أخشى كثيرا وأضع يدي على قلبي هذه الأيام بعد فرحة طاغية بتنحي مبارك. عندي احساس.. أحيانا يصل إلى اليقين أو شبه اليقين، بأن النظام السابق يعيد تشكيل نِفَسٌ ه بسرعة غريبة، أي أنه لم يسقط. أخذ استراحة لم تطل، وعاد ليطل مرة ثانية على الحياة السياسية.
ذهب مبارك ولكن بقي النظام. كان الشعار في بدايات الثورة "الشعب يريد اسقاط النظام" وأمام عناد وتمسك رأسه بالكرسي، صار "الشعب يريد اسقاط الرئيس" وهو ما أراه واضحا في الوضع الحالي. ذهب مبارك وبقيت كل رؤوس النظام بدءا من الفريق أحمد شفيق ووزرائه، فالإعلام بتلفزيونه وصحفه الحكومية، فرجال الأعمال النافذين المتزوجين بالسلطة القديمة ولم ترمهم السلطة الجديدة بيمين الطلاق البائن بعد!
من حقي ومن حقكم الخوف على مستقبل ثورة 25 يناير، أن تضيع دماء الشهداء سدى، أن تستمر مغارات علي بابا التي رأينا أوضح نموذج لها في الردح المتبادل بين ثلاثية النظام السابق الإعلامية.. أنس الفقي وعبداللطيف المناوي ومحمود سعد في التلفزيون الرسمي ليلة الأربعاء.
حكومة تسيير الأعمال برئيسها هي من النظام السابق. نفس الفكر والبطء والتعامل البليد. نِفَسٌ النظرة الدونية للشعب المصري الذي نظر إليه شفيق قبل تنحي رئيسه على أنه مجموعة من الأطفال سيسكتهم بتوزيع "البمبوني"!
عقلية كشفها الدكتور جابر عصفور في لحظة صدق مع النِفَسٌ فقدم استقالته وقال إنه وجدهم في الاجتماعات القليلة التي حضرها كوزير للثقافة، يقاومون أي تغيير.
النظام السابق يعيد تشكيل نِفَسٌ ه عبر جهازه الإعلامي. هل يعقل أن الفقي ما يزال عالي الصوت يتحدث من التلفزيون كأنه وزير، رغم أنه "سابق"؟!.. هل حقيقة يقبض محمود سعد على ظهوره في برنامج "مصر النهاردة" 10 ملايين جنيه في السنة كما وشى به وزيره على الهواء؟!
مع احترامي لمحمود سعد وتقديري له كزميل قديم عملنا معا في غرفة واحدة فترة ليست قليلة، ومع تقديري لانسحابه من البرنامج اعتراضا على توجيهات وزيره بمهاجمة الثورة.. أسأله عن الموهبة.. أي موهبة.. التي تجعل شخصا.. أي شخص.. في مصر الفقيرة يتقاضى عشرة ملايين عن ظهوره مرتين أسبوعيا في برنامج؟!
سأصدقه هو ولن أصدق ما قاله الوزير السابق، إن "سعد" كان يتوسل لقاءً مع مبارك أو جمال.. لكنني أرجوه وهو المؤمن العابد الذي صلى بي إماما وصليت وراءه مأموما فروضاً كثيرة، أن يقول لي: كيف يمكن لاتحاد الإذاعة والتلفزيون التابع لحكومة فقيرة لا تجد ما تطعم به شعبها الذي صار معظمه يأكل من صناديق الزبالة في عهد مبارك.. كيف يمكن أن يدفع له الملايين العشرة التي قد تصبح 15 كما توقع الوزير في نِفَسٌ المداخلة؟!
طبعاً كإعلامي مثلك.. لن تنطلي عليَ أنك تقبض من جهة أخرى من خارج التلفزيون وليس لك مكتب في ماسبيرو، فقد رد عليك المناوي والوزير السابق، بأنك تقبض من شركة القاهرة للصوتيات والمرئيات وهي تابعة للإذاعة والتلفزيون، وهذه حقيقة نعلمها جميعا.. فهي تعطيك هذه الملايين وتعطي خيري رمضان نصفها.. وإذا كنت أنت موهوباً، فما هي موهبة خيري؟!
