المسيحيون في مصر والعالم لم يطلبوا من أمن الأسكندرية أن يستخدم أساليبه المعتادة في التعذيب بدم بارد حتى يعثر على شخص يقبل أن يشيل جريمة تفجير كنيسة القديسين.
لا أعتقد أن ملف المذبحة كان سيغلق باجبار سيد بلال على الإعتراف بجريمة لم يرتكبها. لكن الضابط حسام الشناوي وزملاءه في مباحث أمن الدولة بالإسكندرية اعتقدوا أن التدين والالتزام كافيان لإقامة الشبهات وتعليق المشتبه فيهم من أقدامهم كما فعلوا مع سيد بلال، ووضع الطوق على رؤوسهم وضربهم وتعذيبهم ليقروا ويعترفوا.
لم يحتمل جسد سيد بلال أكثر من ساعات تحت التعذيب حتى زادت دقات قلبه وازرق وجهه وسرت البرودة في جسده وبدأ ينازع الموت.
حملوه في سيارة كما حملوا خالد سعيد في يوليو الماضي والقاه اثنان أمام مركز زقيلح الطبي بمنطقة أبي الدرداء، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة داحل المستشفى.
أصبح أمن الأسكندرية متخصصا في التعذيب حتى الموت. لا أحد من ضباط مديرية الأمن أو جهاز مباحث أمن الدولة في شارع الفراعنة الموحش المخيف، يبالي أن يموت شخص من فرط التعذيب والضرب على الرأس والخصر وفي منطقة العانة والتعليق بالشقلوب كما حدث مع بلال؟!
لا أحد. لا أحد.. يفلتون من جرائمهم البشعة في كل مرة. هم لا يحفظون أمنا بدليل التقصير الذي أدى إلى تفجير كنيسة كانت مهددة لمدة شهر كامل على مواقع الإنترنت بالاستهداف. لماذا بقي هؤلاء في أماكنهم بعد المذبحة برغم ثبوت التقصير حتى أن أكثرهم كان يقضي ليلة رأس السنة مع الأهل والأصدقاء دون أن يرجف له جفن؟!
لماذا بقوا في أماكنهم رغم أنهم يسترخصون حياة البشر. يقيمون الشبهة بغير دليل. يكفي أن تكون ملتزما، متدينا أو صاحب رأي، ليتم استدعاؤك إلى شارع الفراعنة وهناك ترى ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
استرخاؤهم وتقصيرهم أدى إلى سهولة تنفيذ مذبحة رأس السنة التي تكاد تمزق مصر وتقسمها، والتي عرضت أمنها القومي لأكبر خطر في تاريخها من الداخل والخارج معا.
ذلك الاسترخاء والتقصير كلف الوطن المستنزف أصلا ملايين الدولارات لاستنفار قوات أمنه المركزي وجميع أفرعه الأمنية ليأمنوا الكنائس في عيد الميلاد مساء الجمعة الماضي. 70 ألفا من الجنود والضباط استنفروا كأننا في حالة حرب ليلة بأكملها، غير الفضيحة التي لبستنا في العالم كله.
أمن الأسكندرية بقي في مكانه رغم كل ذلك يتنِفَسٌ تعذيبا. يبحث عن كبش فداء ليداري عورته، فقبض على 300 شخص، بينهم سيد بلال، كل جريمتهم أنهم يصلون الفجر في المساجد، وأنهم يمثلون تيارا سلفيا لا علاقة له بالسياسة ولا بأي شيء غير الدين ومكارم الأخلاق وقراءة القرآن الكريم والالتزام بقال الله وقال الرسول في حياتهم اليومية العادية.
300 شخص يتعرضون للتعذيب الآن لعل يخرج منهم من لا يحتمل التعذيب فيشيل الجريمة، وبها يخرج علينا من يعلن للعالم القبض على المنفذ!
لا لن يصدقهم أحد.. المجرم أفلت وأنتم في شارع الفراعنة تعذبون أبرياء لا ذنب لهم. تقتلون "سيد" كما قتلتم "خالد" وغيره.. وتهددون أهله الضعفاء الذين لا حيلة لهم، بدفنه في قبر لا يعرفه أحد بمدافن الصدقة إن لم يقوموا بدفنه فورا مساء الخميس.
