لابد في البداية من الإشارة أن مصطلح (الأبناء) من الألفاظ
المشتركة,أي إنه يجمع في ردائه (الأبناء والبنات) معاً,فحينما نقول
بالعدالة بين الأبناء نعني بها العدالة المطلوبة بين البنين والبنات.
وكما لايخفى,فإن (العدالة) غير (المساواة) فكل مساواة عدالة,ولكن ليس كل
عدالة مساواة,فكما لاينبغي أن يستوي – عند الولاة – المحسن والمسيء,فكذلك
(ولاة الامر) أعني الوالدين,والحكمة دائماً هي أن تضع الشيء في موضعه.
قصة (نعمان بن البشير) مع النبي (ص) عندما أراد أن يشهده على قطعة أرض
اقتطعها لأحد أولاده,فقال له النبي (ص) :وهل اعطيت باقي ولدك كما أعطيته؟
فقال له: لا,فقال النبي (ص):لاتشهدني على زور.
بقصة أخرى يرى النبي (ص) أحد الآباء يقبل أحد ولديه اللذين كانا معه,فابتدره قائلاً: قبل الثاني.
المثلان من أمثلة عديدة لكنهما يعبران عن تمييز (مادي) في العطاء هناك,وعن تمييز (معنوي) هنا.
مقولة إن أبناءنا فلذات أكبادنا ونحن نحبهم بالتساوي,غير مقنعة لسبب بسيط:
إن الوقائع الحياتية تكذبها,(فالإبن الأثير) أو (البنت الأثيرة) موجودون في
الكثير من العوائل.
صحيح أن حب الوالدين - من الناحية المبدأية – لكل أبنائهم لامزايدة
عليه,ولكن الميل القلبي والنفسي لأحدهم دون الآخرين قضية إجتماعية
معاشة,فيوسف كان أثيراً لدى يعقوب,لا لأن الرجل لم يكن يولي مسألة العدالة العناية المطلوبة,بل لأن الواقع الميداني يفرض ذلك.
ألا ترى أن ابنك الأكثر أدباً واحتراماً وذكاء ووداعة قريب الى قلبك حتى ولو لم تكن تعلن ذلك أمام إخوته الآخرين؟!
ومع الفارق في القياس,فإن المسألة تشبه الى حد ما – علاقة الرجل بزوجتيه أو
زوجاته – فالحب ليس تفاحة تقسم الى نصفين:نصف لهذه ونصف لتلك وإذا كن
اربعة فتقسم الى اربعة أرباع,وإنما هو مشاعر وميول يتحكم فيها أكثر من
عامل.
كيف إذاً تكون العدالة بين الأبناء؟
أن تعطي كل ذي حق حقه,أو بمعنى آخر كل ذي استحقاق استحقاقه,فالإبن الذي
يظهر مزيداً من التفوق والإلتزام والإيجابية يفرض نفسه أو موقعه في قلبي
أبويه,والبنت المراعية للتعامل السوي السليم داخل الأسرة,والتي تبدي قدراً
من التفوق الدراسي والعملي,هي الأخرى تفرض حبها على ولديها,وهنا النقطة
المهمة:
هل الأبوان هما اللذان يقفان على مسافة واحدة من الأبناء,أم هم الأبناء
الذين يحددون العلاقات الجديدة (قرباً وبعداً) بما يحاولونه ويبذلونه من
جهود ومواقف تملي على الأبوين مقابلة (الإحسان) بأحسن منه؟! وإلا فهل تفترض
العدالة أن أكافىء ولدي (المتخلف دراسياً) بأخيه (المتفوق دراسياً) مثلاً
؟! إذا أكون قد كافأت المسيء وهدرت حق المحسن.
إن المشكلة ليست بمن نغدق لهم حبنا من الأبناء عن جدارة واستحقاق,بل بمن لم
ينالوا نصيبهم منه لا (لتمييز عاطفي) ولا (لتفرقة مزاجية) ولا (لهوى أبوي)
وإنما لكونهم لم يقدموا ما يستحقون به (المزيد من الحب والعطف) ونقول
المزيد ونحن نعني مانقول,فحبنا وعطفنا حتى للمتخلف دراسياً موجود,بدليل
أننا نتمنى من الأعماق لو كان هو الآخر يحظى بالمزيد من حبنا وعطفنا الذين
لاينقصان مع الإنفاق!!
إننا هنا نتأدب بأدب القرآن الذي لايساوي في الحب والتكريم والمكافأة,لأنه يردد دائماً (لايستوي),(لايستويان) (لايستوون).