اعمل «عبيط» وعش سلطان زمانك.. استمع إلى كلام ناظر المدرسة وقل آمين.. غلط صح لا يهم.. هز رأسك موافقاً على كلام السيد المدير العام، حتى وإن غرق المركب وأصبح ستين حتة.
اعمل «عبيط» وأنت ترى كشوف الإهدار العظيم للمال العام فى نظام سرقة شرعية.. كله بالقانون.. بالأوراق.. ميرى.
اعمل «عبيط» وأنت تستمع إلى السياسى اللعيب وهو يرص الأكاذيب حجراً على حجر مثل أحجار الشيشة، وهو ينشر قنابل الدخان فى كل مكان حتى لا نرى الحقيقة.. اعمل «عبيط» وأنت ترى الرشوة الجنسية عينى عينك والصفقات تتم حولها فوق الترابيزة وتحت الترابيزة وجنب الترابيزة.. اعمل «عبيط» وعش أيامك.. عش لياليك..
اعمل «عبيط» وأنت ترى مظاهرات السلالم فى نقابات وسط البلد تحاصرها الإحباطات كما لو كانت تحاصر القوات الإسرائيلية فى الثغرة فى السويس.. اعمل «عبيط» حين تمر على مستشفى السرطان الفخم وأنت ترى نعوش الموت المجانى يومياً.. اعمل «عبيط» ولا تسأل عن أى تعديل وزارى ولا كيف جاءوا ولا لماذا ذهبوا..
اعمل «عبيط» وأنت ترى حرب شيوخ الفضائيات ومباريات تسليع الفتاوى وبيزنس الهاتف الإسلامى.. اعمل «عبيط» وأنت تستمع إلى رجال الأعمال ووزراء المجموعة الاقتصادية، وهم يقولون مصر فيها فرص عمل تقدر بعشرات الآلاف، ولكن الشباب يفضل الجلوس على المقاهى.. اعمل «عبيط» وأنت تشاهد عمليات تبوير أجود الأراضى الزراعية فى الدلتا، ومافيات كردون المبانى تحتفل بتصريحات وزير الإسكان.
كله فى حدود النسبة المعقولة لو وزعنا تعداد السكان على الأراضى الزراعية يبقى كله تمام.. اعمل «عبيط» وأنت مذهول بأخبار سرقات الآثار وخبر لوحات قصر محمد على فى شبرا.. لا شىء مهم ولا رقيب ولا حسيب.. اعمل «عبيط» وأنت تقرأ أخبار إضرابات ضحايا الخصخصة وغياب العدالة.. اعمل «عبيط» وأنت تقارن بين راتب شخصين فى نِفَسٌ المؤسسة الحكومية أحدهما يتقاضى ثلاثمائة ألف جنيه شهرياً والآخر ثلاثمائة جنيه فقط.
اعمل «عبيط» وأنت تشاهد برامج المطبخ فى التليفزيون وهم يحدثونك عن السيمون فيميه والكوردون بلو والطرطوفة والكالمارى.. اعمل «عبيط» واستمتع بفحل البصل والفول المدمس.. اعمل «عبيط» إذا رأيتهم يطاردون عملاء التوك توك فى كل مكان وكأنهم جواسيس دخلوا البلاد بدون رخصة أو تأشيرة.
اعمل «عبيط» وأنت ترى العمالة المصرية مسحوقة تحت رٌحًمِة الكفيل ومطرودة من أمام أبواب السفارات.. اعمل «عبيط» وأنت تدفع ضعف راتبك دروساً خصوصية لأبنائك مع أن الحكومة تؤكد دائماً مجانية التعليم.. اعمل «عبيط» وأنت ترى بيوت الثقافة ومراكز الشباب فى الأقاليم خاوية على عروشها تسكنها الغربان والكلاب الضالة.. المهم المبدأ «عيش ندل تموت مستور».
الفيلسوف الدكتور زكى نجيب محمود يقول لك فى كتابه «جنة العبيط».. أصحاب العقول فى راحة.. لا تصدقه.. أصحاب العقول فى شقاء.. وقديماً قال الشاعر: ليس الغبى بسيد فى أهله ولكن سيد أهله المتغابى.. اعمل «عبيط» تشعر فعلاً بأن مصر جنة وهى بالفعل جنة العبيط.