اتصل بي الرئيس حسني مبارك بعد خسارتي وقال لي "ارمي ورا ضهرك".. هكذا قال فاروق حسني بعد عودته للقاهرة محبطا حزينا من خيانة تم طبخها قبل الانتخابات بأسبوع على حد قوله للصحفيين الذين التقوه في المطار.
من التبسيط المخل أن يقول الرئيس مبارك ذلك، وأن تنتهي الهزيمة المدوية عربيا وإسلاميا بالرمي وراء الظهر وكأن شيئا لم يحدث!
خيانة مطبوخة وتحالف أمريكي أوروبي اسرائيلي ولوبي يهودي.. تلك هي التبريرات السريعة التي كان يحتفظ بها فريق فاروق حسني والحكومة وبعض مثقفينا لتفسير الخسارة، ولو كان هناك عقل يفكر ما أقدمت الدولة على ترشيح رجل غير مناسب أو ورقة محروقة!
من غير المعقول أن تطبخ خيانة في واشنطن وأن تتحالف أمريكا وأوروبا واسرائيل ضد شخصية لا تجد تأييدا في وسطها ومناخها الثقافي، واستهانت بقيم وشريعة وطنها بتقديم جوائز والاحتفاء بأشخاص يهينون الاسلام ويعلون من شأن الفرعنة ويصلون الليل بالنهار لخلع الزي العربي عن مصر!
كان يكفيهم اعتذار حسني المهين في باريس عن تصريح حرق الكتب الاسرائيلية. من يقدم اعتذارا بهذا الشكل، تاليا بتقديم جائزة الدولة التقديرية لمزيف دكتوراه عن كتب تشكك في القرآن الكريم وفي نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس لهؤلاء حاجة في التحالف ضده، لأنه سيقدم المزيد من التنازلات، وسيفعل ما يريدونه من الألف للياء.
وزير يهاجم الحجاب بعنف ويدعو إلى التبرج وتتجرأ مؤسسات وزارته على الاسلام بشكل غير مسبوق.. لا يتحالف الغرب والأمريكان واليهود ضده، وليس فيه ما يخشون منه.
القصة كلها تتركز في ترشيح الرجل الخطأ من نظام مسن. لا يمكن اختصار المسألة في الرمي وراء الظهر، أو في مقولة بعض المثقفين بأنها خسارة تشبه خسارة المباريات، ويجب تقبلها بروح رياضية.
لم اقرأ امس ردود الفعل من الرسميين والمثقفين وحاشية الوزير والصحفيين والكتاب، فكلها صنعت من عجينة واحدة وهي عقدة التآمر الغربي والأوروبي ضد مصر والعرب والتقليل من شأن الجنوب ورفض حوار الحضارات والاعتراف بالآخر.
نحن نقول ذلك فقط عند أزماتنا ونكساتنا وفشلنا فقط كشماعة نرضي بها أنفسنا وشعوبنا المغلوبة على أمرها، لكننا في الواقع نخون أنِفَسٌ نا بالتحالف معهم والاستجابة لما يتدللون به، حتى لو وصل الأمر لالغاء آيات الجهاد من القرآن الكريم أو طي صفحاتها وعدم تلاوتها، والغاء التعليم الاسلامي، واغلاق المدارس الدينية، وتشجيع طائفة تعيش بيينا على رفع عقيرتها ليل نهار لالغاء المادة الثانية من الدستور، ودمج التعليم الأزهري في العام، والحاق الأقباط بالأزهر، وشلح الحجاب، واغلاق المساجد في غير أوقات الصلاة!
نتهمهم الآن بعدم الاعتراف بالآخر، دون أن نسأل أنِفَسٌ نا في أي وقت سابق أو حاضر، هل من المفروض علينا نحن كي نعترف بالآخر أن نلغي هويتنا وديننا وقيمنا وتراثنا، ونبيعه كله في سوق العصر؟!
لو ألقينا نظرة على أسرع وسيلة متاحة حاليا لردود فعل الناس العاديين من خلال المنتديات والمواقع الالكترونية لرأينا فرحة طاغية في كل أرجاء العالم العربي لهزيمة فاروق حسني، فهل هؤلاء على كثرتهم خائنون لمصريتهم أو لعروبتهم ولإسلامهم باعتبار أن الوزير مرشح عربي وإسلامي أيضا!
الفرحة سرها أن مرشح النظام هو الذي خسر، وليس الشعب المصري أو العالم العربي والإسلامي.
أصبحت خسارة فاروق حسني شعبيا رمزا لنظام خاسر شرعيا وميت اكلينيكيا، لا يمكن أن تساعد أجهزة الانعاش في أكثر من بقائه مدة أطول هامد الحركة، فاقد التأثير العالمي!
عبر فاروق حسني عن رمزيته لذلك النظام أمس في تصريحاته بمطار القاهرة بتوجيه شكره للرئيس مبارك وللسيد جمال مبارك والحكومة، أي للحكم العائلي وموظفيه الوزراء بدءا برئيسهم أحمد نظيف.
يقول أحد المعلقين في المنتديات "فازت المرشحة البلغارية مع أنها لم تقدم تنازلا واحدا عن مبادئها وقيم بلادها".
وقال آخر "احمد الله على عدم فوز هذا الشخص الذى ليس له أى شعبية ويعتبر مثالا للفساد الحكومى هو وشلة الوزاراء الذين معه والذين يعتبرون مصر عزبة من أملاكهم"!..
وثالث يضيف "متوقع هذه النتيجة لشخص يمثل نظاما قمعيا ولدولة فشلت في كل المجالات وهو لا يمثل إلا نِفَسٌ ه". ورابع يقول "لو كان مثقفا لما بقي في منصبه أكثر من 4 سنوات".
وخامس يتساءل "ماذا كان سيفيدنا كعرب ومسلمين إذا فاز بالمنصب ؟؟؟ يمكن البلغارية تكون أفيد لنا منه, على الأقل لها مبادئ تتمسك بها ولا تفرط فيها من أجل الفوز بمنصب هنا أو هناك"؟!
بقي أن أقول أن فاروق حسني يجلس أكثر من 22 عاما في منصبه ممثلا لنظام يجلس أكثر من 28 عاما!
نظام عجوز يريد أن يسحب واحدا من المسنين من أحضانه إلى أحضان النظام الدولي.. فهو لا يريد أن يرتاح أبدا وفاقد الاحساس بالزمن!