لم تكن مدينتي فقط التي تم بيعها بالأمر المباشر.
البلد كله متباع بالأمر المباشر.
منهج حكم هذا البلد فردي تماماً لا وجود فيه للشعب ولا لديمقراطية اتخاذ القرار ولا لمؤسسات التخطيط والتفكير ولا للمحاسبة ولا المراقبة، الحاكم حر يدير بشكل مطلق ومنفرد ويأمر فيطيعه الجميع!
إذن ما الذي تنتظره؟
أن يتم نقل منهج الحكم من الرأس إلي القواعد فيكون الوزير حاكمًا مطلقًا يفعل ما يريد ويأمر ويؤشر ويبيع بالأمر المباشر وتقف بجواره مجموعة وكلاء الوزارة في طاعة ونطاعة وأؤمر جنابك وتحت أمر سعادتك ويمضي أسطول النفاق الموجود في كل مؤسسة في الاستجابة لأوامر الباشا الكبير وربط الحمار مطرح ما عايزه صاحبه وتتحرق بجاز القوانين واللوائح!
لا مناقصات ولا مزايدات في البيع والشراء وإن كان فيه يبقي متفصلة ومدبرة ويتواطأ فيها الجميع، لا استشارة ولا جماعية في اتخاذ القرار ولا استماع لرأي المعارضين ولا انتباه لتحذيرات الصادقين!
ألا تسمع من كل مسئول أنه طبقًا لتعليمات وبناءً علي أوامر واقتداءً واهتداءً بإرشادات وتوجيهات المسئول الأعلي منه تم هذا القرار، ومن كل وزير نِفَسٌ الكلام عن الرئيس؟!
كلها سلسلة بعضها من بعض!
البلد الذي يتم تزوير الانتخابات البرلمانية والرئاسية والاستفتاءات فيه بلد يعيش ويموت بالأمر المباشر!
بلد المبايعات والتوريث وبالروح والدم هو بلد بالأمر المباشر!
بلد باعوا فيه القطاع العام ومصانع الدولة وأراضيه من غير ما نعرف باعوا بأي سعر ومن حدد السعر؟ وأين ذهبت الفلوس؟ وفيم أُنفقت؟
هو بلد بالأمر المباشر!
لكن يبدو أن الأمر غير المباشر هنا هو اللافت للنظر في حكم المحكمة الإدارية العليا الذي نص علي بطلان عقد بيع أرض مدينتي لمجموعة طلعت مصطفي:
1- أنه صدر عقب حفظ التحقيقات مع إبراهيم سليمان وكأن الإدانة مطلوبة لطريقة البيع لكن ليس للبائع، وكأنه يمكن فصل هذه عن تلك، لكن في مصر يمكن فصل أي شيء عن أي شيء بالأمر المباشر!
2- أنه صدر وطرف أصيل في القصة في السجن وهو هشام طلعت مصطفي والطرف الثاني خارج السلطة وهو محمد إبراهيم سليمان وحين كان طلعت حراً وسليمان علي مقعده لم تصل القضية إلي القضاء وكانت تعتمد علي القدر!
3- أنه حكم يعري ويفضح ويكشف كيف تُدار مصر وكيف تباع بالأمر المباشر، لكن تنفيذه سوف يكشف أكثر وأعمق كيف يُدار فعلاً هذا البلد؟ فالمحتمل المرجح أن يتم تعديل الورق بين الحكومة والشركة وكأن المسألة شكلية وتستيف أوراق ويستمر الحال علي ما هو محتال عليه!