أبرز
التحديات التي واجهتها الحركة الإسلامية اشتداد الحملة العسكرية كما هو
الحال في العراق وأفغانستان وباكستان، والحصار والتنسيق الأمني بين
الاحتلال والنظام الرسمي كما هو في فلسطين، والتهميش كما هو في مصر
والأردن، ممثلة بتقييد الحريات العامة،
الشيخ حمزة منصور أمين عام جبهة العمل الإسلامي:أهم النقاط التي وردت في الحوار :
· رغم اشتداد الوطأة.. الخط البياني للحركات الإسلامية صاعد
· هناك دوائر تتعمد تهميش دور الإسلاميين والحد من تأثيرهم
· بعض الأنظمة الرسمية تعمدت إقصاء فرسان المنابر المؤهلين الذين يدركون رسالة المسجد
· حصار الحركة الإسلامية أمنيًا ومحاولات إقصائها وتهميشها وتشويهها أبرز التحديات
· ربانية الحركة الإسلامية واهتمامها بالتربية ومقاومتها للاستبداد والفساد أبرز نقاط القوة
· ممارسة العمل السياسي لم تؤثر سلبياً على القاعدة التربوية والدعوية بل فتحت أمامها آفاقاً أوسع
· افتقار الحركات الإسلامية للحد الأدنى من التنسيق بينها ولوسائل إعلام مكافئة أبرز نقاط الضعف
· يجب على الحركة التركيز على الحريات والاهتمام بقضايا الناس وحمل الأنظمة على توسيع المشاركة
· المواقع الإلكترونية والفضائيات شكلت ثورة إعلامية هائلة كسرت الاحتكار الرسمي لوسائل الإعلام
حاوره/ همام عبد المعبود
أوضح
القيادي الإسلامي الأردني الشيخ حمزة منصور أمين عام جبهة العمل الإسلامي
أن "الخط البياني للحركات الإسلامية في تصاعد مستمر؛ رغم اشتداد الوطأة
عليها، وأن لجوء بعض الأنظمة العربية لتزوير الانتخابات دليل على قوة
الحركات الإسلامية ؛ معتبرًا أن "انتشار المواقع الإلكترونية والقنوات
الفضائية شكل ثورة إعلامية هائلة كسرت الاحتكار الرسمي لوسائل الاعلام،
وساهم في توفير المعلومة بسرعة هائلة".
وقال
الشيخ حمزة منصور في حوار خاص لمركز التاصيل : إن "ربانية الدعوة، وتوفر
البرامج التربوية، ومقاومة الاستبداد والفساد، والاهتمام بقضايا المواطنين
هي أبرز نقاط القوة لدى الحركات الإسلامية، بينما يعد افتقار الحركات
الإسلامية للحد الأدنى من التنسيق فيما بينها، وعدم تملكها لوسائل إعلام
مكافئة من أبرز نقاط الضعف لديها"؛ مشيرًا إلى أن "حصار الحركة الإسلامية
أمنيًا ومحاولات إقصائها وتهميشها وتشويهها والتحريض عليها من أبرز
التحديات التي تواجهها".
مزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي:
*
مرت الحركات الإسلامية في العالم العربي، بمدارسها المختلفة، خلال العام
الهجري المنصرم بمراحل من المد والجزر.. فما تقييمكم لأدائها الحركي
والسياسي؟.
**
الحركات الإسلامية متباينة من حيث إستراتيجيتها وبرامج عملها، فهناك حركات
إسلامية مسلحة تقاوم احتلالاً، كما هو الحال في فلسطين ولبنان والعراق
وأفغانستان وغيرها، وهناك حركات ذات إستراتيجيات إصلاحية، تنوع في برامجها
بين الدعوة والتربية والمشاركة السياسية والعمل العام في الميادين
الاجتماعية، كجماعة الإخوان المسلمين والحركات والأحزاب المتأثرة بمنهجيتها
وبرامجها، وهناك حركات تكتفي بالتوعية السياسية، كما هو الحال لدى حزب
التحرير الإسلامي، وأخرى تركز على قضايا العلم والعقائد والعبادات ومحاربة
البدع والتربية كما هو الحال لدى الجماعات السلفية. ومن العسير الحكم عليها
حكماً واحداً في هذه العجالة، فهذا أمر يحتاج إلى مزيد من التفصيل لاختلاف
الرؤى والظروف وساحات العمل.
وعلى
الرغم من اشتداد الوطأة على الحركات الإسلامية من قبل قوات الاحتلال، أو
بعض الأنظمة الرسمية، فإن الحركات الإسلامية فيما أرى خطها البياني صاعد،
وما الانسحاب التدريجي من العراق والإعلان عن انسحاب قادم من أفغانستان
وفشل الحملة على غزة إلا بعض الشواهد. وما اشتداد الهجمة على الحركات
الإسلامية إلا تعبير عن صمودها، واستعصائها على الاحتواء.
لقد
حاولت بعض التحليلات السياسية التأكيد على تراجع الحركات الإسلامية،
مستندة إلى نتائج الانتخابات في أكثر من قطر، إلا أننا لا نسلم بهذه
النتيجة، فإذا كانت شعبيتها وفقاً لنتائج الانتخابات النيابية قد تراجعت في
بعض الأقطار كالكويت والبحرين لأسباب تحتاج إلى دراسة، فإن هذا الحكم لا
ينطبق على أقطار أخرى كالأردن الذي قاطعت الحركة الإسلامية الانتخابات فيه
كأسلوب ضغط من أجل إصلاحات حقيقية، تعيد للشعب دوره، ولمجلس النواب موقعه،
أو مصر حيث خاضت الحركة هناك معركة قاسية مع أجهزة النظام، وواجهت تزويراً
غير مسبوق، ما اضطرها إلى الانسحاب يوم الانتخاب، ومعها عدد من الأحزاب
السياسية. وما الإصرار على قوانين انتخاب متخلفة، وتزوير فاضح، إلا دليل
على قوة الحركة، التي لا يستطيع النظام منافستها في ظل تشريعات حضارية
وممارسات طبيعية.
* واجهت الحركات الإسلامية في العالم العربي عددا من التحديات، فما هي – في تقديركم – أبرز هذه التحديات؟
**
أبرز التحديات التي واجهتها الحركة الإسلامية اشتداد الحملة العسكرية كما
هو الحال في العراق وأفغانستان وباكستان، والحصار والتنسيق الأمني بين
الاحتلال والنظام الرسمي كما هو في فلسطين، والتهميش كما هو في مصر
والأردن، ممثلة بتقييد الحريات العامة، وإبعاد المنتسبين للحركات الإسلامية
عن مواقع التأثير في الادارات الرسمية، والمنابر المسجدية، والمؤسسات
التعليمية، ومحاولات تشويه دوافع الحركة الإسلامية والتحريض عليها، ومحاولة
الربط بينها وبين الحركات التي تمارس العنف.
*
تمتاز الحركات الإسلامية بالعديد من نقاط القوة التي تؤهلها لخوض معترك
العمل الإسلامي أو العام في العديد من الدول العربية، غير أنها تعاني من
بعض نقاط الضعف.. فما أبرزها؟.
**
أبرز نقاط القوة لدى الحركات الإسلامية: ربانية الدعوة، واعتماد الحركات
برامج تربوية، تجعلها أقدر على الصبر والثبات في مواجهة التحديات، وملامسة
أفكارها لفطرة الناس، وتصديها للاحتلال والاستبداد والفساد والمشاريع
المشبوهة، والاهتمام بقضايا المواطنين، وقربها منهم، وقدرتها على اجتذاب
الأنصار وعلى تقديم نماذج متميزة، تشكل قدوة حسنة لدى الشعب، تعزز ثقة
المواطنين بقدرة الاسلام على استئناف موقعه القيادي.
أما
أبرز نقاط الضعف لديها: فهي افتقارها إلى الحد الأدنى من التنسيق بينها،
فكل حركة معنية بقضايا قطرها، وضعف إمكاناتها المادية مقارنة بالنظم
المستبدة، التي تسخر إمكانات الدولة وأجهزتها وإعلامها في مواجهة الحركات
الإسلامية، وافتقارها إلى وسائل إعلام مكافئة، واعتماد قوى الاحتلال
والنظام الرسمي وسائل قمعية.
* ما هي– بنظركم – رؤية إصلاح الحركات الإسلامية في العالم العربي التي يجب البدء بها؟
**
إن الخلل الذي أصاب الأمة الإسلامية تمثل في التشريعات والسياسات، بدافع
من الاستئثار بالسلطة من جهة، والجهل بحقائق الاسلام، والاستجابة للإملاءات
الخارجية من جهة أخرى.
والحركات
الإسلامية وهي تمارس الإصلاح الداخلي بتعميق الوعي، وتعزيز التربية لدى
قواعدها، وتحديد أولوياتها، وإحكام خططها، وامتلاك وسائل إعلام مؤثرة،
مدعوة إلى التركيز على الحريات العامة، لأن أجواء الحرية تتيح للعاملين في
الحركة الإسلامية مزيداً من التأثير، وإلى الاهتمام بقضايا الناس، ولاسيما
في ظل حالة الضنك التي تعيشها الأمة في معظم أقطارها، وإلى حمل الجميع على
توسيع دائرة المشاركة الشعبية في صنع القرار.
* لماذا تضيق الحكومات العربية ذرعاً بمشاركة الإسلاميين في الانتخابات (طلابية/ محلية/نقابية/برلمانية/... )؟.
**
بعض تفتقر إلى الحد الأدنى من الالتزام الاسلامي، وبالتالي تضيق ذرعاً
بنجاح الإسلاميين على كل الصعد النيابية والنقابية والطلابية والمجالس
المحلية؛ ولذلك تعمد إلى تهميش دورهم، والحد من تأثيرهم، فتلجأ إلى تزوير
الانتخابات لصالح أعوان النظام المسبحين بحمده.
ونجاح
الإسلاميين في هذه المواقع يكشف حجم تأثيرهم في المجتمع ويجعلهم إليه
أقرب، وهذا ما لا تسلم به الأنظمة، كما أن نجاحهم يحرج النظام الرسمي الذي
ينخر فيه الفساد؛ ولأن حصولهم على الأغلبية يدفعهم إلى المطالبة بالإصلاحات
التشريعية والسياسية.
ولا
يغيب عن البال دور الكيان الصهيوني والقوى الصليبية التي يقلقها صعود
الإسلاميين لأنها تدرك جيداً أن الاسلاميين لا يفرطون بمبادئ الأمة
ومصالحها العليا ولا يهادنون المحتلين، ولا يسكتون على الفساد والمفسدين.
*
شهدت الدعوة الإسلامية مؤخراً صحوة كبيرة بانطلاق آلاف المواقع الإسلامية
عبر شبكة الانترنت.. فإلى أي مدى استفادت الدعوة من الإنترنت؟ وما هي مآخذك
على هذه المواقع؟ وكيف السبيل إلى تطويرها وتصحيح مسارها؟
**
مما لا شك فيه أن المواقع الإلكترونية كما هي القنوات الفضائية شكلت ثورة
إعلامية هائلة، وكسرت الاحتكار الرسمي لوسائل الإعلام، ووفرت للمواطنين
بشكل عام فرصة الحصول على المعلومة، والتواصل مع الجماهير، ووسعت دائرة
الثقافة والوعي السياسي، وجعلت العالم أكثر قرباً. والحركات الإسلامية ليست
استثنائية، فقد استفادت من الشبكة العنكبوتية، ما أسهم في اتساع دائرة
الوعي والتواصل.. ويؤخذ على المواقع أنها سلاح ذو حدين، لها إيجابيات
وسلبيات.
والواجب
يقتضي أن توفر الحركات الإسلامية هيئات إدارية وفنية كفؤة تجمع بين الوعي
بأهداف الحركة الإسلامية وأولوياتها من جهة، وبين المهنية العالية التي
تمكنها من المنافسة، وأن تكون لها شبكة علاقات واسعة ومؤهلة توفر لها
المعلومة والتحليل المناسب.
*
احتلت خطبة الجمعة على مر التاريخ مكانة كبيرة في قلوب المسلمين.. وفي
الآونة الأخيرة هناك شكاوى كثيرة من تدني مستوى الخطباء وتراجع مكانة
الخطبة. فكيف يمكن للخطبة أن تستعيد مكانتها المرموقة، وتأثيرها المؤكد في
جمهور الأمة؟
**
لم يعد خافياً هيمنة الوضع الرسمي على المنابر المسجدية، حتى التي أنشأتها
الحركة الإسلامية أو أهل الخير من المواطنين في شتى البلدان ، ولما كانت
الفجوة بين الاهداف الرسمية المتأثرة بالضغوط الخارجية، وغير الملتزمة
بالقيم والمبادئ الإسلامية، وأهداف الحركة الإسلامية التي تستمد أهدافها من
كتاب الله عز وجل وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، ومن المصالح الحقيقية
للشعب.
وقد
عمدت الأنظمة إلى إقصاء فرسان المنابر المؤهلين، الذين يدركون رسالة
المسجد، وأمانة المسؤولية، وإحلال موظفين يعبرون عن أهداف السلطة الرسمية
رغبة أو رهبة، فضلاً عن أن إقصاء الدعاة العاملين المخلصين، وكثرة المساجد،
أفسحت المجال لأشباه المتعلمين للتصدي لهذه المهمة الجليلة، ما جعل خطبة
الجمعة في كثير من المساجد أعجز من أن تقنع المصلين، أو تقدم التوجيه
المناسب.
*
لجأ كثير من الجماعات الإسلامية في مصر والعالم العربي إلى "المراجعة
الذاتية".. فما رأيكم في المراجعات التي قاموا بها؟ ولماذا تحجم الحكومات
العربية عن استيعابهم وتقبلهم في النسيج المجتمعي؟ وما هي الآثار السلبية
التي يمكن أن تترتب على ذلك؟.
**
التقويم والمتابعة المستمران مبدأ تربوي معتمد، ولجوء بعض الحركات إلى
المراجعة في ضوء التجربة الإسلامية وغيرها من التنظيمات إلى المزيد من
المراجعة، أمر فطري، فإنه لا ينكر تغير الأحكام بتغير المكان والزمان، وهي
ظاهرة معروفة لدى فقهاء الأمة. ولكن بعض الحكومات عجزت عن استيعاب
الإسلاميين في المؤسسات الرسمية، وحتى في المؤسسات غير الرسمية، إلا أن
ينسلخ الإسلاميون من دعوتهم تماما ويصبحوا صدى للسياسة الرسمية. ومن هنا
نشاهد كيف تسارع الحكومة في الأردن مثلا وبعض البلاد إلى الإغداق على كل من
ينسلخ من دعوته، بينما يستمر الإقصاء للمتمسك بدعوته.
إن
عجز الأنظمة عن استيعاب الإسلاميين، الذين قاموا بمراجعات فكرية، وتخلوا
عن العنف، واعتمدوا وسائل سلمية وسليمة، دليل على مكنون للاستقامة، وليس
لتيار إسلامي معين. فقد جاء في خطة أحد الأقطار العربية وهي مصر ذات يوم
منع أقرباء الإخوان من الدرجة الثالثة من تسلم أي مواقع وظيفية، كما اعتبرت
الحركات الصوفية ظهيراً خلفياً للإخوان المسلمين، يمكن أن يتحولوا إليهم
إذا اتصل بهم أحد الدعاة. ومن شأن هذه السياسة أن تضعف ثقة الإسلاميين بمن
يتعاملون معهم، وربما تحملهم على اليأس من الإصلاح وهذا يعود على البلاد
والعباد بشر مستطير.
* وختاماً، ما هي رؤيتكم لمستقبل الحركات الإسلامية في العالم العربي ؟.
**
لقد انطلقت الحركات الإسلامية بعد سبات ران على الأمة لتحقيق أهدافها
صامدة أمام العواصف والأعاصير، وأكسبتها التجربة مزيداً من الخبرة
والمصداقية، وأصبحت موضع ثقة الأمة، وسبيل خلاصها من الواقع النكد، وارتادت
ساحات جديدة، وهذا ما يفسر الحملة العالمية على طلائع النهضة الإسلامية
ورموزنا الإسلامية. فالمستقبل باذن الله تعالى للاسلام الذي تمثله الحركات
الإسلامية ، ولكن هناك قنطرة يتعين على الحركات الإسلامية اجتيازها، تتمثل
بمزيد من الالتزام والإعداد والتخطيط والالتحام بجماهير الأمة.