التي تتلقى هذه الأسماء جامدة أو منقولة بغير معنى يؤديه لفظها الدال عليها
في أحاديث المتخاطبين بها. ([1])فأسماء الأسد والكلب والنسر والصقر والغراب والفرس والحمار والخروف وعشرات
غيرها هي كلمات ذات معنى يفهمه المتكلمون بها، ويطلقونه أحيانًا إطلاق الصفات عند
المشابهة بين هذه الحيوانات وبين غيرها.يقال : أسد الكلب للصيد أغراه به ، وأسد عليه اجترأ ، وآسد بين القوم أفسد
بينهم ، ومعنى هذا أن العرب عرفوا هذا الحيوان وهم يتكلمون بلغتهم هذه ويستخدمونها
للوصف أو الاشتقاق والمجاز.وكذلك معنى الكلب من العض والقبض ، والنسر من الجرح والنقض والتمزيق ،
والصقر من الحدة في الحرارة أو في الطعم أو في اللمس والفرس من حدة النظر
والاستعانة به على الافتراس ([2]).وهكذا يستمر العقاد في تأصيل أسماء الحيوانات في اللغة العربية ، ويقارن في
ذلك بينها وبين الإنجليزية ؛ حيث نجد أسماء الحيوان في الإنجليزية كلها منقولة من
غيرها ، فالأسد Lion من (ليو)Leo اللاتينية ، والحصان Horse من ( روس )
Ross الجرمانية ، والحمار ( آس ) Ass من ( اسنس )
اللاتينية ([3]).ثم يقرر أن العلم بالحيوان المستأنس أو الحيوان المتوحش أقدم شيء في لغات
بني البشر . وأنه لا خلاف في دلالة أسماء الحيوان بألفاظها المشتقة على قدم اللغة
العربية عند المقابلة بينها وبين اللغات الأوربية من أقدم عهودها التاريخية .ويوضح الأستاذ أنور الجندي أن اللغة العربية تملك من المرونة مالا تملكه
لغة حية أخرى فالألماني المعاصر مثلا لا يستطيع فهم كلمة واحدة من اللهجة التي كان
يتحدث بها أجداده من ألف عام بينما العرب المحدثون يستطيعون فهم لغتهم التي كتبت
في الجاهلية قبل الإسلام "([4]).ويقول
الدكتور أحمد مطلوب :" إن قدم العربية وتواصلها خلال قرون طويلة واحتفاظها
بالقواعد والأصول العامة من أول خصائصها وإن ذلك التواصل جعل أبناءها يقرءون
تراثها الضخم وينتفعون به ... وتلك مزية لا تعرفها اللغات القديمة أو
الحديثة"([5]).2. التفرقة بين الجملتين الاسمية والفعلية : كذلك يقارن
العقاد بين العربية واللغات الأوربية من حيث نوع الجملة واستخدامها فيقرر أن
الجملة في اللغات الأوربية اسمية يتقدم فيها الفاعل على الفعل على خلاف الجملة في
العربية فإن الفاعل فيها يتأخر عن الفعل . وقد زعم بعض الغربيين أن تأخير الفاعل
في العربية مرده إلى القدرية الشرقية التي ترد كل شيء إلى الغيب . ومنهم من يزعم
أن هذا الاختلاف راجع إلى درجة الشعور بثبوت الشخصية الإنسانية فإن هذا الشعور قوي
لدى الأورببن ولكنه ضعيف عند الشرقيين . وقد فند العقاد هذه الأقوال بأنه ليس
صحيحًا ما يشاع من أن اهتمام الأوربيين بالفعل أقل منه عند الشرقيين فإن الفعل في
اللغات الأوربية عنصر أساسي لا يستغنى عنه في الجملة ، وإنهم يطلقون على التركيب
الخالي من الفعل اسم " العبارة " Phrase تمييزًا لها
من " الجملة " Sentence ومعنى هذا أن أي
تركيب يخلو من الفعل غير مفيد ، وليس الوضع كذلك في اللغة العربية فإنه يمكننا أن
نقول : " رجل في الدار" فيفهم منه ما يفهم من قولنا في اللغة الأوربية
" رجل يوجد في الدار".([6]) كذلك ليس صحيحًا ما يشاع من أن العربية تبدأ بالفعل دائمًا" فالجملة
الاسمية موجودة في اللغة العربية وليست مع وجودها قليلة الاستعمال في مواضعها فليس
تقديم الفعل على الفاعل فيها عجزًا عن التركيب الذي يتقدم فيه الفاعل على الفعل ،
ولكنه تقسيم للكلام على حسب مواضعه "([7])ثم ينتهي العقاد إلى القول بأنه متى ثبت لنا الفرق بين موقع الفعل والفاعل
في الجملتين الاسمية والفعلية فالاكتفاء بالجملة الاسمية كما تقع في كلام
الأوربيين نقص منتقد ، وليس بالمزية التي تدل على الكمال والارتقاء. ويوضح العقاد أخيرًا دقة العربية في التفرقة بين الجملتين في نحو قولنا
"محمد حضر " وقولنا "حضر محمد "، فالأول يقال إذا كنا ننتظر
خبرًا عن محمد أو عن حضوره على الخصوص . والآخر يقال إذا كنا ننتظر الفاعل سواء
كان محمدًا أو عليًا أو حسنًا .فهذه مزية من المزايا التي تكشف عنها المقابلة بين
لغة الضاد واللغات الأجنبية ([8]) .3 ـ ضمائر الجنس والعدد :يرى العقاد أن الجنس في الأعم الأغلب من اللغات الهندية الأوربية ينقسم إلى
ثلاثة أقسام : مذكر ومؤنث ومحايد ،أي ليس بالمذكر ولا بالمؤنث . وهذا وضع عقلي
مخطئ ؛ لأن التقسيم الصحيح في الجنس المتميز أنه مذكر ومؤنث ، وليس هناك جنس ثالث
متميز يسمى بالمحايد ولو على الشذوذ ، كما يعرض للذكر المشكل أو الأنثى المشكل ؛
فإنهما في حقيقة التقسيم ذكر غير متميز وأنثى غير متميزة ([9]).وفي اللغة العربية تمييز بين الضمائر في حالات الإفراد والجمع لا يعرف
لغيرها بعمومه ودقته وتنوع تصريفاته ، ف (هم) لجمع المذكر و( هن) لجمع المؤنث
و( أنت) بفتح التاء للمخاطب المفرد و(أنت) بكسرها للمخاطبة المفردة وأنتم وأنتن
للمخاطبين و المخاطبات . ولا توجد لغة حية تلتزم التفرقة على قواعدها المطردة كما
تلتزمها اللغة العربية ([10]) .ويذكر العقاد من مظاهر دقة اللغة العربية وتطورها دلالتها الصحيحة على
العدد فالضمائر في اللغات الهندية
الجرمانية لا تعرف غير حالتين لضمير العدد هما حالة الإفراد وحالة الجمع . ولكن
اللغة العربية تعرف لها حالة ثالثة هي حالة المثنى وهو من وجهة التفكير المنطقي
ليس بالمفرد ولا الجمع ؛ فإن اثنين لا يكونان جماعة من الناس أو غيرهم . والدقة
البالغة في اللغة العربية أنها لا ترى لزوما عقليا لتنويع ضمائر الثلاثة وما فوقها ؛ لأن الفرق
بين الثلاثة والأربعة كالفرق بين الثلاثة والعشرة والعشرين ليس فرقًا في كنه
الجمعية أو في الخاصة الجمعية ولكنه فرق في صغر الجماعة وكبرها([11]) .ويشير المستشرق الألماني برجستراسر إلى خاصية ضمير المثنى بقوله :" ولأن المخاطب المثنى مشتق من
المجموع وضعناه بعده في الجدول ويتضح من ذلك أنه
حديث بالنسبة إلى سائر الضمائر ولا يوجد في إحدى اللغات السامية سوى العربية.([12])وتتم الدقة حين نلاحظ أن اللغة العربية تستدرك التفرقة بين الضمائر
بالتفرقة بين جموع القلة وجموع الكثرة فإن التفرقة بين الثلاثة والألف بضمير خاص
غير معقولة في باب التفرقة بين الجماعة وغير الجماعة ولكن التفرقة بين جمع للقلة
وجمع للكثرة هو المعقول في حساب الفكر وفي حساب الأرقام على السواء([13]) .وقد ذكر برجستراسر أن من خصائص العربية حصر صيغ التكسير وهي فعلة وأفعل
وأفعلة في القلة .([14]) 4- الفاعل بين المبني للمعلوم والمبني للمجهول والصفات
المشتقة : تحدث العقاد عن الفاعل في العربية
، وذكر أنه يعبر عنه بأكثر من صيغة من خلال المبني للمعلوم والمبني للمجهول واسم
الفاعل وصيغ المبالغة والصفة المشبهة ، وأوضح خصوصية العربية في ذلك بأن الفعل
المبني للمعلوم موجود في لغتنا وفي اللغات الأخرى، ولكن صيغة المبني للمجهول تختلف
كثيرًا بين هذه اللغات ؛ لأن العربية تدل على المبني للمجهول بصيغة خاصة ، ولكن
اللغات الأخرى تدل على المبني للمجهول بعبارة لا اختلاف فيها لتركيب الفعل على
كلتا الحالتين .نحن نقول : " فتح الرجل الباب "، و" فُتح الباب "
بصيغة المجهول ولكن العبارة الأوربية التي تدل على ذلك تقابل قولنا:"إن الباب
يكون مفتوحا" أو "إن الباب صار مفتوحًا " وهو تعبير يخلو من دقة
الصيغة العربية ؛ لأنه أقرب إلى وصف منه إلى الإخبار .وتزيد اللغة العربية بصيغة لا وجود لها عندهم ، وهي صيغة الفعل المطاوع
فيقول القائل : " انفتح الباب" ، ويعبر بذلك عن معنى لا تدل عليه دلالته
الدقيقة كل من صيغتي المبني للمعلوم والمبني للمجهول ، فإذا قلنا : " فتح
محمد الباب " ، فهذا لمن يهمه من الذي فتح الباب ؟ وإذا قلنا:" فتح
الباب " فالمتكلم يخبر أنه لا يعرف الفاعل ، وأما " انفتح الباب "
فيقال لمن ينتظر فتح الباب ،ولا يعنيه من الذي فتحه ، كما لا يعنيه أن يقول له
المتكلم إنه يجهله أو يسكت عنه . يقول العقاد : " واللغة
الدقيقة التي استوفت وجوه الدلالة هي اللغة التي تلاحظ مقتضى الحال في كل عبارة من
العبارات الثلاث، ولا تستخدم عبارة واحدة لموضعين ملتبسين، بل تستخدم كل عبارة
لموضعها الذي لا لبس فيه" ([15]).وهكذا يستدل العقاد على أفضلية اللغة العربية وتميزها باستدلالات عديدة
تنأى عن أن تكون مجرد دعوى أو مبالغة .ولو أن هذا الكلام عن أفضلية العربية وتميزها صدر عن العلماء العرب وحدهم
لقيل إنه تعصب ومفاخرة ،فكيف إذا قاله كبار علماء الغرب ومستشرقوه ؟ ، والحق ما
شهدت به الأعداء .وبعد
، أفلا يحق لناـ معشر العرب والمسلمين ـ أن نعتز بهذه اللغة التي هي هويتنا وقوام
شخصيتنا، وأن نحافظ عليها ونغرس حبها في قلوب أبنائنا وأن نحرص على تعلمها
وتعليمها ونشرها قبل أن تصبح أثرًا بعد عين. فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين . اللغة
العربية من أفضل اللغات ، والقول بذلك لا يتنافى مع المنهج العلمي ، لأن التفاضل
كائن بين أشياء كثيرة في حياتنا: بين البشر وغير البشر، فكما يتفاضل الناس في
مواهبهم وملكاتهم ، تتفاضل لغاتهم في خصائصها. ومن أهم خصائص العربية القدم
والامتداد عبر آلاف السنين الأمر الذي منحها قوة وانتشارا وثباتًا يندر وجوده
في غيرها من اللغات ، فالعربي اليوم يمكنه أن يفهم شعر امرئ القيس وزهير وعنترة
وغيرهم ممن كانوا يعيشون في الجاهلية قبل الإسلام ، في حين أن الألماني أو الفرنسي
أو الإنجليزي لا يستطيع أن يفهم تراث أجداده الذين كانوا يعيشون منذ بضعة قرون .ومنها
خاصية الاشتقاق الذي يعني توليد عدد كبير من الكلمات من أصل واحد مع بقاء
العلاقة المعنوية واللفظية بين الأصل وما تفرع منه، مما يؤدي إلى توليد عدد لا
محدود من الكلمات من جذور محدودة ، ويمنح هذا العربية قدرات فائقة على استيعاب
المعارف الحديثة ، وكذلك خاصية الإعراب بالحركات التي بها يتحقق التمييز
بين المعاني الملتبسة، وهي ظاهرة فريدة لا تعرف في أكثر اللغات اليوم، وقد شهد
بذلك كبار علماء الغرب فيقول المستشرق رينان:" وهذا النظام ـ يعني الإعراب ـ لا يوجد له نظير في أية أخت من
أخواتها السامية ، اللهم إلا بعض آثار ضئيلة بدائية في العبرية والآرامية والحبشية". ومن خصائص العربية وفرة
مخارج الأصوات فيها وتوزيعها توزيعًا عادلا على مدارج جهاز النطق بحيث تشمل ما
بين الشفتين إلى أقصى الحلق ،وتهمل فيما سواها من اللغات بعض المخارج أو يختلط
بعضها ببعض أو تتكرر ؛ كما نجده في غياب الأصوات الحلقية أو بعضها ، واختلاط حروف b وp و fو vفي
اللغات الأوربية وغيرها .ومن تلك الخصائص أيضًا سعة المفردات والتخفيف والاطراد
والاختصار والمناسبة الشديدة بين اللفظ والمعنى ، والتمييز الواضح والدقيق بين
المذكر والمؤنث والعاقل وغير العاقل ، والمفرد والمثنى والجمع ، والمرونة الشديدة
في التصريف والتقديم والتأخير. وكل ذلك يدل على كمال هذه اللغة وشرفها وفضلها ،
وقدرتها على مواكبة تطورات العصر في العلوم والتقنية ، وهو ما شهد به علماء العرب
والغرب على السواء . والحمد لله رب العالمين .د. مصطفى أحمد عبد العليم
1. أشتات
مجتمعات في اللغة والأدب ، لمحمود عباس العقاد ، دار المعارف ، 1982 .
2. إعجاز
القرآن ، للباقلاني أبي بكر محمد بن الطيب ، دار المعارف ، 1981 .
3. بحوث
لغوية ، لأحمد مطلوب ، عمان ، دار الفكر ، 1987 .
4. البيان
والتبيين ، للجاحظ ، عثمان بن بحر ، تحقيق عبد السلام هارون ، القاهرة مكتبة
الخانجي 1985 .
5. تأويل
مشكل القرآن ، لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة تحقيق السيد أحمد صقر، القاهرة
، دار التراث ط 2 ،1973 م .
6. التطور
النحوي للغة العربية ، لبرجستراسر ( تعليق
د . رمضان عبد التواب) .
7. الخصائص
، لابن جني ( تحقيق عبد الحليم النجار) ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1986 .
8. الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في
كلامها لأبي الحسين أحمد بن فارس ، تحقيق السيد أحمد صقر ، القاهرة ، عيسى البابي
الحلبي ، 1977 .
9. العربية
ليوهان فك ، دراسات في اللغة واللهجات والأساليب ، ترجمة عبد الحليم النجار ،
القاهرة 1951 .
10.
الفصحى لغة القرآن ، لأنور الجندي ، دار الكتاب
اللبناني ، بيروت ، 1982 .
11.
فقه اللغة للدكتور علي عبد الواحد وافي ، القاهرة
، دار نهضة مصر 1997 .
12.
فقه اللغة وخصائص العربية ، لمحمد المبارك ، بيروت ، دار الفكر ، الطبعة السادسة ، 1995 .
13.
اللغة الشاعرة ، مزايا الفن والتعبير في اللغة
العربية ، لمحمود عباس العقاد ، القاهرة ، مكتبة غريب ، 1988 .
14.
اللغة العربية والحاسوب ، دراسة بحثية ، لنبيل
علي ، تعريب ، 1988 .
15.
مجلة اللسان العربي 24/86 .
16.
المخصص لابن سيده ، علي بن إسماعيل ، بيروت ، دار
الفكر ، 1978
17.
من قضايا اللغة العربية المعاصرة ـ المنظمة
العربية للتربية والثقافة والعلوم ،تونس ،
إدارة الثقافة ، 1990 .
(35) انظر السابق
17.
(36) انظر أشتات
مجتمعات في اللغة والأدب 17 ،18 .
(37) السابق 19 .
(38) الفصحى لغة
القرآن 301 .
(39) بحوث لغوية 26
.
(40) راجع أشتات
مجتمعات 56-61 .
(41) انظر السابق
60.
(42) راجع السابق
نفسه .
(43) راجع أشتات
مجتمعات في اللغة والأدب 72، 73 .
(44) راجع السابق
نفسه .
(45) راجع السابق
74.
(46) التطور النحوي
للعربية ، ترجمة د . رمضان 78 .
(47) راجع أشتات
مجتمعات 75 .
(48) التطور النحوي
111 .
(49) راجع أشتات
مجتمعات 62- 64 .