[b]م عليكم ورحمة الله وبركاته
“الوحم” ضيف ثقيل يهدد راحة الرجال، ويهزم الأشداء منهم
“الوحم” فسحة زمنية لدلال وغنجها.
الرجال يعترفون: نعم، نحن ضعفاء أمام وحم نسائنا
لا شيء يضاهي سعادة عندما تعلم أنها حامل، ولكن خوفها من الحمل ومن الوحم
تحديداً قد يبدد هذه السعادة، وينغص فرحتها بالحدث السعيد، إذا كان يحدث
لأول مرة في حياتها. وعادة ما يتعمق الإحساس بالإرهاق والشعور بالخوف في
الثلاثة أشهر الأولى أو ما يسمى بالوحم. وتجتمع الآراء تقريبا حول “الوحم”
على أنه حالة نفسية تقبل من عامة الناس، وتكتسب من خلالها صورة من الدلال
وتعاطف المحيطين بها. كما تستطيع الحامل إشعار نفسها وغيرها بالأهمية وفرض
شخصيتها ولو إلى حين لافتة الانتباه إلى حدث الولادة العظيم الذي يجدد
الخلق والحياة.
ويقال عن هذه الحالة أشياء كثيرة في الأوساط الشعبية مثل أن عندما تتوحّم
على شيء ولا يحضرونه لها ينعكس ذلك على الولادة في صورة من الصور كالبصمة
أو الشامة أوالخال أو الفراولة.
وربما يعد هذا ارتباطا موضوعيا بالضغط النفسي وينتج انعكاس بيولوجي
وفسيولوجي على وظائف الجسم من قلة الأوكسجين أو بعض العمليات الوظيفية
الأخرى مما يولد وحمة هنا أو شامة هناك ولا يعتقد أن يكون للوراثة دخل في
هذا الوحم.
وتتعدد التفسيرات في هذا المجال دون الوصول إلى سبب علمي واضح لما يحدث لدى
بعض النساء من ظواهر غريبة مثيرة للدهشة والاستغراب أحيانا، والقصص كثيرة
في هذا الصدد، ننقل بعضها على لسان صاحباتها أو بعض الأزواج من الرجال
ممن عانوا الويلات جراء وحم الزوجات.
الوحم أجبرني على تغير لون سيّارتي
يذكر السيد فريد الأسود أستاذ لغة فرنسية ، أن زوجته حملت بعد سنة من
زواجهما بعد أن قضّيا أشهرا في هدوء ووفاق وسعادة. لكن منذ الأسابيع الأولى
للحمل تزعزع هدوء البيت وزالت السكينة. حيث تغيّر مزاج وطبع زوجته فغيّرت
عادات الأكل وأنواع العطور التي كانت تستعملها. وإلى حدّ ذلك فإن الأمر
غير مستغرب لأن أغلب الحوامل يصبن بهذه التغيرات في فترة الوحم.
بل أوضح محدّثنا أن الطريف بالنسبة إليه هو أن زوجته غيّرت الألوان التي
كانت تحبّذها وامتد تغير الألوان إلى طلبها تغير لون سيارتهما من الأسود
إلى الأحمر “وما كان منّي إلاّ أن استجبت للأمر فأصبحت أتجوّل في سيارة
حمراء طيلة مدّة حمل زوجتي” على حد قوله.
زوجتي أطردتني من المنزل
شكري المرسني موظف ببنك عاش تجربة فريدة كان سببها وحم زوجته أثناء حملها
بابنته البكر “هيفاء”. إذ يقول أن زواجه كان في بداية ينات من القرن
الماضي. كانت أولى ثمراتها حملا جميلا، لكن منذ الأسابيع الأولى للحمل يذكر
محدّثنا أن زوجته وحبيبته بدأت مشاعرها تتحوّل نحوه وأصبحت لا تطيق النظر
إليه وكرهته كرها شديدا ونزعت صورة الزواج من جدار غرفة النوم وأزاحت
أدباشه ولباسه من الخزانة. يقول:
“تحمّلت كل هذا بسبب “الوحم” فقد هيّأني أصحاب التجربة لأيام الوحم. لكن
المفاجأة الكبرى حصلت عندما عدت ذات مساء بعد يوم عمل طويل وشاق ، تقدّمت
مني زوجتي وحبيبتي وطلبت منّي مغادرة المنزل فورا لأنّها لم تعد تطيق
رؤيتي. وامتثلت لأمرها وذهبت لمنزل العائلة .
