسها بلباس أزهي وأجمل. تأخرنا في كل الميادين. أصبحنا نحتفل بميدالية برونزية يتيمة حصل عليها هشام مصباح في منافسات الجودو بأولمبياد بكين، وتأخذنا الخطب الحماسية فنهديها إلى الزعيم راعي الرياضة والرياضيين في أرض الكنانة!
هل هذه هي مكانة مصر؟.. كل انجازاتها الرياضية الأولمبية، برونزية هشام مصباح.. وهل هذه هي نوعية الهدايا التي ينتظرها منا الزعيم وتسعده، وتحتفي بها صحف الحكومة بمانشيتات عفا عليها الزمن!
نعجز عن مواجهة حريق التهم مبنى مجلس الشورى، ولا نسيطر عليه إلا بعد أكثر من 16 ساعة انتهى خلالها كل شئ.. ثم نتحدث عن بنية أساسية ومشروعات عملاقة ودولة يحترمها العالم!
لا أريد أن أزيد اكتئابكم واحباطاتكم. ولا أتمنى أن أرى أنهارا من الدموع التي تتألم.
مصر لن تعود لماضيها الكبير وموقعها الطبيعي، ولن تبعث إلا بأيادي أهلها عندما يعرفون أن اللا مبالاة مرض، والرضا بالقليل مرض، وترك الخدين الأيمن والأيسر للصفعات المتوالية ذل وامتهان!
تعلموا من استقالة برويز مشرف في باكستان حتى تستيقظ بلدكم من جديد.
لقد انتشر الفساد في البر والبحر والجو، فماذا ننتظر من المفسدين وسارقي الأموال والمرتشين؟!
إذا كنا لا نستطيع محاسبة المسئول عن تدني مستوى اجهزة انذار واطفاء مباني سيادية تاريخية كمجلس الشورى بسبب الفساد، فكيف نطبق قانون المرور على صاحب سيارة صغيرة ليس فيها طفاية حريق وحقيبة اسعاف؟!
لقد استمعت في أحد البرامج التليفزيونية أثناء الحريق كلاما خطيرا لخبير في الاطفاء، يؤكد أن الجهات المسئولة عن المتحف المصري رفضت أجهزة انذار واطفاء قيمتها مليوني دولار هدية من الولايات المتحدة، وقررت شراءها بمناقصة وعطاء رسا على احدى الجهات!
ماذا تستنتجون من ذلك.. إلا أنه الفساد الضارب في مصر والذي ينخر فيها؟!