تقع دار الجنبلاط في محلة البندرة، والبندرة حسب ما ورد في نهر الذهب في تاريخ حلب للعلاّمة كامل الغزي: "هذه المحلة يعتبرها أهل البلد محلتين إحداهما يسمونها بندرة الإسلام وهي ما يلي محلة داخل باب النصر والأُخرى يسمونها بندرة اليهود وهي ما بعدها ولكن الحكومة تعتبرها محلة واحدة وتطلق عليها اسم البندرة، حدهما قبلة سويقة علي والدباغة العتيقة وغرباً بحسيتا وشمالاً الخندق وشرقاً داخل باب النصر".
كان في محلها دُور بني الأصبع فاشتراها جنبلاط وعمرها داراً واحدة أنفق عليها في وقته عشرين ألف ذهباً، جنبلاط أو الأمير جان بولاد بن قاسم بك المنحدر من عشائر الأيوبيين الأكراد. وكان يعرف بابن عربي أو ابن عربو وتولى إمارة معرة النعمان وحلب وكلّس في شمالي الشام أيام الدولة العثمانية، وقد ذهب مع والده إلى إستانبول، وهناك دخل مدرسة السراي السلطاني (اندرون همايون)، ثم دخل السلك العسكري في زمن السلطان سليمان القانوني، واشترك معه في حملته على بلغراد ومولدادا وعلى جزيرة رودس، واشتهر بشجاعته وجسارته، مما حببه إلى السلطان سليمان القانوني، ودعا جان بولاد إلى الطلب منه بإعادة ملك أبيه له، فلبى طلبه وأعادت الدولة ملكه بفرمان سلطاني، وهناك سار في خطة حازمة وساس مقاطعته (حلب وكلّس) بكلّ جدّ وثبات، وصار أمير الأمراء، وتوفي سنة 980ه/1572م، ويعدُّ الجد الأكبر والمؤسس لأسرة جان بولاد (جنبلاط).
في عام 1766م قام أحمد بن أبي السعود الكواكبي بشراء الدار وكانت معروفة بدار ابن عبد السلام، ورث الشيخ حسن أفندي بن أحمد أفندي الكواكبي مفتي حلب هذه الدار وجعلها وقفاً على ذريته قبل وفاته ووضع كتاب الوقف في دائرة أوقاف حلب وتولت الشريفة هبة الله هذه الدار ثم انتقلت إلى ولدها حسن بك بن مصطفى بك إبراهيم باشا وقد عرف في حلب أيام النضال ضد الانتداب باسم "أبونا حسن بك" وعرفت الدار تجاوزاً باسم بيت الأمّة.
في أوائل القرن العشرين وصف المؤرخ الغزي دار جنبلاط بالحالة التي كانت عليها فقال: "هذه الدار واسعة الصحن جداً وفيها جنينة وفي الصحن حوض كبير، أكبر حوض في دور حلب طوله 65 قدماً وعرضه 40 قدماً وتحته صهريج على قدر الحوض وهنالك إيوان عظيم الارتفاع هو بيت القصيد في هذه الدار، ارتفاعه 110 أقدام وعرضه بما فيه القبتان اللتان تكتنفانه 70 قدماً وطوله داخل الإيوان من الشمال إلى الجنوب 33 قدماً ومن الشرق إلى الغرب 34 قدماً وصدر هذا الإيوان بكامله مبلط بألواح الرخام المعروف بالقاشاني على اختلاف ألوانه وأنواعه على أشكال هندسية وأوضاع بديعة أحكمت فيه الصنعة أيما إحكام تذكرك رؤيته إيوان كسرى وعظمته".
في عام 1919 زار الجنرال اللنبي دار جنبلاط لشهرتها وأُعجب بها كثيراً. كما ذكر بعض الرواة أن الإنكليز حين دخلوا حلب مع جيش الأمير فيصل 1920، حاول بعضهم نقل السبيل لجماله فرفض ساكنو الدار تسليمه. شغلت الدار سابقاً كمدرسة ابتدائية للبنات لفترة طويلة من الزمن وقد أهمل ترميمها واقتطعت أجزاء منها والآن تمَّ استلامها وقد قام الخبيران الفرنسيان جان كلود دافيد وتييري غراندان بدراسة تاريخية ومعمارية للبناء.
.