فذهبت والدتي وأقامت معها مدّة من الأيام وبقيت أراقب الأمر من بعيد. ومع
زوال فترة الوحم عادت الأمور إلى نصابها وأصبحنا نتندّر بتلك الأحداث التي
كان سببها “الوحم”".
تنازلت على عطري المفضل
أبو ملاك إعلامي تونسي ابتسم وهو يتحدثنا وقال لا أريد ذكر اسمي يكفي ذكر
ملاك حتى أتذكر معاناتي:”آه من تلك الفترة فترة الوحم التي تعد واحدة من
أصعب الفترات التي شهدتها حياتي الزوجية. فقد كان مزاج زوجتي شديد التقلب
إذ كانت تشعر دائما بالغثيان وتكره بعض المآكل وبعض الروائح. حتّى أن العطر
الذي أستعمله كانت رائحته مقلقة جدّا لها مما اضطرّني إلى عدم استعمال
هذا العطر بعد جدل كاد أن يتحوّل إلى خصام.
صراحة أنا لم أكن متفهما لوضعية زوجتي، وكادت الأمور أن تصل إلى ما لا تحمد
عقباه ولكن والحمد لله فقد تحملت زوجتي منّي هذه اللامبالاة ، وكان ذلك
بمثابة الدرس لأنني خلال الحمل الثاني لها راعيت الظروف النفسية في فترة
الوحم بتوجيه من طبيبتها”.
شهادات نسائية حول الوحم
عديد النساء اللواتي مررن بتجربة الحمل أجمعن على أن مرحلة الوحم تعد من
أصعب المراحل وبالإضافة إلى الإرهاق ومشاعر الاكتئاب التي تغمر في هذه
المرحلة تميل بعض النساء إلى نزوات غاية في الغرابة، كالإقدام على تناول
أشياء غير مألوفة والرغبة في تناول فواكه أو أكلات معينة قد لا تتوفر
حينها.
تقول السيدة أماني العساف: “ليس من يدوس الجمر كمن يتفرّج عليه. والحقيقة
أنني جرّبت الحالتين. كنت وأنا صبية معتدة بشبابي وثقافتي أنتقد كثيرا
الحوامل اللاتي يتحدثن عن الحمل ويركزن على متاعب الوحم بالخصوص.
كنت أعتبر ذلك دلالا وغنجا واستجداء لعطف أزواجهن إن لم يكن عطف الجميع. بل
أنني كنت أعتقد جازمة أن النساء الحوامل يبالغن في وصف معاناتهن أثناء
الوحم المبني أساسا على كذب لطيف حتى يلفتن الأنظار والانتباه إلى هذا
العمل الجليل اللاتي يقمن به وهو إنجاب طفل.
مرّ الزمن وجاءت اللحظة التي انتقلت فيها من موقع المتفرّج الفارس إلى موقع
الدائس على الجمر. تزوجت وحملت. وبدأت تنتابني أحاسيس ورغبات غريبة لم
تخطر على بالي مطلقا.
فالشهوات التي أصبحت تسيطر عليّ لم أكن لأصدق أنّها جعلتني وقحة أحيانا فأطلبها من أناس غريبين ألتقيهم في المطاعم أو في المناسبات.
إصراري على إحضار شيء ما ثم فجأة أغيّر رأي وأعدل عنه لم يكن من طباعي قبل
الحمل والوحم. ثم تلك الشكوى الدائمة من الحامض الذي تفرزه معدتي بشكل
منتظم فيصيبني بحرق دائم. لمدّة تسعة أشهر وأنا أعاني من تلك الحروق التي
تفرزها معدتي فتجعلني أتقيأ في كل لحظة وحين. أشياء غريبة تحدث لي تغيّر
مزاجي ورغباتي فالصابون الذي كنت أحب رائحته ولا أشتري سواه أصبحت أمقت
رائحته.
ورائحة الأكل الذي كنت أتفنن في طبخه أصبحت لا أطيقها. و أطلب من والدتي أن
تطبخ لي الطعام، أما عندما أضطر للطبخ فقد كنت أغطي أنفي وفمي بعصابة
كأنني جراحة في غرفة العمليات.
