الحمد لله رب العالمين وأفضل
الصلاة وأكمل التسليم على نبينا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى سائر
إخوانه من النبيين والمرسلين وآله وصحبه أجمعين وعلينا معهم
آميـــــــــــــــــــــــــــــــــن
اللهم سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .
أخوات الإيمان والعقيدة أحبابي أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن كثير من شباب المسلمين لا
يعلمون من الآخرة غير اسمها بل ربما يرى بعضهم أن البحث فيها أبسط من ذلك
وأنه لا حاجة إلى جميع ما هنالك .
فلذا أردت والله المستعان - أن
أريهم قبساً من أنوار الآيات القرآنية الحكيمة والأحاديث النبوية الكريمة
عساها تشرق على قلوبهم فتطرد ظلمة جهلهم بآخرتهم التي سينقلبون إليها مهما
طال بهم العمر .
ومن قرأ أحاديث رسول الله صلى
الله عليه وسلم رآها كثيرة التذكير بأمر الآخرة عظيمة التحذير من أهوالها
ومواقفها قوية التنبيه إلى السعي لها والاستعداد إليها كل هذ ينبئنا عن
خطورة ذلك العالم الأخروي وشدة هوله وعظم أمره ووجوب الاهتمام بشأنه.
فجدير بنا كل الجدارة أن نتحدث عن
اليوم الآخــر وبعض أحكامه وأطواره وأحواله متبعين في ذلك كتاب الله تعالى
وأحاديث رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم رجين منه سبحانه وتعالى
إخلاصاً في القصد وصدقاً في العمل وسداداً في القول إنه قريب مجيب.
*أن الآخرة هي حق ثابت لا ريب فيها *
---------------
قال الله تعالى : ( يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) .
وقال تعالى : ( ويستنبئوك أحق هو ) ـ أي : اليوم الآخــر ـ ( قل إى وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين ).
إن كل عاقل إذا أمعن النظر في
الآيات القرآنية الكريمة يجدها قد سلكت في إثبات الآخرة والنشــر والحشــر
والحســاب وجميع ما هنالك ـ أحسن الطرق التي تنير العقول وتبصرها منهاج
الوصول إلى اعتقاد ذلك والإذعان إليه ـ ونحن نقدم إليك بيان هذا .
إننا إذا تدبرنا الآيات التي تبحث
عن الآخرة يتضح لنا جلياً أنها تستنهض العقول من غفلاتها وتستفز الأفكار
من مراقدها لأجل أن تضطرها إلى إثبات عالم الآخرة وإن العقل السليم ليأبى
أن يقف عند حد عالم الدنيا الفاني وينكر العالم الآخر الباقي وقد جاءت
الآيات القرآنية في إثبات ذلك على وجوه متعددة :
أولاً - تنبيه القرآن الكريم إلى أن النظر في العالم السماوي والأرضي يؤدي إلى إثبات الآخــرة:
قال الله تعالى : ( إن في خلق
السماوات والأرض واختلاف اليل والنهار لأيات لأولى الألباب * الذين يذكرون
الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما
خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار * ربنا إنك من تدخل النار فقد
أخزيته وما للظالمين من أنصـار ) .
فقد أنار الله تعالى لأولي
الألباب وهم الذين عبروا حجاب الحس في خلق السموات والأرض وما أودع فيهما
من آيات القدرة وشواهد العلم والحكمة فجالت أفكاهم في تلك الآيات السماوية
والأرضية معتبرين مستبصرين فأيقنوا بوجود رب خالق عليم حكيم تجلت آثار
صفاته في مصنوعاته ومبدعاته وأشرقت أنوار أسمائه سبحانه في مرايا مخلوقاته
.
فشاهد أولو الألباب تلك الصفات
الإلهية مسطورة على صفحات الكائنات العلوية والسفلية وقالوا : ( ربنا ما
خلقت هذا باطلاً سبحانك ) وحيئذ التزموا عبادة هذا الإله الرب العليم
الحكيم وفاء بحق ربوبيته عليهم ولازموا ذكره قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم .
ثم إنهم تابعوا السير بعقولهم
وألبابهم يتجولون ويتفكرون في أنحاء الآيات السماوية والأرضية وسائر
الآيات الآفاقية فانتهوا إلى نتيجة لهذا العالم وأي نتيجة وما أصحها وما
أحكمها وما أصدقها من نتيجة - إنها نتيجة مقدمات عالم الدنيا كله .
