من صفات المتقين . التقوى
إن من أهم الصفات التي ينبغي أن يسعى إليها المؤمن الذي يريد أن يرتقي إلى أشرف منازل الآخرة هي ( صفة التقوى ) .. وهو الميزان الحقيقي عند الله تعالى . قال تعالى : {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } .
فأكرمهم عند الله أتقاهم ، وهو أكثرهم طاعة وانكفافًا عن المعاصي ، لا أكثرهم قرابة وقومًا ، ولا أشرفهم نسبًا، ولكن الله تعالى عليم خبير، يعلم من يقوم منهم بتقوى الله، ظاهرًا وباطنًا، ممن يقوم بذلك، ظاهرًا لا باطنًا، فيجازي كلا بما يستحق.
· لقي بكر بن عبد الله طلق بن حبيب ، فقال : صف لنا شيئا من التقوى يسيرا نحفظه قال : « اعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ؛ فالتقوى ترك معاصي الله على نور الله مخافة عقاب الله »
ولقد بين الله لنا في القرآن الكريم بعض صفات و أخلاق المتقين .. حتى ننتصف بها ، وتتجسد في شخصيتنا .
قال تعالى :{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } . أمرهم الله تعالى بالمسارعة إلى مغفرته وإدراك جنته التي عرضها السماوات والأرض، فكيف بطولها، التي أعدها الله للمتقين، فهم أهلها وأعمال التقوى هي الموصلة إليها . ثم وصف المتقين وأعمالهم :
§ الصفة الأولى : { الذين ينفقون في السراء والضراء } : أي : في حال عسرهم ويسرهم ، إن أيسروا أكثروا من النفقة، وإن أعسروا لم يحتقروا من المعروف شيئا ولو قل .
· قال ابن كثير رحمه الله : أي: في الشدة والرخاء، والمَنْشَط والمَكْرَه، والصحة والمرض، وفي جميع الأحوال، كما قال: { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً } . والمعنى: أنهم لا يشغلهم أمْر عن طاعة الله تعالى والإنفاق في مَرَاضِيه، والإحسان إلى خلقه من قراباتهم وغيرهم بأنواع البر. اهـ
§ الصفة الثانية : {والكاظمين الغيظ } :أي: إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم ، وهو امتلاء قلوبهم من الحنق، الموجب للانتقام بالقول والفعل ، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم.
- عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعة (بالصُّرَعَة: بفتح الراء؛ الذي يَصْرَعُ غيرَه؛ فإن كانتْ ساكنَةً فهو الذي يَصرعه غيرُهُ)، وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ . متفق عليه
- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَه، دَعَاهُ اللهُ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلائِقِ، حَتَّى يُخيرَهُ مِنْ أيِّ الْحُورِ شَاءَ". ورواه أبو داود
§ الصفة الثالثة : {والعافين عن الناس } : يدخل في العفو عن الناس ، العفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل .
· والعفو أبلغ من الكظم ، لأن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء ، وهذا إنما يكون ممن تحلى بالأخلاق الجميلة، وتخلى عن الأخلاق الرذيلة ، وممن تاجر مع الله ، وعفا عن عباد الله رحمة بهم ، وإحسانا إليهم ، وكراهة لحصول الشر عليهم ، وليعفو الله عنه ، ويكون أجره على ربه الكريم ، لا على العبد الفقير ، كما قال تعالى : { فمن عفا وأصلح فأجره على الله } .
· قال الحسن البصري رحمه الله : « أفضل أخلاق المسلمين العفو »
· الصفة الرابعة : {والله يحب المحسنين }
· والإحسان نوعان :
- الإحسان في عبادة الخالق : فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"
- والإحسان إلى المخلوق :
1- فهو إيصال النفع الديني والدنيوي إليهم .
2- ودفع الشر الديني والدنيوي عنهم .
3- ويدخل في ذلك أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر .
