كيف نستقبل رمضان وكيف نغتنمه؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى... وبعد:
فإن
شهر رمضان من الأزمان التي لها عند المسلمين مكانةٌ عظيمةٌ, هذه المكانة
ليست مجرد شجون وتقدير لما يرتبطون به, لا بل هي مكانةٌ ترتبط بها القلوب
والأبدان لما تجده النفوس من بهجةٍ وفرحةٍ واطمئنان وحب للخيرات وفعل
للطاعات وتهيؤ عظيم في القلوب ولين في الأبدان لفعل الخيرات وترك المنكرات,
ولاشك أن هذا يَشعر به كل مسلم وإن قل إيمانه لأن شهر رمضان هو زمنُ لين
القلوب واطمئنانها ولو نسبياً, وزمنُ تعاون الناس على كثير من البر
والطاعات, وفعل الخيرات, فأنت ترى الناس تختلف مسالكهم في رمضان عن غيره
لوقوع الصيام منهم جماعة مما يجعل لهم صورة جماعية طيبة في بعض الأمور
كإجتماع الناس في البيوت للإفطار حتى تخلو الطرقات في القرى والمدن من
المارة إلا القليل, والتي لا تكون عادة كذلك في مثل هذه الأوقات في غير
رمضان, وغير ذلك من المظاهر الجماعية والتي تحدث في رمضان ولا يمكن أن تحدث
في غيره باستقراء الواقع إلا أن يشاء الله شيئا...
وذلك
مثل اجتماع الناس على قيام رمضان, ومثل امتلاء المساجد في صلاة الفجر على
غير عادة الناس في غير رمضان في أزماننا, هذا وغيره كثير يدل دلالة واضحة
على تلك المكانة التي هي لهذا الشهر في قلوب العامة والخاصة من المسلمين,
وتلك المكانة التي تكون في القلوب تتفاوت في قلوب المسلمين بما يترتب عليه
تفاوتا بينا في مسالكهم وعاداتهم في هذا الشهر أفرادا وجماعات, وهذا
التفاوت ليس هو فقط في المقدار والأثر والقوة لا بل هو أيضا في نوعه بمعنى
أنه ليس فقط تفاوتا في كمه وقوته بل في كيفيته ونوعيته...
وصدق
ربنا إذ يقول: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4]... نعم فإن سعي
الناس عموما في أمر دينهم ودنياهم لشتى خاصة في مثل تلك الأزمان الفضيلة,
فبين مقدر لقدره ومضيع, وكاسب وخاسر, وموفق ومغبون, وضال ومهتد, وتقي
وفاجر... عافانا الله من التضييع والخسران والغبن والضلال والفسوق والكفران
وجعلنا بفضله ومنه وجوده من المؤمنين الفائزين في الدنيا والأخرة، في
رمضان وغيره من شهور العام... آمين... آمين.
أيها الإخوة الكرام كيف نستقبل رمضان... وكيف نغتنمه؟
وقبل الإجابة أسأل نفسى وإياك أخي الكريم واختى الكريمة
سؤالاً يقرب المسألة, وهو لو أن لك صاحب أو قريب أو رحم عزيز عليك, غاب عنك أحد عشر شهرا ثم علمت بمجيئه إليك زائراً عما قريب,
ماذا أنت صانع لملاقاة واستضافة هذا الضيف والجائى الكريم العزيز عليك, ماذا أنت صانع؟...
سأترك الإجابة لك ولكن بشرط أن تجيب بإنصاف وموضوعية...
وإذا وفقك الله لإجابةٍ صحيحة منصفة بما يليق وشأن ضيفك وزائرك الذي افترضنا أنه عزيز بل عزيز جدا عليك... جدا... فاسأل نفسك
ماذا هو الحال إذا كان هذا الزائر هو شهر رمضان المبارك؟، ونحن سوف نستقبل في غضون أيام هذا الضيف...
هل تعرفه... وماذا أعددت له وكيف ستستقبله وتتعامل معه؟
ولو ظللت أعرف بمن يكون هو هذا الضيف العزيز ما وفيت الكلام على مكانته ولكن المقصود هو كيف نستقبل هذا الضيف المكرم؟... كـــيف؟؟
ومن ثم لابد أن أذَكِر أولاُ بأمور هامة أولها:
نحن
المسلمين لكم أسأنا استقبال هذا الضيف في أعوام سابقة لأنه لطالما يزورنا
ويأتينا كل عام في نفس الموعد وهو ضيف كريم يأتي بالهدايا الكثيرة العظيمة
النفع التي يحتجها كل أحد من الخلق وخاصة المسلمين ونحن نقابل ذلك بأن نأخذ
من هداياه ما يعجبنا ونرمي في وجهه ما لا يعجبنا ونحن في ذلك من
المغبونين...
وصدق ربنا اذ يقول:
{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [سورة الليل: 4]...
نعم
إن سعي العباد في الدين لشتى, وخاصة في رمضان, فمضيع ومستهتر ومغبون
ومفتون وغير ذلك من مسالك الباطل والتضييع, ولكن هناك أهل الحكمة وشكر
النعمة... -جعلنا الله منهم-.. أهل تقدير العطايا والمنح الربانية- الذين
يرجون ثواب ربهم ويخافون عذابه ويتقون سخطه بطلب مرضاته - نعم هم من يطلبون
النجاة ويسلكون مسالكها فيعرفون لرمضان قدره ويستقبلونه بالتوبة وفعل
الخيرات وترك المنكرات.
يحكى عن السلف
أنهم كانو يظلون ستة أشهر يدعون ربهم أن يبلغَهم رمضان, فإذا جاء أحسنوا
استقباله, فإذا رحل عنهم ظلوا ستة أشهر بعده يسألون الله قبول ما قدموا فيه
من الصيام والقيام والصدقة وغير ذلك مما قدموا من البر... أرأيت كيف كان
حالهم... وكيف صار حالنا, نسأل الله أن يصلحنا ويصلح بنا ويُحسن مآلنا
ويجعلنا فى شهر رمضان من الفائزين, كان السلف إذا انقضى رمضان يقولون رمضان
سوق قام ثم انفض، ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر, اللهم اجعلنا فيه وفي
سائر أيامنا وأعمارنا من الرابحين المفلحين....آمين.... آمين...
نحن
ياسادة : كم من مرات ومرات جاءنا رمضان وجعلناه يرحل عنا وهو حزين لا يرى
منا إلا الوكسة والجري وراء الدنيا الحقيرة والرضى بالدنية فى الدين,
والميل مع الذين يتبعون الشهوات ميلا عظيما, والتولي عن العمل لله, ويرى
كذلك زهدنا فى آخرتنا وعدم نصرتنا لربنا... ففعل المنكرات, وسهرٌ أمام
التلفاز في الليالي الرمضانية -هكذا يسمونها من يقيمونها- وهي في الحقيقة
ليالي شيطانية لا رمضانية, فالليالي الرمضانية هي ليالى القيام واجتماع
الناس في المساجد والتسحر استعدادا لصيام يرضاه الله جل وعلا وغير ذلك من
الذكر والتلاوة هذه هي الليالي الرمضانية, وكذلك لكم رحل عنا رمضان وهو يرى
حال المسلمين المتردي الذين هم في أشد الحاجة لما جاءهم به من الخير
الكثير الذي جعله الله لعباده التائبين المقبلين الذين يبحثون عن مخرج من
ورطة الذنوب وتخفيفا لثقلها عن عاتقهم
وفقكم الله فى هذا الشهر الكريم لما يحبه ويرضاه ويرضى رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ........