شرح حديث: (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: [ عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها) حديث حسن رواه الدارقطني وغيره ]. هذا الحديث يعتبره علماء الحديث من أجمع الأحاديث لأحكام الشريعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قسم أحكام الشريعة كلها إلى: · فرائض. · وحدود. · ونواهٍ. · ومباحات. ولا يوجد حكم في الشرع إلا وهو داخل تحت قسم من هذه الأقسام، ولذا يقولون: هو أجمع حديث لأحكام الشريعة الإسلامية.
تعريف الفرض لغة
قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله فرض): الفرض في اللغة: القطع، ولو جئت إلى فقه اللغة لوجدت التقارب بين القرض بالقاف، والفرض بالفاء، فالفرض: القطع، والقرض تقول: قرض الفأر الثوب بمعنى: أكله وقطعه، وقرض الحبل الحجر: إذا حزَّ فيه من طول اللُبث أو طول الحركة، ومنه: الفرائض (المواريث) فلكل شخص حصة من التركة مقطوعة من رأس المال، وهكذا قالوا: الفرض هو الحد والقطع والتحديد. ويقول الفقهاء فيما اصطلحوا عليه في أصول الفقه: الفرض والواجب مترادفان إلا في الحج. والواجب لغة الثابت، فكل ما فرضه الله فهو ثابت، فبينهما ارتباط، ولذا قالوا: هما مترادفان، ومن استدلالهم على أن الواجب: الثابت قول الشاعر: أطاعت بنو بكر أميراً نهاهم عن السلم حتى كان أول واجب واجب، بمعنى: ساقط وثابت. وقال في الآية الكريمة عن البُدن: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا [الحج:36]؛ لأن الإبل والبدن تنحر قائمة، فإذا نحرت سقطت على جنبها، وثبتت في مكانها فلا تبرحه.
تعريف الفرض عند الفقهاء
يقول الفقهاء: الفرض والواجب مترادفان في جميع العبادات إلا في الحج؛ لأن الفرض والواجب سواء، فهما ركنان في العبادة ولا تصح إلا بهما. والحج فيه الفرض والواجب والركن والواجب. والركن: جزء الماهية، وليس شرطاً في صحتها؛ ولكن جزء منها. وفرق بين الركن والشرط، والصلاة فيها ركوع وسجود وقراءة، وهذه الصلاة لا تصح إلا بطهارة وباستقبال القبلة؛ ولكن الطهارة عمل خارج عن عملية الصلاة، تتطهر في بيتك وتصلي في المسجد، وكذلك استقبال القبلة؛ فاستقبال الجهة خارج عن ماهية الصلاة، ثم تكبير وقراءة وركوع وسجود وسلام. فالركن جزء الماهية، فيقولون: الركن والفرض والواجب كله سواء إلا في الحج، فالركن في الحج: ما لا يتم الحج إلا به، وإذا فات فلا حج، والواجب في الحج يُجبر بدم. ومثلوا لهذا بالوقوف بعرفة فهو ركن في الحج، وكذا الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة واجب، ورمي الجمار واجب لو تركه يُجبر بدم، والحج صحيح، وطواف الوداع يُجبر بدم والحج صحيح؛ لأنه واجب، خلافاً لـمالك . إذاً: الحج فيه أعمال يفوت إن تركت، سواء كانت خطأً أو نسياناً أو عمداً، من فاته الوقوف بعرفات فلا حج له؛ لحديث: (الحج عرفة) ، ويبقى بإحرامه، ويأتي الكعبة ويطوف ويتحلل بعمرة، وعليه الحج من عامٍ قابل، وإذا أخر طواف الإفاضة لم يتم حجه إلى أن يطوف بالبيت؛ لذا قالوا: الفرض والواجب في جميع العبادات سواء ما عدا الحج.
م/ن
أستغفرك اللهم وأتوب إليك