4- وتعليم جاهلهم ، ووعظ غافلهم ، والنصيحة لعامتهم وخاصتهم .
5- والسعي في جمع كلمتهم .
6- وإيصال الصدقات والنفقات الواجبة والمستحبة إليهم ، على اختلاف أحوالهم وتباين أوصافهم .
7- ويدخل في ذلك بذل الندى وكف الأذى ، واحتمال الأذى ، كما وصف الله به المتقين في هذه الآيات ، فمن قام بهذه الأمور، فقد قام بحق الله وحق عبيده .
§ الصفة الخامسة : {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ } أي: صدر منهم أعمال سيئة كبيرة ، أو ما دون ذلك ، بادروا إلى التوبة والاستغفار ، وذكروا ربهم وما توعد به العاصين ووعد به المتقين ، فسألوه المغفرة لذنوبهم ، والستر لعيوبهم ، مع إقلاعهم عنها وندمهم عليها .
- عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أنه توضأ لهم وُضُوء النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ تَوضَّأَ نَحْوَ وُضُوئي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيْهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ .متفق عليه
§ الصفة السادسة : { ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } :أي : تابوا من ذنوبهم، ورجعوا إلى الله عن قريب، ولم يستمروا على المعصية ويصروا عليها غير مقْلِعِين عنها، ولو تكرر منهم الذنب تابوا عنه.
· قال سعيد الجريري : قلت للحسن البصري : يا أبا سعيد ، الرجل يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب حتى متى ؟ قال : « ما أعلم هذا إلا من أخلاق المؤمنين » .
· عن الربيع بن خثيم ، أنه قال لأصحابه : ما الداء ؟ وما الدواء ؟ وما الشفاء ؟ قالوا : لا. قال : « الداء الذنوب ، والدواء الاستغفار ، والشفاء أن تتوب فلا تعود » .
· قال بكر بن عبد الله : « إنكم تستكثرون من الذنوب فاستكثروا من الاستغفار ، وإن الرجل إذا أذنب ذنبا ثم رأى إلى جنبه استغفارا سره مكانه » .
- { أولئك } الموصوفون بتلك الصفات ..
- { جزاؤهم مغفرة من ربهم } تزيل عنهم كل محذور .
- { وجنات تجري من تحتها الأنهار} فيها من النعيم المقيم، والبهجة والسرور والبهاء، والخير والسرور، والقصور والمنازل الأنيقة العاليات، والأشجار المثمرة البهية، والأنهار الجاريات في تلك المساكن الطيبات .
- { خالدين فيها } لا يحولون عنها، ولا يبغون بها بدلا ولا يغير ما هم فيه من النعيم .
- { ونعم أجر العاملين } عملوا لله قليلا فأجروا كثيرا . اهـ بتصرف تفسير السعدي
· كيف يكون العبد تقيا لله حقا ؟ « جاء رجل إلى عيسى ابن مريم فقال : يا معلم الخير ، علمني شيئا تعلمه وأجهله ، وينفعني ولا يضرك ، قال : ما هو ؟ قال : كيف يكون العبد تقيا لله عز وجل حقا ؟ قال : بيسير من الأمر :
- تحب الله حقا من قلبك .
- وتعمل له بكدودك وقوتك ما استطعت .
- وترحم بني جنسك برحمتك نفسك ...قال : يا معلم الخير ، ومن بنو جنسي ؟ قال : ولد آدم كلهم ، وما لا تحب أن يؤتى إليك ، فلا تأته إلى غيرك ؛ فأنت تقي لله حقا » .
- قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } .. قال : هو أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا يُنْسَى، ويُشْكَرَ فلا يُكْفَر.
- قال أنس بن مالك رضي الله عنه : لا يتقي الله عز وجل رجل حق تقاته حتى يخزن من لسانه .
· تفكر في نفسك في هذه الأمور .. وتأملها جيدا .. حتى تعلم هل عندك حقيقة التقوى أم لا ..؟
م.ن