قيام
الليل من أفضل الطاعات، وأجل القربات، وهو سنة في سائر أوقات العام،
ويتأكد في شهر رمضان المبارك، وقد جاءت النصوص من الكتاب والسنة بالحث عليه
، والترغيب فيه , وبيان عظيم شأنه وثوابه عند الله عز وجل .
فقد مدح
الله أهل الإيمان, بجملة من الخصال والأعمال، وكان من أخص هذه الأعمال
قيامهم الليل , قال تعالى : { إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا
سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون . تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون
ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون . فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة
أعين جزاء بما كانوا يعملون } ( السجدة 15-17 ) ، ووصف الله عباده بقوله:{
والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً } ( الفرقان 64 ) ، ووصف المتقين بكثرة
صلاتهم بالليل، واستغفارهم بالأسحار، فقال سبحانه : { إن المتقين في جنات
وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلاً من
الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون} ( الذاريات 15) ، ولِما لصلاة
الليل من شأن عظيم في تثبيت الإيمان , والقيام بالأعمال الجليلة، وتحمل
أعباء الدعوة وتكاليفها، فقد أمر الله بها نبيه عليه الصلاة والسلام، فقال :
{ يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً } إلى أن
قال : { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم
قيلاً } ( المزمل 1-6 ) .
وجاء ت في السنة أحاديث كثيرة تبين فضائل قيام
الليل ، ومن ذلك أن قيام الليل عادة الصالحين في جميع الأمم ، قال صلى
الله عليه وسلم : ( عليكم بقيام الليل , فإنه دأب الصالحين قبلكم , وقربة
لكم إلى ربكم , ومكفرة للسيئات , ومنهاة عن الإثم ) أخرجه الحاكم .
وهي
أفضل صلاة بعد الفريضة ، فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : ( أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل ) ، وقال
أيضاً : ( أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر , فإن استطعت أن
تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن ) رواه الترمذي .
وهي من أعظم
أسباب إجابة الدعاء , والفوز بالمطلوب ، ومغفرة الذنوب ، فقد روى أبوداود
عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، أي الليل أسمع ؟
قال : (جوف الليل الآخر ، فصلِّ ما شئت , فإن الصلاة مشهودة مكتوبة ) ،
وقال كما في صحيح مسلم : ( إن من الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله
خيرا إلا أعطاه إياه ) .
وصلاة الليل من موجبات دخول الجنة ، وبلوغ
الدرجات العالية فيها ، فقد روى الإمام أحمد عن أبي مالك الأشعري رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن في الجنة غرفا , يرى
ظاهرها من باطنها , وباطنها من ظاهرها , أعدها الله لمن ألان الكلام ,
وأطعم الطعام , وتابع الصيام , وصلى بالليل والناس نيام ) .
فاحرص - أخي
المسلم - على أن يكون لك ورد من صلاة الليل ، ولو قليلاً بالقدر الذي ينفي
عنك صفة الغفلة، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود : ( من قام
بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ) ، واحرص على صلاة التراويح في هذا الشهر
الكريم ، ولا تنصرف حتى ينصرف الإمام ، ليحصل لك أجر قيام الليل كله ، قال
صلى الله عليه وسلم : ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة )
رواه الترمذي .
نسأل الله أن يتقبل منا الصيام والقيام ، وأن يوفقنا لطاعته في سائر الأيام وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .