المواطن المصرى هارب من الاثنتين مثل بطل النكتة الشهيرة التى تحكى عن الصراع الدامى بين جماعتين، من يقع فى يد إحداهما.. مفقود مفقود يا ولدى.. واحد تعيس الحظ قبضت عليه جماعة منهما، فسألته السؤال التالى: هل أنت عدو أم حبيب؟.. قال لكى ينجو: حبيب والله العظيم.. فسألوه مرة أخرى: حدد موقفك، أنت حبيب من.. وعدو من؟ قال: أنا حبيبكم وعدو الناس التانيين.. فقالوا: إحنا بقى الناس التانيين وأوسعوه ضرباً. مشكلة المواطن المصرى هذه الأيام هى أنه محروم من الاختيار الثالث وليس أمامه إلا جماعتان فقط: المحظورة والمحظوظة.. يا أبيض.. يا أسود.. أو كما قال سيئ الذكر بوش الابن: من ليس معنا فهو عدونا.. وشن بعدها حربه على ما يسمى الإرهاب، وكل معارض له يصنف إرهابياً.. ولا عزاء للديمقراطية والليبرالية وحرية الرأى والتعبير.
نعود إلى حكاية المحظورة والمحظوظة وماذا أفرزت فى الحياة السياسية المصرية.. أفرزت كتلة صامتة قوامها تسعة وسبعون مليون مواطن.. اختاروا المنفى الاختيارى والعزلة اللاإرادية والمعاش المبكر من كل أشكال الحياة السياسية.. أو كان الاختيار الثالث بالنسبة لهم هو مباريات كرة القدم وأفلام الهيباتولا.. أو ربما كان الاختيار الثالث بالنسبة لهم هو إعمال منطق «لكم دينكم ولى دين».. لم يجلس جماهير المصريين فى مدرجات الاستاد السياسى يقزقزون اللب ويرقصون وهم يتابعون المباراة الوحيدة فى الدورى بين جماعة رجال الأعمال وجماعة رجال الدين السياسى.. لماذا؟.. لأنه لا يوجد إسماعيلى ولا ترسانة ولا محلة ولا منصورة ولا مصرى ولا شىء.. وبالتالى لم تكن هناك منافسة ولا دورى ولا لعب حقيقى.. فبأى حق إذن تغضب الجماعة المحظوظة أو المحظورة من عزوف الجماهير عن التشجيع؟!.. لقد نجحت الحكومات المتعاقبة فى مصر فى تجفيف منابع الديمقراطية وحرية الممارسة السياسية والحزبية عبر أجيال وأجيال.. وأصبح شباب مصر من المهمشين سياسياً، لا يشعر بأى أمل فى أن يكون شريكاً فى السلطة أو فى الثروة فانكفأ على نِفَسٌ ه فى غيبوبة الإدمان أو التدين المتدروش أو الهروب إلى عالم افتراضى على الشبكة العنكبوتية.
و«بظاظو»، طالب الطب الإسكندرانى، واحد من عشرات الملايين من شباب مصر الذين يشعرون بأنهم غير مرغوب فيهم، ومضطرون إلى معايشة واقع مرير، الفساد فيه للركب.. ورئيس الوزراء الذى اغتم من كلام بظاظو سوف يغتم أكثر وأكثر لو انفجرت براكين الإحباط فى وجه الحكومة وقال الشباب حقيقة ما يشعرون به.
أيها السياسيون.. من فضلكم وسّعوا الدائرة قليلاً ولا تحصرونا فى اختيارات الجماعات المنخنقة والجماعات الموقوذة والجماعات المتردية والجماعات النطيحة وما أكل السبع.. وشكراً.