كيف نكون أهلاً لتوفيق الله ؟
إن
الله عز وجل خلق الخلق لطاعته ومحبته ومركيف نكون أهلاً لتوفيق الله ضاته،
والله سبحانه يحبّ من عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، ولا يرضى
لعباده الكفر ، والمسلم يبحث و يتلمّس مرضاة الله وتوفيقه ويتعرّف علاماتِ
توفيق الله لعبده، فإن كانت فيه فليحمد الله ولْيَثْبُت ويزدد منها، وإن لم
تكن فيه تدارك نفسه وأكثر منها.
ومما يجعل لطرح مثل هذا الموضوع
أهميةً كبرى اختلالُ موازين كثير من الناس، وظنُّهم أن من توفيق الله للعبد
هو أن تفتح له الدنيا وإن ضيّع أمر دينه وآخرته، وهذا من الجهل المركّب
بدين الله وبكتاب الله وسنة مصطفاه،
يقول صلى الله عليه وسلم (((إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من أحب)) حديث صحيح رواه الإمام أحمد.
والتوفيق معناه: أن
يهيئ له أسباب ما يرضيه سبحانه وتعالى، وما يوافق ما أراده من عبده، وهذا
التوفيق أن يكون هوى الإنسان تبعاً لما طلب منه شرعاً، فإذا كان الإنسان لا
يرغب فيما حرم الله عليه ويرغب فيما أوجب عليه فهو موفق.
وعليه
فإذا أراد العبد أن يكون أعلاً لتوفيق الله فلا بد أن يعرف ما هي علامات
توفيق الله للعبد ليحرص أن يكون من أصحابها وليضرب في كل علامة بسهم
،وليتشبه بأهلها إن التشبه بالكرام فلاحُ.
ومن تأمّل كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وتدبّرهما حقّ التدبر يجد أن من علامات توفيق الله للعبد ما يلي:
أولاً: التوفيق للعمل الصالح :
إن
أعظم ما يمكن أن يكون من علامات التوفيق هو التوفيق للعمل الصالح عمومًا
على اختلاف أنواعه بدنيا أو ماليًا أو قوليًا، والله عز وجل بيّن أن الطاعة
والتوفيق لها هو الفوز العظيم فقال سبحانه: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:71]، وجاء في الحديث
الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا أراد الله بعبد خيرا
استعمله)) قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعمله؟ قال: ((يوفقه لعمل صالح قبل
موته)). وجاء أيضا في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم عن أبي بكرة أن رجلا
قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: ((من طال عمره وحسن عمله)) قيل: فأي
الناس شر؟ قال: ((من طال عمره وساء عمله)).
ثانيًا: العلم الشرعي :
من
التوفيق أن يوفّق العبد لطلب العلم الشرعي والتفقه في دين الله، ومن سلك
طريقَ العلم فإنه على خير كثير، فقد جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله
عليه وسلم أنه قال: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)).
ثالثًا: التوفيق لنشر الخير والدعوة إلى الله وإصلاح الناس:
فإن
هذه مهمة الأنبياء والرسل، وقد قال الله عز وجل: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً
مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ
الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33]. وإن من توفيق الله للمسلم أن يجعله داعية للخير
ونشر العلم.
فالموفق من فتح الله على قلبه في الدعوة إليه والجهاد
في سبيله فتحرك قلب الداعية وهزه الشوق والحنين ليسوق العباد إلى ما يرضي
رب العباد ، فهو أحسن الناس وأعظمهم أجراً وأشرفهم مهنة وكفى بها فخراً
أنها مهنة المرسلين . فهنيئاً لك
أيها الداعية الصادق فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) [رواه أحمد ومسلم ] ..
رابعاً:الاخلاص وصدق النية وصلاحها :
قال
تعالى في من يصلحوا بين الزوجين (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما )..قيل
الزوجين وقيل الحكمين .عندما أصلحا النية وأخلصا في الصلح وفق الله .
وقال (عز وجل) : [ أَفَمَن شَرَحَ اللَّه ُصَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ] [الزمر : 22]
فالموفق
هو ذاك المخلص الذي أخلصه الله إليه فصدق مع ربه يريد مرضاته مكتفياً
باطلاع الله عليه ، فلا يلتفت إلى المخلوقين ليُعرِّض بنفسه أو بكلامه أو
لحظات طرفه أمامهم ليمدحوه أو ينال إعجابهم ، فهو يحذر من الرياء والسمعة
والعجب والإدلال بالعمل وغيرها من مفسدات الأعمال وموهنات القلوب .
