لم نسمع أو نشهد أو نقرأ لوزير الأوقاف الدكتور حمدي زقزوق أي موقف من أي نوع علي مدي وزارته يمكن أن تتذكره أو قد يركن في ذاكرتك أبدا، هو أكثر وزير أوقاف عمراً وأطولهم سناً علي مقعده في الوزارة ومع ذلك فالرجل يكاد يكون مرتدياً طاقية الإخفاء فلا دور له ولا رسالة ولا موقف جلل ولا خطبة خطيرة ولا مشهد عاصف ولا مناظرة قيمة ولا كتاب شهير ولا أي حاجة، اللهم إلا جرأته المثيرة للشفقة علي الاعتراف بدور وزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة في اختيار وتعيين ورفد أئمة الجوامع!
لكن إذ فجأة كبرت في أفكار وتلافيف خطب السيد الوزير حكاية الدعوة إلي السفر للقدس، وهي المحتلة المغتصبة من الصهاينة، بدعوي الوقوف مع الشعب الفلسطيني المحتل من خلال زيارة المدينة المحتلة!
يكرر الوزير هذا الكلام كثيراً هذه الأيام ربما لاعتبارات الفضا وللفراغ الذي تعانيه الوزارة ولشعوره المحتمل بالملل من قلة العمل!
والغريب أن الدكتور زقزوق رجل عالم ومتبحر كبير، لكن يبدو أن اعتبارات الوزارة والوظيفة والولاء تضرب في الثقافة لصالح اعتبارات أخري!
لا نعرف من أين جاء الوزير بهذه الفكرة والتي يساوي فيها بين زيارة النبي صلي الله عليه وآله وسلم لمكة وهي مشركة وبين دعوته لزيارة القدس المحتلة، والحقيقة أن النبي إن دخل مكة باستجارة كافر فقد دخلها بعداً وفعلاً مع جموع المسلمين والصحابة فاتحاً منتصراً فالدخول الجماعي الذي يدعو إليه هنا زقزوق مقرون بالفتح والنصر وليس بالزيارة الضاغطة!
ثم ربما يأتي هذا التصور الزقزوقي الطيب (..) عن أن إسرائيل سوف تشعر بالحرج أو الضغط من غياب أي خبرة سياسية من أي نوع للوزير، فالحقيقة أنه لو زار المسلمون القدس المحتلة، بل العكس تماما سوف تعلن أن هذا دليل علي التعايش السلمي والحضاري وعلي قدرة إسرائيل علي الحفاظ علي أمن المقدسات، وكذلك سوف يتحول كثير من حجاج زقزوق للقدس إلي مشاريع عملاء لإسرائيل، وسيتزوجون إسرائيليات بالمرة، إن هذه الزيارات قد تنهي أي أمل في استعادة القدس، حيث تكون تل أبيب قد أظهرت للعالم كله سماحتها ورحابتها!
الأغرب هنا أننا لم نسمع مثل عبقريات الدكتور زقزوق عندما كانت جنوب أفريقيا دولة عنصرية، تطبق نظام التمييز العنصري علي السود الأفارقة، كان العالم كله يقاطعها ويمنع التعامل معها ولا يزورها ولا يقيم معها أي علاقات ومارس لسنوات طويلة ضغطاً مدوياً علي هذا النظام العنصري بالمقاطعة بشتي الطرق ولم يقل لنا ـ أي زقزوق وقتها ـ يجب أن نزور الدولة العنصرية حتي نحرجهم ونتضامن مع الشعب الأفريقي!
وعندما احتلت ألمانيا الفاشية فرنسا مثلا كانت هناك مقاطعة واسعة كاملة لفرنسا الفاشية ولم يقل أحد لننطلق إلي باريس كي نحرج الفاشي والنازي ونتضامن مع الشعب المحتل!
المقاطعة مهمة ودور ورسالة وليست فكرة عربية كي يتبرأ منها الذين كاد بعضهم يتبرأ من عروبته بل ومن إنسانيته!!