لا يمكن لاحد ان ينكر ان اهالي حلب يختلفون في كل شيئ عن باقي السوريين فهم لهم نكهة خاصة في كل شيئ يفعلونه و يؤمنون به و لا يقتصر على نكهة ما يأكلونه
يبدو ان هذه النكهة الخاصة في كل شيئ ليست مجرد طفرة بل هي جوهر ما يجعلها "حلب" التي نعرفها
و يمكن اسقاط منطق الخصوصية و التميز على كل شيئ يتعلق بحلب واهالي حلب من اسلوبهم في الحياة و التعامل الى البيع و الشراء وحتى الفعل و ردات الفعل و حتى في "ثوراتهم"
حتى حين بدت كل مدن سوريا تشتعل كانت حلب ماضية في التعبير عما في يجول نفوس ابناءها حول ما يحدث بنكهة حلبية خاصة
أن تجبر اهالي حلب على فعل اي شيئ لا يريدونه فهذا ضرب من الخيال و المستحيل الا اذا سمحوا لك بذلك و اما غير ذلك فتفسير سكوتهم على انه عجز او رضا هو تفسير خاطئ بل مخادع
من ينسى احداث الثمانينات عندما سكتت كل مدن سوريا و تكلمت حلب لوحدها و دفعت الثمن على مدى ثلاثون سنة بعدها
ابن حلب اول من يدفع الثمن و اخر من يستلم الجائزة في كل الاحوال
لا يرضي الحلبي شيئاً اقل من الافضل و الاجود و بنِفَسٌ الوقت لا يريد ان يدفع فيه اكبر من الثمن الذي يراه مناسباً للبضاعة المعروضة
اهالي حلب معادلة صعبة كانت و لا زالت عصية على الفهم لا يستطيع فكها الا ابناءها فقط و فقط لا غير
حين رفع جميع المتحاربون شعارً على مدافعهم في حلب يقول :"من اجل سوريا "
لم يخطر ببال احد منهم ان يسأل اهالي و ابناء حلب عن رأيهم في كل ذلك !
لم يخطر ببال الفرقاء ان رفض اهالي حلب للتورط لم يكن فقط لحماية انِفَسٌ هم و مصالحهم بل لأن اي دمار لحلب هو دمار يصيب تاريخ الانسان و تاريخ حضارة الانسان و لا يريدون ان يكونوا الجيل الذي خربت حلب على زمانهم فيلعنهم التاريخ على اساءة الامانة
اعتبر الفرقاء رأي اهالي حلب امراً ثانوياً و تم تغييب ابناء حلب عن مصير حلب و عن قرار المعركة الكونية و هذا خطأ فادح ارتكبه الفرقاء
من السذاجة ان يظن كل طرف منهم ان لا خيار امام اهالي حلب الا ان يكونوا اما "مع" او" ضد"
طالما لم يقرأو تلك الخيارات في الكتب السماوية فهي مجرد صنع البشر لا اكثر و لا اقل
و طالما الطرفين لم يقدما الا الخراب و الموت لتلك المدينة و ابناءها فلن يكون ايا منهم خيار اهالي حلب
من يعرف اهلي حلب جيداً يدرك هذه الحقيقة ؟
يقول اهالي حلب في الامر :
ان كان هناك مؤامرة خارجية عمرها 10 اعوام فهناك مؤامرة داخلية عمرها نصف قرن فلا يلوم احد الاخر فللكل في المصيبة نصيب
على هذه الارضية التي تدعمها الوقائع و التاريخ بدا لاهالي حلب انه هناك خيار ثالث
قاموا بخلقه بأنِفَسٌ هم و لم يقدمه اليهم احد
هو اشبه برسالة للعالم مفادها
:
لن يستطيع اي فريق ان يفرض نِفَسٌ ه على حلب عنوة و بما انكم تدمرون بيوتنا و منازلنا و ترهبونا و تروعونا و تستبيحون ممتلكاتنا و ارواح ابناءنا فنقولها لكم منذ الآن لا نريدكم و لن نرضى بكم مهما كان المنتصر بينكم
فبالنهاية لا قيمة لحلب بدون اهل حلب و من هذا العاقل الذي يريد ان يكسب شوارع مهدمة و مباني مكسرة و قد خسر قلوب ابناءها
الم تكن تلك هي كلمات هند بنت عتبة لزوجها ابي سفيان عندما دخل القائد خالد بن الوليد فاتحاً مكة المكرمة حينها سألها ابو سفيان:
اكنا على خطأ و كان على صواب (يقصد النبي محمد)؟
فكان رد هند ابلغ رد :" نعم لآنه يستولي على القلوب لا الجدران"
كذلك كان على اي طرف من الاطراف التي تتصارع على حلب ان يستولي على قلوب اهالي حلب و ابناء حلب لا ان يسعى للاستيلاء على جدرانها و يسيطر على شوارعها و الا فالنصر لن يكون خالصاً وان بدا الامر له كذلك في اول الامر
• لفت انتباهي صفحة على موقع التواصل الاجتماعي الفايس بوك تدعى "بيان اهالي و أبناء حلب الشهباء الى العالم "
تجمّع فيها الاف من اهالي و ابناء حلب لتؤكد ما قلناه وهي صفحة بسيطة و لكنها الاولى بعد شهور طويلة من الجدل و السجال بين السوريين و التي لا ترى فيها تلك المسحة العدائية التي سادت من قبل بين السوريين بل بدا من فيها لا يريدون الا مستقبل حلب فقط على "السيناريو الحلبي"
هذه الصفحة و يبدو ان هناك مئات من مثيلاتها بدأت بالظهور كلها تعطي انطباع انه لا يزال هناك أمل و ان صوت العقل و الحب و التسامح لم يختفي الى الابد
اهالي حلب كتبوا بياناً خاصاً في صفحتهم تلك باللغات الثلاثة وجهوه الى الاطراف المتصارعة و الى العالم كله و قبل ان يلفت انتباه من في سوريا من الاطراف فقد لفتت انتباه من هم خارج سوريا
و لما لا و حلب هي المدينة التي ستحدد وجه العالم في المستقبل
يبدو ان اهالي حلب بدأو ببناء المستقبل وفق ما يريدونه هم و ليس ما يقرره الاخرون لهم
يبدو ان اهالي حلب متمسكين بالحياة و بالمستقبل و عازمون على المضي فيه و الخروج من بين براثن الموت الذي فرض عليهم
لكن ليس قبل ان يحاسبوا كل من سمح بتدمير مدينتهم وكل من تخلى عنهم في محنتهم و كل من استغل معاناتهم و كل من اختبئ وراء قلعة حلب
حتى حين سقط باب قلعة حلب لم يخرج المؤتمنون على حلب من جحورهم ليعزوا اهالي حلب او يواسوهم في مصابهم الجلل
يبدون ان المستقبل فعلاً سيكتبه ابناء حلب بخطهم فهل سيقرأ العالم سطورهم
فليحذر الجميع من غضب اهل حلب فهو ايضاً له نكهة خاصة