أعذرني يا صديقي.. فأنا في غاية الغضب منك. كنت ضعيفا أمام الوزير السابق. تناديه بـ"معالي" وهو يتهمك ويهاجمك. ثم عدت لتقول إن الملايين تأخذها من الاعلانات الكثيرة التي يجلبها برنامجك، وأنك تعطي للتلفزيون ولا تأخذ منه. وعندما تدخل عمار الشريعي هاتفيا ليزيح بعضا من الحرج عنك مهاجماً الوزير الذي جاءت به للإعلام سوزان مبارك، فصار وزيرا لها ولنجلها جمال، يأتمر بأوامرهما، سلمك المناوي ورقة، فأوقفت الشريعي عن الهجوم، في نوبة من الضعف الشديد منك.. أي زلة يمسكها عليك هذا الوزير وأبلغك بها المناوي؟!
أما حكاية الإعلانات فها أنا أقدم لك الأرقام التي كتبها أمس الكاتب الكبير محسن محمد في جريدة "الجمهورية" عن خسائر التلفزيون.
رغم حجم الاعلانات التي تدعم بها الحكومة التلفزيون فإنه يخسر 11 مليار دولار سنويا، وديونه السنوية 9.1 مليار دولار، وتفشل 24 من قنواته في تسويق أعمالها، فيما يحقق تسويق إعلاناته 2 مليون دقيقة فقط سنويا!
يسمح لبعض القيادات أن تحصل على مكافأة ضخمة مقابل الإشراف على برامج معينة، وتحصل نِفَسٌ القيادة على مكافأة الاشراف على كل فقرة في البرنامج، أي تحصل على مكافأتين مقابل الإشراف على برنامج واحد، فأصبحت هذه القيادات تتقاضى 100 ألف و200 ألف و300 ألف جنيه شهريا، أي أكثر مما يتقاضاه مديرو بنوك القطاع العام والخاص، فيما الأغلبية من الموظفين تتقاضى مرتبات قليلة للغاية.
قالت لي زميلة قديمة في التلفزيون إن جملة راتبها 365 جنيهاً.. فهل هذا عدل يا أستاذ محمود سعد؟!
قال أنس الفقي في نِفَسٌ المداخلة موجها كلامه إلى "سعد" إنه ليس من الثوار وإنما ظهر مع ثوار ميدان التحرير لكسب شعبية أكثر من أجل ملايين أكثر.
أيضا لا أصدقه ولا أصدق أنك قفزت من قطار السلطة في الوقت المناسب عندما أدركت أن الثوار سيفرملونه لا محالة.. أنا أصدقك أنت بشرط أن تعلن توقفك عن البرنامج فورا.. وأن تعود كما كنت "محمود سعد" الفقير إلى الله، الذي يأكل عيشه من عرق جبينه وبما يستحقه حقيقة، فهذه الملايين العشرة التي تأخذها.. ولو حتى مليونا واحدا، تستقطع من "لحم الحي" .. هذا الشعب الفقير الأبي؟!
ولكي نطمئن إلى أن الثورة نجحت يجب أن يتغير الإعلام.. تستقيل قياداته أو تقال فورا وبلا انتظار، فوجودهم في أماكنهم وبرامجهم يعني أن النظام السابق يعيد تشكيل نِفَسٌ ه، ويا ويلنا لو تمكن هذه المرة من الشعب.
وأختم بما طالب به محسن محمد في نِفَسٌ المقال…
سلاح النظام هو الإعلام. الآن المطلوب تصحيح مسيرة منظومته. الصحافة القومية يجب أن يتم خصخصتها أو بيعها للعاملين على أقساط طويلة.
التلفزيون تتغير قياداته كلها، تلك التي ارتشت رسميا وقانونيا من هذه المكافآت السخية، ويوضع نظام جديد لمرتبات التلفزيون وأسلوب جديد لتعيين قياداته. وإذا تغير الإعلام ومنظومته وأصبح يتكلم بلغة الحق فسيتغير النظام كله، ولتكن بداية التغيير والتصحيح.. الإعلام. وإذا تم تصحيح الإعلام فسيعرف الشعب المصري الحقيقة.