علامة واحدة فقط قد تشي بأننا أمام حالة تغيير قد تسفر عن تطور في شكل الحكم وتفكيره وأدائه وسياسته في مصر!
علامة واحدة مفيش غيرها وهي أن يقول الرئيس مبارك إنه يعرف أن الانتخابات التي جرت في عهده قد شابها التزوير، تزوير إرادة المواطنين وتزييف بطاقات التصويت، هذه هي البداية الحقيقية لنهضة ديمقراطية في بلدنا، طبعاً لا أتصور أن يعترف الرئيس علناً فهذا ما يسحب أي شرعية لحكمه ولبقائه علي مقعده ثلاثين عامًا، وهو ما يستوجب كذلك بعد الاعتراف الاعتذار قطعاً، وربما أبعد وأوسع من الاعتذار، وقد يفتح باب حق الناس في المحاسبة، ولأنني مازلت أعيش في مصر وأعرف حدود طموحنا من ولاة الأمر في البلد ومن عتاة الحكم في النظام الفرعوني فإنني أتمني (قل إنني أحلم) بأن يعترف الرئيس بينه وبين نِفَسٌ ه ومع رجاله بارتكاب التزوير، وأن يكون الاعتذار العملي والواقعي هو القطع بوعد (أو الوعد القاطع) بعدم تزوير الانتخابات القادمة!
لكن المشكلة الحقيقية أن النظام يعيش علي إنكار حقيقة التزوير للانتخابات التي يرتكبها رموز الحكم من فوق لتحت ومن أكبر مسئولين إلي صغار الضباط والموظفين الإداريين مع كذب وتضليل من أجهزة الإعلام الحكومية وبعض تواطؤ الإعلام الخاص والحزبي، ويعيش الكل في هذه الكذبة المفضوحة التي يعلم الأطفال قبل الكبار والغافلون قبل العاقلين واللامبالون قبل المبالين أنها كذبة وأن الحكومة حين تتحدث عن انتخاباتها النزيهة إذًا هي كذابة كذوبة!
التزوير هو أصل المصيبة، مصيبة الحكم الفردي والنظام الفرعوني واحتكار السلطة، التزوير ليس حالة ولا سلوكاً ولا خطة لدي النظام بل هو عقيدة، عقيدة التزوير تلبست هذا النظام منذ 1952وحتي الآن، والذي يقول غير كده للأسف إما منافق أو غافل أو بيهرج أو واحد من أطراف الحكم وأصحاب مصلحة فيه (يبرر بعض أصدقائنا الناصريين تزوير عبدالناصر للانتخابات بوطنيته التي تغفر له زلته وفعلته، والمؤكد أن تزوير عبدالناصر لا يمكن أن نغفره بل هذا التزوير هو المسئول عن كل ما نحن فيه الآن من فساد واستبداد، بل هو سبب وسر هزيمة عبدالناصر وانهيار مشروعه الوطني!)، وهذه الحقيقة، أن الانتخابات في بلدنا الرئاسية والبرلمانية مزورة، هي الحد الفاصل بين الفصام والعقل، بين الحق والباطل، بين الذي يريد أن يبني مصر ومن يريد أن يهدمها، بين الواضحين المؤتمنين علي الوطن وبين الكذابين المتآمرين علي المستقبل، الذي يدافع عن تزوير الانتخابات وينكر تزييفها إنما يؤكد أنه لا أمل فيه ولا منه حاكماً أو محكوماً، سائساً أو مسوساً، والذي يعترف بأن الانتخابات مزورة هو من يقدم الحد الأدني من التعقل والرغبة في تقدم البلد وتطوره وتغييره إلي الأفضل والأحسن!