ماذا سأقول أيضا عن تلك الأشهر المليئة بالقرف من كل شيء؟ من شكل البطن
الذي ينتفخ يوما بعد يوم، من الوجه الذي غطته غشاوة من السواد؟ ماذا أقول
عن تلك الأشهر الطويلة من الأحاسيس والتصرفات الغريبة والتي يسمونها الوحم ؟
وأحلف بأغلظ الإيمان أنني لم أكن أتصنّع ذلك لأحسس زوجي بمعاناتي. أو
لأستدرّ عطف أهلي. لكنني كنت مقتنعة شديد الاقتناع أنني كنت آتي فعلا
عظيما: إنه منح الحياة لكائن حي”.
أما السيدة نبيلة فقد سردت على مسامعنا أشياء غريبة حدثت لها في بداية
حملها بطفلها الأول. تقول هذه السيدة: “على الرغم من فرحتي الكبيرة بحملي
الذي حدث بعد أربع سنوات من الزواج فقد حصلت لي أشياء غريبة جعلتني أفكر في
التخلص من الجنين ولولا مساعدة زوجي لي وتفهمه لكنت فعلت. وتضيف السيدة
نبيلة: “فجأة أصبح مزاجي متقلبا ومكتئبة في معظم الوقت، أشكو من كل شيء ومن
لا شيء، كرهت بيتي وملابسي ورائحة العطر والماكياج برغم عشقي الكبير لهذه
الأشياء، وتحوّل زوجي في نظري إلى شخص كريه فلم أعد أحتمل أي شيء منه حتى
رائحته لدرجة انني طلبت منه عدم النوم معي في نفس الغرفة”.
وتعترف السيدة نبيلة الفقيه انها ظلمت زوجها كثيرا لأنها كانت تشعر بأنه
السبب في معاناتها وتقول: “لولا تفهم زوجي وحبه لي لحدث الطلاق بيننا لأنني
كنت لا أطاق فعلا وقد شعرت بالذنب بعد ذلك”.
الأطباء يبررون
الدكتورة رشيدة صفر رئيسة قسم التوليد بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة تونس
تقول:”لا يوجد أي أساس علمي لمرض اسمه “الوحم” ولكن كل ما يحدث هو نوع من
التغير الهرموني في جسم يؤثر على كافة وظائف الجسم فتصبح في هذه المرحلة
أكثر ميلا لتناول نوع معين من الأطعمة خاصة ذات الطعم الجيد كما تبدي رغبة
وميولات غريبة تدفعها إلى التهام بعض المواد مثل الطباشير والفحم والخل
وكل هذه المواد غير مستحبة. ويمكن أن تكون لها تداعيات خطيرة على جسم
الحامل والجنين كتسمّمات والتهابات في الجهاز الهضمي لذلك ننصح الحوامل
بالابتعاد عن هذه الممارسات”.وتضيف الدكتورة صفر إنه لا يعرف حتى الآن سبب
ظاهرة الوحم عند الحوامل
أما الدكتور عماد الرقيق الأخصائي النفسي، فيؤكد أن تلك الميول الغريبة
التي تنتاب بعض النساء خلال فترة الحمل الأولى نظريا هي حتمية لما يحدث من
تغيرات هرمونية داخل الجسم ينجم عنها نوع من الاكتئاب والتقلب في المزاج
والكثير من المشاعر المتناقضة من بينها الخوف من الحمل ذاته والولادة في
وقت لاحق، مع شعور بأنها تتحمل وحدها ذلك العبء. ويؤدي كل ذلك حسب هذا
الأخصائي إلى اتجاه إلى الإتيان ببعض السلوكات الغريبة رغبة منها في لفت
انتباه الغير خاصة الزوج لمعاناتها. وغالبا ما يحدث هذا الأمر لدى النساء
ذوات التركيبة العاطفية الهشة. ويؤكد هذا الاختصاصي على أهمية دور الزوج في
هذه المرحلة إذ ينبغي عليه الاهتمام بزوجته وإحاطتها بالرعاية التامة حتى
لا تشعر أنها وحيدة.[/b]