هل هو فارق هائل ورهيب فعلا بين الجهة التي عطلت «الظافر والقاهر» وبين الذي يعطل الضبعة؟!
أما الظافر والقاهر فهو أشرف وأنبل مشروع وطني أقدمت عليه مصر جمال عبدالناصر؛ حيث عزمت علي تصنيع صاروخين أطلقت اسمي الظافر والقاهر عليهما، يصل مدي كل منهما بين خمسائة وألف كيلو متر بحيث تكون مصر قادرة علي ردع إسرائيل، مهددة شوارع تل أبيب نِفَسٌ ها!
المشروع كان ضخما وطموحا وقد بلغ حجم العمالة المصرية في المصنع الذي يشهد وقتها عملية إنتاج صاروخي الظافر والقاهر حوالي 1000 عامل وعالم ومهندس، وقد احتاجت مصر من أجل هذا المشروع المصيري مجموعة من العلماء الأجانب أتت بهم من ألمانيا، ووصل عدد هؤلاء الألمان من علماء ومهندسين وفنيين إلي مائتين وخمسين شخصا (لعل في هذا ما يقنع البعض بأن فترة عبدالناصر لم تكن منغلقة علي العالم عكس ما روج المروجون!).
عند هذا الحد لم تسكت إسرائيل قطعا؛ فكانت خطتها هي تعطيل مشروع الظافر والقاهر بأي ثمن!
اجتمعت - كما تقول وثائق تل أبيب - الأجهزة المختلفة في القيادة الإسرائيلية، وأخذت القرار النهائي لإفشال هذا المشروع، وكانت الحلقة الضعيفة هنا هي العلماء الألمان، وبدأت محاولات الإغراء والغواية، فلما لم تؤتِ أثرا انتقلت إسرائيل إلي إرسال ضابط موساد (رافي إيتان) إلي القاهرة منتحلا اسم لوتز، خبير الخيول الألماني الجنسية، واستطاع ممارسة حياته في وسط مربي الخيول في مصر من طبقة الأثرياء وأصحاب النفوذ. وتمكن عبر شبكة من الجواسيس من تحديد عناوين وأماكن إقامة هؤلاء العلماء الألمان، وبدأت الشبكة في توجيه تهديدات لهم ولحياة عائلاتهم لو لم يغادروا مصر، ثم كانت الخطوة التالية هي إرسال خطابات تحمل متفجرات وعبوات ناسفة، بمجرد ما يفتح أحدهم الخطاب ينفجر في وجهه مع عائلته، وأصاب بعضهم بالعجز وببتر الأطراف وأصيبت زوجاتهم وأبناؤهم بالذعر والرعب، ولم تنجح عملية القبض علي لوتز وكشفه في تهدئة الألمان فتركوا مشروع الظافر والقاهر، وبطبيعة الحال خشي آخرون في ألمانيا من المجيء للقاهرة نتيجة التهديد الإسرائيلي!
ثم كانت الخطوة الحاسمة لإنهاء مشروع الظافر والقاهر هي عدوان يونيو 1967 قبل أن تتملك مصر هذين الصاروخين فعلا!
الآن بعد كل هذه السنوات ومنذ أن اختير جمال مبارك ليبشر مصر بمشروع المفاعل النووي لإنتاج الطاقة في الضبعة في محاولة لتجميل دوره وتلبيسه رداء صاحب المشروع الوطني والحلم القومي فإن رجال أعمال من حلفائه وألصق ملتصقيه عطلوا هذا المشروع منذ أربع سنوات، طمعا في أرضه ورغبة في انتزاع الضبعة من المشروع النووي وتحويلها إلي منتجعات سياحية صيفية!
ليس في الأمر حرف جديد حين نقول إن تل أبيب لا تريد أن تملك مصر مفاعلا نوويا حتي لو كان لأغراض سلمية!
ورغم أن الرئيس مبارك قرر بقاء الضبعة أرضا للمشروع فإن أصحاب ابنه قرروا أن يعارضوا لأول مرة في حياتهم الرئيس ويصمموا علي نزع الضبعة من المشروع النووي!
الظافر والقاهر عطلته إسرائيل، وللمفارقة فإن المشروع النووي يعطله مجموعة رجال أعمال، منهم شركاء في تجارة مع إسرائيل!!