كنا في مؤتمر بعاصمة عربية، وكانت المرة الأولي التي أراه فيها خارج صور الصحف وشاشة التليفزيون، وكان وجهه الأسمر صبياً رغم سنه الكبيرة لكن تواضعاً واضحاً نطقت به تفاعلاته مع المشاركين في المؤتمر ربما لأن المؤتمر كان أول حدث يحضره بعد خروجه من رئاسة الوزارة في بلده وقضي شهوراً ممنوعاً من السفر، فلما وجد نِفَسٌ ه خارج قفص بلده كان انطلاق صراحته منفلتاً حين يصرح ويحكي ويروي، انتحي بي جانباً منتحباً علي الواقع العربي، وبدا أنه يريد أن يبوح بسر حين قال لي: هل تعرف ما أكثر ما جرحني من الراجل بتاعكم أنني قلت له بلدي مزرعة لكم يا مصريين تعالوا ازرعوها قمحاً ونحقق الاكتفاء الذاتي من القمح ونصدر كمان، لكن رد علي كلامي بسرعة وعنف، والله يا أخي سألته: هل رفض زراعة القمح، أجاب: رفض تماماً بل قال لي إنت عايزنا نزرع قمح عشان أمريكا تحاربني، شفت يا أخي وكأن مصر لازم تكون تابعة سياسياً وقمحياً رويت هذه الواقعة لمسئول مصري كان صديقاً للمسئول العربي فضحك وقال: نهار أسود لو عرفوا أنه حكي هذه المعلومة كانوا منعوه من دخول مصر، قبل ما أمشي قال لي: إنت عارف إن إنتاج مصر من القمح نقص مع أمين أباظة وأحمد نظيف أربعين في المائة، وبعد ما كانت مصر تستورد نصف احتياجاتها من القمح بقت في عصر أمانة السياسات تستورد حوالي تسعين في المائة من القمح الذي نحتاجه، وفجأة قفزت طفولتنا أمامنا وأخذنا نغني حتي لوني قمحي ده لون خيرك يا مصر.