وهي : أن هذا العالم البديع
المحكم والمصنوع المتقن الذي يسير بنظام وإحكام فالسماء في إبداع وإتقان
والشمس والقمر بحسبان والكواكب في سير وانتظام .
قال الله تعالى : ( وفي الأرض قطع
متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد
ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لأيات لقوم يعقلون ) .
وفيها الحب ذو العصف والريحان وفيها الليل والنهار والأنهار والبحار والزروع والأشجار إلى ما وراء ذلآيات الأعتبار لأولي الأبصار .
وإلى هذا نبه الله سبحانه وتعالى
العقلاء فقال : ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن
الساعة لأتية فاصفح الصفح الجميل ) .
وقال تعالى : ( وما خلقنا السماء
والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار *
أم نجعل الذين امنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين
كالفجار )
فالحكمة في الخلقية الكونية
والحكمة في الشرائع الإلهية تقضيان أن يكون هناك يوم آخــر فيه المسؤولية
والجزاء ومن ثم قال أولوا الألباب : ( سبحانك ) أي : ننزهك عن اللعب
والعبث في خلقك وشرعك وانما خلقت الخلق بالحق والحكمة التي تقتضي الجزاء
بالثواب أو العقاب ولا بد في ذلك من جنة ونار ( فقنا عذاب النار ) .
ثم أنهم سألوا الله تعالى الجنة
التي وعدهم بها على ألسنة الرسل صلوات الله على نبينا وعليهم أجمعين : (
ربنا وأتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف المعياد
) .
وقد مدح الله تعالى في تلك الآيات
الكريمة أولي الألباب الذين جالت أفكارهم في أنحاء العالم السماوي والأرضي
وما بينهما وبذلك أنجلت لهم حقائق الذي به خلقت السموات والأرض وتجلت لهم
حكمة الله تعالى في خلق وبدءاً وانتهاء وحكمة الله تعالى في رسالاته
وشرائعه .
وقد ذم الله تعالى الغافلين عن
التفكر ونعى على الذين لا يعملون أفكارهم فلا يتفكرون ولا يتعقلون فقال
سبحانه : ( أولم يتفكروا في أنفسهم ) الآية
يعني أنهم لو رجعوا إلى صوابهم
وفكروا في ضمائر نفوسهم لعلموا أن الله تعالى ما خلق السموات والأرض وما
بينهما إلا بالحق وأنه لم يخلقها باطلاً ولا عبثاً بغير حكمة بالغة وإنما
خلقها مقرونة بالحق مصحوبة بالحكمة ومنتهية للحكمة وإن من الحكمة تقدير
أجل مسمى وهو قيام الساعة ووقت الحساب والجزاء : بالثـــواب أو العقـــاب .
ثانيـــاً - تنبيه القرآن الكريم إلى أن النظر في إبداع الإنسان يؤدي إلى إثبات الآخــرة .
----------------------------------------------
قال الله تعالى : ( والتين
والزيتون * وطور سنين * وهذا البلد الأمين * لقد خلقنا الإنسان في أحسن
تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين أمنـوا وعملوا الصالحات فلهم
أجر غير ممنون * فما يكذبك بعد بالدين * أليس الله بأحكم الحاكمين ) .
بلى وأنا على ذلك من الشاهدين .
أقسم سبحانه بأفضل مهابط الشرائع
الإلهية المباركة ومنازل الوحي بالكلام الإلهي النازل على رسله صلوات الله
عليهم مهبط نزول الوحي على عيسى عليه الصلاة والسلام وإنزال الإنجيل عليه
وهو البقعة المباركة من فلسطين وأشار إلى ذلك بما ينبت عليها من التين
والزيتون المباركين الكثرين في تلك البقعة .
ثم أقسم بطور سيناء مهبط نزول التوارة على موسى عليه الصلاة والسلام
ثم أقسم بالبلد الأمين بلد الله الحرام مكة وما حولها مهبط نزول النبوة والرسالة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
ثالثاً - النظر في حكمة الشرائع الإلهية يؤدي إلى إثبات اليوم الآخر .
-------------------------------
قال الله تعالى : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) .
