نتيجة تدعو للفرح والفخر والتفاؤل.. النتيجة ظهرت منذ اللحظة الأولى. صورة ملايين المصريين يزحفون إلى اللجان، ويقفون فى الطوابير باختيارهم، كل منهم يحمل صوته للمرة الأولى. حتى لو وقف محتارا لايعرف ماذا يفعل، فهى صورة تعكس شوقا للحرية، طغت على كل محاولات الخلط والتضليل والاستقطاب. وسواء كانت «نعم» أو «لا»، فهى نعم للحرية.
نجح الشعب المصرى الطيب المسالم المرهق من عقود الظلم والتجاهل والاستبداد. الآن «باسم الشعب»، سيكون لها معنى فى المحاكم والبرلمان، تلك هى النتيجة بامتياز. والباقى مقدور عليه.
ملايين المصريين خرجوا للمرة الأولى فى حياتهم، ونفوا اتهامات السلبية و«الأنامالية. نجحوا فى امتحان الحرية. أما السلبيات والاستقطابات مصيرها إلى زوال، ولاننسى أننا نبنى نظاما على أنقاض نظام أكله السوس، وعشش فيه الجمود والفساد. وأخطر من فساده السياسى والمالى، اغتصاب إرادة المواطنين، والتسلط مرض معد.
سيدات ورجال فى السبعين يزحفون ويتعكزون ويتحملون مشقة المشوار وإرهاق الطوابير بسعادة، وكأنهم يحجون للمرة الأولى، مشهد يستحق الاحترام. بصرف النظر عن النتيجة التى أرضت البعض، ولم ترض الآخر، أغلب هؤلاؤء الذين خرجوا ليعلنوا نعم أو لا، لم يخرجوا لينصروا فريقا ويخذلوا آخر. وبعض أهالينا الذين ارتبكوا وهم يصوتون أو استمعوا لصوت الترهيب أو الترغيب، أبرياء من هذا الاستقطاب. ولانلومهم على ألاعيب السياسة..
لم يكن الغضب من ناس ينتصرون لـ«نعم»، لكن من ناس يغلفون نعم بخطاب الجنة والنار.
أو بخطاب المسلم والمسيحى. أو بخطاب يتلاعب بذكرى الشهداء ودمائهم، التصويت كان للسياسة، والمستقبل، وطلب الأمان من خوف وفقر وجوع وظلم. وتوق للحرية. ويخطىء من يعتبر نعم انتصارا للسلفيين والاخوان، أو هزيمة للدولة المدنية. ليس كل من قالوا نعم إخوانا أو سلفيين أو «حزب وطنى». ولا كل من قالوا لا هم الشعب، نحن فى أول الطريق، وفترة النقاهة، من مرض الاستبداد الأخطر من السرطان والفيروس الكبدى..
أعرف كثيرين كانوا محتارين، ضمائرهم لاتطاوعهم على اتخاذ موقف قد لايكون الصواب، رأيت وسمعت بعضهم كان يسأل بلهفة عما يفعل، بعضهم يميل إلى نعم، ويرى كثيرين يحبهم يدعون لـ«لا»، والعكس. البعض كان يسأل «أقول إيه؟». «انت هتقول إيه؟». يجب ان نحترم تلك الحيرة، وهذا التردد، لأنه يعنى الرغبة فى الأفضل.
رأيت مناقشة بين شابين فى المترو كان أحدهما مع «نعم» ويرى انها تكفى لنبدأ حياة جديدة بدستور جديد، والثانى كان مع لا، وقال له عاوزين دستور جديد. وأضاف «الإخوان والحزب الوطنى مع نعم، رد عليه «أنا لامع دول ولا دول، واستطرد«هو فين الحزب الوطنى ده.. هاقول نعم»، رد عليه: دا ممكن يرجعوا دستور 71، رد الأول: لو حصل نروح التحرير.
الاستفتاء لم يكن مباراة تنتهى لصالح فريق ضد آخر، بل خطوة نحو أهداف أوسع، وسيلة وليس غاية، الهدف الحرية والعدل والمساواة ومكافحة الفقر الذى يهزم إرادة البشر. ويدفعهم لبيع دمائهم وأصواتهم. والخطأ الانشغال بفروع، وترك الأصل. مازال الطريق طويلا ونتوقع جدلا حول الدستور القادم.
الطريق نحو الحرية بدأ، ولن تنتهى الحيرة، ولا مناورات الانتخابات والسياسة. وحتى التصويت الخاطىء وارد، وهو جزء من الديموقراطية.
دائما هناك ناس تخلط الدين بالسياسة، وناس تخلط الكذب بالسياسة، ناس مترددة وناس مش فاهمة، وناس فقيرة، وناس أمية، وناس متعلمة، وناس عاوزة تخلص وناس عاوزة تستمتع بالتصويت وناس عاوزة تتفرج وناس عاوزة تزايد. هذا هو الشعب بدون فذلكة ولا «حنشصة»، واللى عاوز يشتغل يحاول، واللى مش عاوز يقعد أو يدور على شعب تانى. > >