أي إجرام هذا وأي بجاحة. حسام الشناوي لا يكفي التحقيق معه داخل مصر فقط لأنه سيفلت بجريمته كما أفلت قاتلو خالد سعيد من قبل بتقرير طب شرعي مزور.
لابد من تقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية ليعترف على نِفَسٌ ه وزملائه. جاء الوقت ليكفكف المسيحيون دموعهم ويلتقوا مع المسلمين فهم شعب واحد يجمعهم وطن واحد يجب أن يكونوا جميعهم حريصين عليه.
لن يفيد مسيحيا واحدا أن يقدم أمن الإسكندرية كبش فداء بريئا لا ذنب له، ليغطي على تقصير أجهزة الأمن واهمالها والذي تسبب في تفجير كنيسة القديسين ومقتل 23 شخصا من الأبرياء.
رحم الله سيد بلال.. رحمه ورحم من سيلحق به من المحتجزين الآخرين في شارع الفراعنة بالإسكندرية.
فاتورة حفلات التعذيب
فراج إسماعيل
|
09-01-2011 02:01
تعامل الجهاز الأمني مع حادث تفجير كنيسة القديسين يسير حتى الآن في الاتجاه الخطأ والذي قد يعيد البلاد إلى مناخ الثمانينيات والتسعينيات الذي ندعو الله ألا نراه يخيم على مصر مرة أخرى.
بالتوازي مع اتجاه الجهاز الأمني أطلقت الدولة إعلامها الساذج، الرسمي والخاص، بنِفَسٌ الأسلوب الذي أطلقته على الجزائر في مباراة كرة القدم الشهيرة، غير مقدرة أن السماح بالهجوم على الإسلام والحط من المتدينين عبر برامج التوك شو التي يديرها مجموعة من الجهلة الباحثين عن دور، من شأنه أن يشعل فتنة لا يحتملها الوطن.
فالناس لا تقبل أن يتحقق طلب أحد هؤلاء الجهلة بمنع إعلان الأذان في الصلوات الخمس والغاء بثه إذاعيا وتلفزيونيا. أو الغاء حصة الدين كما طالب رئيس تحرير صحيفة حكومية يومية كبرى، وتدريس حصة دين مشتركة بين المسلمين والمسيحيين!
حملة الإعلام على الإسلام سأتركها لمقال آخر. اليوم أتناول حملة الأمن على المتدينين والتي ترجمها في اعتقالات بالجملة للسلفيين في الإسكندرية، ووضعهم كما صحح لي بعض القراء أمس في عنبر الترحيلات بمديرية الأمن القديمة في اللبان، واستدعائهم على مدار اليوم إلى الدور الرابع المعروف بالسلخانة لتلقي وجبات مريرة وقاسية من التعذيب، انتهت بسيد بلال إلى الموت.
سيد بلال لا تهمة موجهة إليه ولا شبهة فيه سوى أنه يصلي في مسجد قريب من بيته في كوبري الناموس. شاب سلفي أب لطفل عمره ثلاث سنوات يجتهد في البحث عن لقمة عيشه من أجله. لا وقت لديه للسياسة ولا لمطالعة الصحف. ليله في القرآن الكريم الذي يحفظه عن ظهر قلب ونهاره موصول من أوله إلى آخره بحثا عن مال حلال يعود به لإطعام أسرته.
أي جريمة وجدها الجهاز الأمني في ذلك. إنه يبحث عن منفذ تفجير كنيسة القديسين بطريقته التقليدية القديمة وهي التعذيب. وهي طريقة تؤدي لاعتراف أبرياء على جرائم لم يرتكبوها ولم يسمعوا بها إلا من الإعلام. ستريح الأمن بإغلاق الملف، لكنها ستترك الباب مفتوحا لجرائم جديدة لأن المجرم سيظل طليفا آمنا من الملاحقة.
