لا يعبر يوم إلا وأتلقي تنهدات اليائسين الذين استسهلوا الإحباط ويشكون من أن شيئًا في مصر لا يتغير وأنه لا شيء يحدث ولا تطور ولا تغيير، يقولون هذا الكلام وهم لا يفعلون أي شيء من أجل التغيير إلا قراءة بعض الصحف أو مشاهدة برامج الفضائيات المسائية، المسألة أيضًا وصلت إلي قطاعات من المعارضين الذين استبطأوا التغيير وبعضهم يلف ويرجع تاني للتحالف مع الاستبداد أو التصالح مع الديكتاتورية.
هذه مصر دائمًا ذات النِفَسٌ القصير المجهد الذي لا يكمل مشوارًا ويبقي كالمنبت لا أرضًا قطع (لا حقق التغيير) ولا ظهرًا أبقي (ولا حافظ علي موقفه).
طيب ما إجابتي عن تساؤلات المستملحين لليأس؟
أعود فورًا إلي من أعود إليه دومًا، إلي العَّلامة العظيم الدكتور جمال حمدان وكتابه شخصية مصر ( الجزء الرابع الفصل الثاني والأربعون ) الذي وضع نظرية علمية لإمكانية حدوث تغيير في مصر كأنها ضوابط ومحددات وثوابت لا فصال عنها ولا فكاك منها كي نشهد تغييرًا في هذا الوطن، قدم حمدان ست قواعد لكي تتغير مصر:
القاعدة الأولي التي يضعها جمال حمدان بكل المباشرة والوضوح أن مصر قلما تتغير بإرادتها في العادة وإنما هي بالرغم من إرادتها تتغير.. وتغيرها بالقسر أكثر منه بالاختيار نسبيًا، فالأشياء في مصر تميل إلي أن تبقي علي ثباتها وفي خطها إلي أن تواجه قوة مضادة لها في الاتجاه مساوية أو فائقة لها في القوة، فتفرض التغيير فرضًا.
ننتقل إلي القاعدة الثانية وهي أن التغيير يأتي بالضرورة بطيئًا تدريجيًّا منذ البداية، منضبطًا ومحكومًا جزئيًّا أكثر منه جذريًّا في نهاية المطاف. لكن القاعدة الثالثة تكمل وتوضح فيقول فيها إن مصر لا تتغير بسهولة بإرادتها لكنها تتغير في الأغلب بفعل قوي من الخارج أكثر منها بقوي الداخل، وهذه بديهية كامنة في تحول مصر الحضاري. التغيير من الداخل إذن غير مطروح بقوة ثم إنه بطيء ولذلك فالتغيير من الخارج أقوي وأغلب، ويشرح حمدان قائلا: إذا كانت جمهرة المصريين في الداخل قد عجزت حتي الآن عن تغيير مصر سياسيًّا من الداخل بسبب الإرهاب والطغيان المحلي، فإن حفنة ملايين المغتربين والعاملين في الخارج قد تكون خميرة التغيير وجرثومة فناء الفرعونية الجديدة -القديمة، وبالتالي أداة تحرير مصر داخليًا، أي أن ما عجزت مصر بأسرها عن تحقيقه من الداخل قد تنجح فيه قلة أبنائها من الخارج. إذن قواعد حمدان للتغيير تشمل وتعتمد علي الخارج بما فيه وربما أوله المصريون المغتربون ثم نأتي للقاعدة الرابعة الحمدانية للتغيير فيقول إن السياسة علي القمة هي آخر وأقل ما يتغير في مصر، والواقع أن الحكم والنظام الحاكم في مصر كان دائمًا هو أكبر وأعند موانع وعوائق التغيير. ثم تقول القاعدة الخامسة إن مسار التطور يظل عادة رتيبًا تقليديًّا كالخط المستقيم أو كالمنحني الانسيابي، ثم إذا به يتفجر فجأة في ثوران بركاني قصير ولكنه عنيف يغير تضاريس الوجود ومعالم الزمان.
القاعدة السادسة، تغيير لماذا؟، في نهاية المطاف إلي أين؟ وجهة التغيير كما تؤكد مقولة وقاعدة حمدان الحاسمة هي مصر في اتجاه «أوروبا المسلمة» (القصد هنا هو المزج بين هوية عربية مسلمة وبين الديمقراطية والتفكير العلمي)
هذه قواعد التغيير ومصر لا تحتمل تغيير القواعد!