فاكر الحاج محمود؟
ـ آه.
ـ تعيش انت.
ـ الحاج محمود مين؟
ـ الحاج محمود الفحام.
ـ بتاع فضل الله عثمان؟
ـ آه
استغربت انه لم يكن مات حتي الان, وفكرت ان الواجب يقتضي, بعد ما اشرب الشاي, ان ارتدي الثياب واذهب الي امبابة لتقديم واجب العزاء وقلت لاحول ولاقوة إلا بالله.
(2)
كنت اجلس في العربة الي جوار الشباك وافكر ان قيامي بواجب العزاء في الحاج محمود بالذات سوف يكون مرضيا لابي وهو يرقد هناك في مثواه الاخير, وذلك بسبب علاقة الصداقة التي ربطت بينهما, انا لم تكن بيني وبين الحاج علاقة مباشرة ولكنني كنت اري ابي بعد خروجه الي المعاش يقضي معه وقتا من السهرة علي الدكة امام الدكان القاتم.
وعندما مات ابي كنا ستة من الاولاد والبنات.
واثناء وقوفي مع اصدقائي في مدخل السرادق جاء وضع يده تحت ابطي وجر قدميه حتي ابتعد بي وسألني: محتاج فلوس؟ وانا شكرته وهو قال ان ابي كان حبيبه واذا اردت اي شئ لا اخجل بل اذهب الي شباك البيت واخبط واطلب ما اريد.. ونظر في وجهي وقال: شد حيلك, انا عارف انك راجل.
(3)
في طريقي الي فضل الله عثمان دخلت شارع نعمان عبده ومررت ببيت آل كفافي رقم18 ووجدت المحل الصغير الذي كان يشغله محمود عبد اللطيف مفتوحا وبداخله امرأة في ثياب سوداء.
وتذكرت يوم اطلق الرصاص علي عبد الناصر الذي كان يصيح من الاسكندرية:
ايها الرجال, فليبق كل منكم في مكانه, والذي كان يصيح ايضا: اذا مات جمال عبد الناصر, فكلكم جمال عبد الناصر.
ثم وصلت الي شباك شقتنا القديمة المغلقة في فضل الله عثمان, قبل ان اتجه الي بيت الحاج محمود, كانت لمبة كبيرة مضاءة فوق المدخل واستقبلني رجل اصغر ولكنه نسخة اخري من الحاج محمود نظر الي في قلق وقال بنِفَسٌ الصوت الأجش: يا ألف مرحب وسبقني الي السطح شبه المعتم وجلست علي مقربة من مجموعة الرجال الذين يدخنون الشيشة الي جوار السور القصير, واثناء الكلام انتبهت الي ان احدا لم يمت لديهم هذه الايام ورحت ابحث عن مناسبة اوضح فيها موقفي ولما لم اجد قلت بدون مناسبة انني لم اسمع برحيل الحاج الا اليوم.
(4)
اثناء انصرافي مررت بشباك شقتنا القديمة مرة اخري وتذكرت ابي والحاج محمود والنشيلي وهم يقفون بالحجرة والشباك مفتوح والجريدة بين ايديهم في اليوم التالي لاطلاق الرصاص علي عبد الناصر والحاج محمود يصيح: يا نهار اسود, ده محمود السمكري.
وانا دخلت بينهم ورأيت الوجه القاتم المنتفخ في الصورة ولم اعرف انه محمود السمكري الذي كنت أراه يجلس في الدكان وراء الطاولة يعطي جانبه للطريق ويربط دماغه بالمنديل ويقرأ القرآن ويتمايل او يصلح وابور جاز او يسلك العدة.
وتذكرت كيف انني في اليوم التالي وجدت حافة الباب الصاج ما زالت مثبتة في اعلي من الامام بينما كان شيئا ضغط بقيتها والصقها بالجدار الخلفي علي كل الموجودات, والدكان ظل هكذا سنوات طويلة ثم وقفت بنت كانت تضع جهاز تسجيل علي الطاولة الزجاجية وتبيع الحلويات.
(5)
عندما وصلت الي المنزل رقم18 شارع نعمان عبده رأيت الدكان مرة اخري ولاحظت ان المرأة قد اغلقت الباب وانصرفت.