فالله تعالى الذي خلق العالم هو
حكيم ومن مقتضى حكمته سبحانه إنزال الشرائع يتعهد عباده بما فيه صلاحهم
ويدلهم على ما فيه خيرهم وسعادتهم في الدنيا ويحذرهم مما فيه فسادهم
وشقاؤهم في الدنيا والآخترة ومن مقتضى حكمة التشريع الإلهي أن يعيد
الثقلين مرة ثانية ويرجعهم الله لأجل أن يحاسبهم ويجزيهم بأعمالهم التي
عملوها فمنهم الطائع ومنهم العاصي ومنهم المؤتمر بأوامر الله تالى ومنهم
المتكبر على شريعة الله .
قال الله تعالى : ( إن إلينا إيابهم ) أي : رجوعهم ـ ( ثم إن علينا حسابهم ) .
إن الله تعالى ما خلق البشر عبثاً
لا لحكمة ولا لأمر ولا نهي ولا لحساب ولا سؤال بل ذلك ظن الذين كفروا
وجهلوا حكمة ربهم الذي خلقهم سبحانه وانما خلقهم عن حكمة ولحكمة وسوف
يجمعهم في الآخــرة عن حكمة ولحكمة .
قال الله تعالى : ( أم نجعل الذين أمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نمجعل المتقين كالفجار ) . أي ك كلا ولا .
لذلك كل هذا ي الآيات القرآنية
ترشدنا إلى أن قضية الآخــرة هي حق وحقيقة لا ريب فيها يؤمن بها أهل
العقول الصحيحة ويستدلون على حقيتها بمختلف الدلائل الكونية الآفاقية
والنفسية والدلائل التشريعية .
* قال العلامة فخر الدين الرازي
رحمه الله تعالى في : ( تفسيــره ) : من الأدلة العقلية على المعاد أنه قد
دلت الأدلة على أن العالم حادث فلا بد له من محدث قادر ويجب أن يكون
عالماً لأن الفعل المحكم لا يصدر إلا من العالم ويجب أن يكون غنياً عنها ت
أي : عن العوالم ـ وإلا كان خلقها في الأزل وهو محال ت أي : بل العالم
حادث وليس بقديم .
فثبت أن لهذا العالم إلهاص قادراً
عالماً غنياً ثم لما تأملنا فقلنا : هل يجوز في حق هذا الحكيم الغني عن
الكل أن يهمل عبيده ويتركهم سدى ـ أي : بلا بيان وتشريع ـ ويجوز لهم أن
يكذبوا عليه ويبيح لهم أن يشتموه ويجحدوا ربوبيته ويأكلوا نعمته ويعبدوا
الجبت والطاغوت ويجعلوا له أنداد وينكورا أمره ونهيه ووعده ووعيد ؟!
فكيف ل يصدق أصدق العالمين سيدنا
محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي أسرى به الله تعالى ليلاً من المسجد
الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السموات ثم إلى سدرة المنتهى
وشاهد هناك عالم الجنــة وأدخل الجنـتة .
واطلع على عالم النار ورأى ما رأى من ألوان عذاب اهل النار وانواع المعذبين .
وأطلعه الله على ما هنالك من
العوالم ثم عاد فأخبر عن ذلك تثبيتاً وتطميناً للمؤمنين بما غاب عنهم من
تلك العوالم وحجة على المنكرين المعاندين الذين لا يصدقون إلا بالعيان .
وفي هذا يقول سبحانه : ( والنجم
إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى ) إلى قوله تعالى : (
ولقد رءاه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى ) .
هذا أنه يدل على رسولنا الكريم
أنه راى ما رأى أي الجنة والنار فهو الصادق المصدوق وما أطلع عليه من
العوالم الغيبية ونعيم أهل البرزخ وعذابهم واطلاعه على عذاب العصاة
والزناة والرباة وما وراء ذلك فقضايا الآخرة ثابة بالقرآن وبالبرهان
وبالعيان من أصدق إنسان في جميع الأكوان فلا حاجة بعد ذلك إلى حجة وبيان
ولا ريب في قطعية صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمانته الذي صدقه
الله تعالى وصدقته ملائكة الله تعالى وصدقته عباد الله وصدقته الاشجار
والاحجار والامدار وصدقته ـ أي : شهدت بصدقه وأمانته ـ أعداؤه فإنهم كانوا
يسمونه الصادق الأميـــن
حتى أبو لهب أشد أعدائه قال له : يا محمد ما جربنا عليك إلا صدقاً ـ وسنأـي على ذكر ذلك إن شاء اللع تعالى
وسنتابع الأيمان بعوالم الأخرة في النفوس والموت وحقيته إلى ما هنالك من عوالم الآخرة
وصلى الله على نبينا محمد