تصر الدولة أن لا يبارح الزمالك الفوضى والعشوائية والتحزب وأن يقتل نفسه بنِفَسٌ ه ماضيا في الانتحار البطئ. لم تفعل شيئا حتى الآن للخروج من أزمته الادارية، وأجلت قرارا وعدت بأن تتخذه يوم الاثنين الماضي بعد يوم من مباراة السوبر، فإذا بها تؤجله أيضا لأمس الثلاثاء. ولا أدرى وأنا أكتب هذه السطور هل ستتخذه أم ستؤجله أيضا، ربما لما بعد مباراة ديناموز هراري!
خارطة الطريق كانت واضحة جدا بعد قرار المجلس القومي للرياضة بتنفيذ الحكم القضائي بايقاف الانتخابات، لكن الدولة وضعت ضمادة على عينيها حتى لا ترى مسالك هذه الخارطة. بدلا من أن تشكل لجنة مؤقتة تدير النادي لمدة قصيرة جدا وبهدف وحيد هو الاشراف على الانتخابات وفتح الباب مجددا أمام من يريد أن يرشح نِفَسٌ ه وأولهم مرتضى منصور، إذ بها تضع الجميع في خانة “يك الديون”، وترهبهم بحكاية الـ45 مليون جنيه التي يجب دفعها بصفة عاجلة جدا كمستحقات لاعبين وموظفين وهلمَ جرا!
أمام هذا التحدي لابد أن تصيب الرهبة الطامحين والحالمين، وأن تعود الأمور لمن يملك المال والدفع السخي، وها هي تعود فعلا لنقطة الصفر، عندما أومأت لجنة الحكماء التي أصبحت بسبب التهديد المالي لجنة للخائفين المذعورين، بتعيين مجلس يدير النادي لمدة عام يرأسه ممدوح عباس، على أن تقام الانتخابات عام 2009 وتترك الأمور للجنة محايدة تديرها قبل حدوثها بشهرين!
إذن لم يتغير شئ. الزمالك سيدار بمجلس معين لمدة عام، لن يفعل شيئا سوى قيادة النادي إلى مزيد من الانهيارات والفوضى واللا مسئولية، حتى لو لم يرأسه ممدوح عباس، و رأسه مثلا مرسي عطالله الذي اشترط أن ترفق الدولة مع قرار تعيينه شيكا بهذا المبلغ، أو كمال دراويش الذي يحن إلى كرسيه الذي فقده بالانتخابات منذ عدة سنوات، ويريد أن يعود إليه بسلطة الدولة!
سيظل الزمالك محلك سر. نهبا للفوضى حتى يبدأ دوري الموسم القادم.. ثم تتكرر الأحكام القضائية بايقاف الانتخابات أو الغائها بسبب عورات لائحة حسن صقر التي يصر عليها. وسنعيد في الأعوام القادمة نِفَسٌ سؤالنا عن أسباب هذا التعنت من الدولة تجاه ناد رياضي يريد أن يختار طريقه بأصوات أعضائه وليس بقرارات جاره “المجلس القومي للرياضة” ومستشاريه القانونيين الذين ثبت أنهم لو دخلوا امتحانات كليات الحقوق لرسبوا فيها!
في ظل هذه الفوضى الخلاقة لا أرى فائدة من صرف الملايين على اللعبات الرياضية ولاعبيها وفي مقدمتها لعبة كرة القدم والفريق الأول خصوصا. لا أرى فائدة من بقاء هولمان وأجوجو وريكاردو وأيمن عبدالعزيز وشيكابالا.. فلا يمكن لأبناء يتقاتل أباؤهم في ساحات المحاكم أن يحققوا شيئا. لقد أصبح الزمالك الآن للأسف الشديد المطية السهلة لمن يريد أن يشتم ويصفي الحسابات ولمن يريد أن يأكل عيشه في مجال الاعلام الفضائي والصحافة المكتوبة!
الزمالك الآن هو الصور السوداء الأكثر انتشارا في مصر. الزمالك يموت بالسم البطئ.. ومصر أيضا تموت بالسم البطئ.. لا أدري ما الذي يغري الطامحين على أن يرثوا ناديا يموت أو وطنا يحتضر؟!
** إذا توقفت على الرصيف تجد من يسارع إليك.. شمال يا بيه.. يمين.. كدة كويس… ثلاث كلمات لابد أن تدفع ثمنها حالا ومضطرا!
** تدخل لتقضي حاجتك في أي دورة مياه في أماكن راقية المستوى كمحطات البنزين الجديدة المبهرة مثل “امارات مصر” أو المولات التجارية الفخمة كالهايبر ون أو كارفور أو السيتي سنتر، أو حتى لتغسل يديك بعد تناولك الطعام في محلات كنتاكي.. تجد في الداخل شخصا بلفة مناديل حقيرة.. ليقول لك بالشفا يا بيه.. لابد أن تدفع له أيضا!
** سيدة في منتهي الشياكة تطلب منك أثناء وقوف سيارتك أن تفتح النافذة فهناك شئ مهم تريد أن تقوله.. ثم تفاجئ بها تطلب مساعدة عاجلة لأن أمها تحتاج إلى أشعة ولا تجد ثمنها. أقابل نماذج من هذه السيدة في أكثر من مكان أتوقف عنده. بالطبع لست مقصودا ولكنها ظاهرة الجوع والموت البطئ!
** جاري الذي كان منذ عدة سنوات من طبقة الميسورين لأن دخله الشهري لا يقل عن ثلاثة آلاف جنيه، رأيته يقوم باجراءات اثبات حالة بمعرفة وازارة الشئون الاجتماعية لأنه يريد الحصول على بطاقة تموين!.. اثبات حالة طبعا، المقصود بها أنه فقير معدم.. بعد كل ذلك يقول لنا وزير التخطيط أنه ثبت لديهم أن جنيها ونصفا تكفي لمعيشة الشخص في اليوم الواحد!.. لعله يتصور أننا لا زلنا نعيش زمن “اللحلوح”.. أليس هذا وطن يحتضر!
** مذاق المياه التي تأتي من الحنفية متغير.. الرائحة كأنها مجاري. الشكوى ترتفع من اختلاطها بمياه الصرف الصحي. الحكومة تنفي والرائحة تؤكد أنها كذابة. يبدو أن رائحة حكومتنا جعلتها لا ترى غرابة في مذاق المياه ورائحتها!
** بيب بيب أهلي.. بيب بيب زمالك.. ومبروك لمن يريدها وتتجدد أفراحكم وبالرفاه والبنين.. ولا عزاء للجوعى والفقراء والمنتحرين والمجانين!