هذا يفسر أن جهازنا الأمني أقل الأجهزة في المنطقة في العثور على الجناة. كل ما نقرأه عن فاعلين تم ضبطهم يتضح لنا أنهم جاءوا بالاعتقال الجماعي بناء على الشبهات أو الملفات الموجودة في أدراج ذلك الجهاز والتي يتم استدعاؤها بعد كل جريمة أو عملية إرهابية.
حل هذه المعضلة لا يكون بالاستمرار في التعذيب الذي سيؤدي إلى تفريخ أو خلق جماعات جديدة للانتقام من المجتمع ككل. جماعات لا تجد أمامها وسيلة سوى الهجوم على السلطة ومناطحتها بأعمال عنف ثأرية كما كان يحدث في التسعينيات والثمانينيات.
لابد من الإعتراف بأن الجهاز الأمني تنقصه الامكانيات التكنولوجية والتقنية والتدريبية التي تنتنج قدرات حقيقية في ضبط المجرمين الحقيقيين وملاحقتهم، وما زال يعتمد على أسلوبه المتبع منذ أربعينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وقد كان في ذلك الوقت أفضل حالا من الآن، لكنه مع التعذيب والاستنطاق بالعنف في الثلاثين سنة الأخيرة، افتقد لقدرات حقيقية على ملاحقة وضبط المنفذين الحقيقيين للجرائم الإرهابية والجنائية.
ما زال منفذ أو منفذو جريمة ذبح عدة أسر ليلا في إحدى قرى مركز بني مزار بالمنيا قبل عدة سنوات مجهولا حتى الآن. فقد أفلت لأن جهاز الأمن ضيع وقته ومجهوده في حفلات تعذيب لشاب متخلف عقليا حتى اجبروه على الاعتراف بجريمة لا يفهمها، ولولا براعة المحامي طلعت السادات لالتفت المشنقة حول رقبته.
الجهاز الأمني يضيع وقته في حفلات التعذيب الجماعي للسلفيين الذين اعتقلهم في الإسكندرية. ويبدو أن معالم الجريمة ضاعت تماما فقد استغرب المحققون أن كل أثارها التي يمكن أن تدل على الفاعل اختفت تماما من مكان الحادث بعد دقائق وأثناء تزاحم الهاربين من الكنيسة بعد الانفجار.
والغريب أن يتم تسريب نتائج البحث أولا بأول إلى الإعلام.. مثل العثور على نصف وجه أو نصف رأس أو قدمين.. ثم إعلان أنه تم تحديد مكان بائع السبح والمصاحف الذي كان موجودا أمام المسجد المواجه للكنيسة لحظة الإنفجار والذي قال الشهود إن جسده تقطع إلى أشلاء.
عندما تبين للأمن أنه ما يزال حيا في بلده بالمنصورة، تم تسريب الخبر إلى الصحافة وكأنه فتح عظيم!
حفلات التعذيب قد تخرج لنا شخصا يتلبس الجريمة ويشيلها.. لكنها تريح المجرم ومن وراءه وتدعهم يفكرون في هدوء في جريمتهم القادمة.
والأخطر أنها ستؤدي إلى خلق جماعات عنف رغبة في الثأر أو لاحساسها أنها مجبرة على ذلك لملاحقتها بلا سبب أو مبرر سوى التدين أو أداء فروض الدين. ذلك سيؤدي في المستقبل القريب إلى فتنة طائفية حقيقية وفوضى أمنية لأن الذين يعذبون، سيثأرون من الأقباط ومن الدولة.
لم يكن من الحصافة أبدا أن يستدعي مسئول أمني كبير في الإسكندرية شقيق سيد بلال ومحاميه ليطلعهما على خطاب الاعتقال الذي سينفذه إذا لم يسحبا البلاغ ضد أمن الدولة.
هذا المسئول الكبير ليس لديه وعي سياسي أو إجتماعي بالضريبة الكبيرة التي يمكن أن يدفعها المجتمع من أمنه وسلامة بلده نتيجة لهذا لأسلوبه الخالي من كل علوم الشرطة التي يجب أن تكون خادمة وساهرة على سلامة الوطن وقانونه.