والمخلص
هو الذي حفظه ربه (تعالى) فسلّمه من شر الالتفات إلى الناس والشكاية إليهم
، والطمع فيما عندهم ، والخوف منهم ومداهنتهم ، والتملق لهم ، وطلب رضاهم
على حساب الحق ؛ فالإخلاص هو سر التوفيق وهو بوابة حيازة الخيرات والقربات
وقبولها من الله الذي يحب المخلصين الذين باعوا أنفسهم وأوقاتهم وكل ما
يملكون لربهم قال تعالى : [ قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ
مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ ][الزمر : 11]
خامساً:التوكل على الله والإنابة إليه :
قال
الله (تعالى) عن شعيب (عليه الصلاة والسلام) : [ وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ
بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ ] (هود : 88) ، فالتوفيق
منزلة عظيمة يهبها الله لمن أحب من عباده ، فإذا علم الله من عبده الصدق
والإنابة إليه وفّقه الله وهداه ، قال تعالى : [ قُلْ إنَّ اللَّهَ يُضِلُّ
مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ] [الرعد : 27] ، وإذا وفق
الله العبد اجتباه ويسر له أسباب العمل فيما يرضيه ، وشرح صدره للطاعة ،
وحببه إليها ، فيقبل العبد على أبواب الخير يضرب بسهم في كل باب تواقاً
منهوماً مستسهلاً للصعاب مطارحاً للعقبات .عن أبي سعيد الخدري (رضي الله
عنه) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لن يشبع مؤمن من خير حتى
يكون منتهاه الجنة).
سادساً:إرادة الآخرة :
الموفق
هو من صرف الله قلبه عن التعلق بالدنيا والطمع في جمعها والظفر بزينتها
وشهواتها ، وأنزل الله بقلبه همّ الآخرة ، يعد أيامه وأنفاسه يريد ألا
ينفقها إلا فيما يرضي الله والهاتف دائماً في قلبه : الرحيل .. الرحيل ،
قال الله ( تعالى ) :
[بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)
وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ] [الأعلى : 16 ، 17] ، وهذا بخلاف المغبون
الذي صرفته دنياه عن آخرته .يقول صلى الله عليه وسلم: ( من كانت الآخرة
همّه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن
كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرّق عليه شمله، ولم يأتِه من
الدنيا إلا ما قُدِّر له)) وهو في صحيح الجامع (6561).
سابعاً: التوبة من المعاصي:
ومن
علامات التوفيق أن يوفق العبد للتوبة من الوقوع في المعاصي حتى لو تكرّرت
منه، أو يحال بينه وبين المعاصي فلا يستطيع أن يصل إليها، فإن هذا من علامة
التوفيق والسداد وإرادة الله به خيرًا، كما قال جل وعلا: (وَاللَّهُ
يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء:27]، والله عز وجل
يفرح بتوبة عبده، نسأل الله أن يمنّ علينا وعليكم بقبول توبتنا وأوبتنا إلى
ربنا، وأن يحول بيننا وبين المعاصي وكل ما يبغض ربنا.
والعاصي لا
يوفق ، يجد النحس دائماً في وجهه باستمرار، التوفيق مجانب له؛ في كل طريق
لا يجد معه توفيقاً من الله عز وجل؛ لأن التوفيق هو قرين العمل الصالح
والهداية والطاعة، أما المعاصي والذنوب فإن صاحبها غير موفق لا في الدنيا
ولا في الآخرة.
ثامناً:نفع الناس وقضاء حوائجهم:
ومن
علامات التوفيق أن يوفّق العبد لنفع الناس وقضاء حوائجهم كما صحّ عنه صلى
الله عليه وسلم أنه قال: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم)).
الموفق هو
ذلكم المحسن للآخرين العطوف عليهم الذي يقلقه شجون المصابين وأنات المساكين
والمشردين والمحرومين والمظلومين ، فهو يسعى بكل سبيل ليكفكف عبراتهم ،
ويضمد جراحهم ، ويمسح على رؤوسهم ليرد إليهم اعتبارهم وينفي كربهم ويدخل
السرور عليهم يوم نسيهم المسلمون وانشغلوا بأنفسهم وشهواتهم وكماليات
حياتهم .
تاسعاً:حب الطاعة وكره المعصية :
الموفق
يفرح بطاعة الله وذكره وشكره ويحب عمل الخير والصلاح بل يجد فيه متعته
وراحته وكان أبو سليمان الداراني يقول: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل
اللهو في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.
عاشراً: العناية بالقرآن تعلما وتعليما:
ومن
علامات التوفيق أن يوفق العبد للعناية بكتاب الله تعلّما وتعليما، يقول
صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)). فهنيئًا لك يا من تدرس
كتاب الله وتدرّسه ويا من تقرؤه كلّ يوم. وأنت يا من فرّطت في كتاب الله
وتلاوته، تدارك نفسك فإن من علامة التوفيق أن توفّق لتلاوة كتاب الله حتى
تحوز على هذه الخيرية والأجر العظيم.
الحادي عشر: القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ومنها أيضا أن يوفق العبد للقيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال جل وعلا: (كُنْتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110]،
وقال سبحانه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ
هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104]، فعلق سبحانه الفلاح والتوفيق
على من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وجعل الخيرية في هذه الأمة لمن أمر
ونهى، جعلنا الله وإياكم منهم.
الثاني عشر:الصحبة الصالحة :
من
التوفيق أن يرزق العبد صحبة صالحة يعينونه على الطاعة ويحذرونه من المعصية
، ولما للصاحب من أثر بالغ على صاحبه نهى النبي عن صحبة غير المؤمنين فقال
: ((لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي)) أخرجه أبو داود
والترمذي بسند لا بأس به.