العبث بأمن الوطن جريمة عظمى لا تجبرها الخواطر، وذلك ينطبق تماما على تسيير مظاهرات عارمة تهدد وحدة الشعب المصري وتدخله في أتون حرب طائفية من أجل زوجة كاهن اختلفت معه لأي سبب فهجرت منزل الزوجية.
لا أعتقد أن الدولة مطالبة بأن تفرغ جهازها الأمني لحماية استقرار بيوت الكهنة، وربما تخصص عسكريا لكل زوجة حتى لا تهرب من بيتها، لأن زوجها الكاهن ثقيل الدم أو يسيئ معاملتها أو "ما يعرفش"!
فوجئنا بأن أمن مصر القومي كله على شفا الهاوية لأن السيدة كاميليا شحاتة ذات الخامسة والعشرين ربيعا والتي تعمل مدرسة بالمنيا، خرجت من بيتها "زعلانة" مثل ملايين الزوجات في مصر اللاتي يختلفن مع أزواجهن فيذهبن إلى بيوت الأباء!
لم يفكر الكاهن تادرس سمعان في ما فعله معها في الليل. لم يطف بخاطره أنه ربما قصر معها مثلما يقصر أي زوج متعب منهك مرهق من العمل. لو طلب من الدولة أن تخصص ميزانية للكنائس تنفق منه على شراء "الفياجرا" لكهنتها، لكان ذلك مقبولا. لكنها جريمة تقع تحت بند الخيانة أن يستعدي المسيحيين على وطنهم ودولتهم، فيخرجهم في مظاهرات مفتعلة إلى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية زاعما أن "مسلما متعصبا" اختطفها ليجبرها على اعتناق الإسلام ويتزوجها، وأن دليله آخر رقم لمتصل وجده على هاتفها المحمول!
ومن مسلم "متعصب" واحد تطورت القصة إلى جماعة إسلامية خصصت ملايين مقابل خطفها وأسلمتها على حد زعم قساوسة وكهنة آخرين، ومن بينهم 50 كاهنا شاركوا في المظاهرة التي كان يتابعها البابا شنودة وسكرتاريته من القساوسة أولا بأول من منتجعه في واشنطن، وليس من قبيل تصغير الأشياء أنه لم يفكر في إرسال "قرص الفياجرا" ليطفئ به حريقا يهدد مصر كلها، بل راح يدير المظاهرة العارمة التي تطالب بتخليص مواطنة تحمل جنسية دولة الكنيسة المستقلة، وتتهم الأمن بغض الطرف عن الاختطاف الوهمي لآلاف المسيحيات.
لا يجب أن نسلم أمننا الوطني لجبر خاطر قداسة البابا شنودة، فالرجل يثبت دائما ومن قبل أن يخلعه الرئيس الراحل السادات من البابوية إلى الدير عقب اطلاعه على ملفه الطائفي والتي كان الشيخ الراحل محمد الغزالي سباقا إلى كشفه في كتابه "قذائف الحق".
البابا شنودة للأسف الشديد لا يريد أن يموت تاركا خلفه سلامة الجسد المصري، فمع كل زوجة كاهن تفر من بيتها مطالب جديدة لشعب الكنيسة الذي يصر على استقلاليته عن شريكه في الوطن.. حقوقا أكثر في التوزير وتولي المحافظات والوظائف العامة، مع أن التاريخ يقول لنا إن المسيحيين لم يصلوا من قبل إلى هذا المستوى الذي يفوق بمراحل حقوق أي أقلية دينية في العالم.
حتى في عهد الاحتلال الانجليزي لمصر لم يكن لهم هذا التواجد المؤثر. في إحدى الحكومات التي شكلها سعد زغلول قام بتعيين وزيرين مسيحيين أحدهما للخارجية، فاعترض الملك فؤاد لأن ذلك ليس منطقيا وسيثير تساؤلات الرأي العام. كان ذلك والانجليز على فركة كعب من الملك!.. فماذا يحدث الآن؟!
البابا شنودة يدري أن الدولة تعيش مرحلة الرجل المريض وكل ابتزاز سيمارسه معها سيقابل بتعظيم سلام.
المئات تحملهم السيارات من مدينة دير مواس في المنيا بعد ادائهم صلاة الحزن في كنيسة مار جرس، إلى مقر حكم دولة الكنيسة - أقصد كاتدرائية العباسية – وفي انتطارهم مئات آخرين مع كهنة وقساوسة وشعارات معدة سلفا، ومسئولين عن نقل التفاصيل للإعلام الخارجي لاستعداء أمريكا ضد القاهرة.. كل ذلك في سبيل زوجة غير مشبعة عاطفيا!
تصوروا أن تصل مصر من الهوان إلى هذا الدرك الأسفل، وأن تهون على أهلها المسيحيين كما هانت على من يتولون أمرها.
أما غير المتصور أن يتم ذلك دون إرادة البابا شنودة، فالكنائس لا تتحرك إلا بتعليمات منه وصلاة الحزن لم تكن لتقام بدون مباركته، وأن يقود الحملة القس مرقص راعي كنيسة دير مواس متهماً أجهزة الأمن بغض الطرف عن مصير الست كاميليا، كما غضته عن مصير العشرات من الفتيات المسيحيات اللاتي اختفطن ولم يعرف مصيرهن حتى الآن، على حد قوله الذي وجد له مساحات في الإعلام الغربي.
مراعاة لخواطر البابا ستترك الدولة القس مرقص يرتع في نتائج الأزمة المفتعلة التي قادها بامتياز، ولن تسأله عن هذه الجريمة التي يستحق عليها السجن بأقسى تهمة في أي وطن يريد أن يحمي نِفَسٌ ه وشعبه بمختلف طوائفه.
تجمعت أمام القس مرقص من اللحظات الأولى شهادات الجيران عن رؤيتهم الكاهن يضربها أكثر مرة، وخلافاتهما الزوجية المتكررة، لكنه لم يفكر إلا في افتراض خطفها وأسلمتها!
وصول أجهزة الأمن إلى مكانها عند أحد أفراد عائلتها أجهض حريقا كبيرا.. لكن من يضمن أن خلاف زوجة أي كاهن آخر وخروجها غاضبة إلى بيت أبيها أو شقيقها أو أحد أقاربها، سينتهي دون حريق يلتهم الأخضر واليابس في دولة هزيلة؟!
فهل الحل أن نخصص عسكريا لزوجة كل كاهن!