في غمرة انشغالي بمستجدات الأحداث على الساحة السورية و ما يتعلق بها من مواقف معلنة و مبطنة لبعض الأطراف الفاعلة فيها سلباً و كم هي كثيرة هذه ، أو إيجاباً و لحسن الحظ أن بعضها كذلك، كتب لي أحد الأصدقاء في معرض تعليقه على مقالٍ سابق كنت قد كتبته " و لفت إلى حقيقة أن الشعوب العربية تبدو " أو هي حقيقةً كذلك " مهزومة سلفاً أو مخدرة و مسلوبة الإرادة في استسلامها للقبول بالإعتياد عن طريق التكرار ..
تكرار الحقيقي أو المزيف من الأخبار و الصور و المشاهد ، و لم يكن تعليقه سوى الصواب و لا شيء غير الصواب ، فبفضل التكرار المشبوه إعلامياً بات يستعاض بما كان يوماً وطناً عربياً بعبارة جزء من الشرق الأوسط الجديد ، و تحولت المقاومة اللبنانية يوماً بعد يوم بفضل جهود الإعلام العربي الطائفي إلى حزب الله الموالي لإيران أو " الشيعي " ، وصارت القيادة السورية التي لايستطيع أحد إنكار دورها في العمل العربي المشترك و توجيهه عكس أهداف المعسكر الصهيوني ، كما في محاولة فصل الدين عن السياسة خلال العقود الأربعة الماضية و إرساء دعائم الدولة العلمانية ، هذه الدعائم التي تنسف اليوم اخوانياً و سلفياً و وهابياً ، هذه القيادة باتت تكنى اليوم بالنظام السوري أو النظام الأسدي و بات الجيش المقدس لهذا الوطن يدعى بجيش الأسد أو شبيحة الأسد ، و بات العقل العربي الفردي أو الجمعي في معظمه جاهز دون تفكير أو اعمالٍ للعقل إلى تقبل جيوش الناتو بقيادة أمريكية و تخطيط صهيوني و تواطؤ أعرابي على أنها جيوشٌ مخلصة و بات إحتلال البلدان في عقول البعض و أذهانهم تحريراً و منحاً للحريات المصادرة ، و لكم في " ليبيا المحررة " خير مثال .... .
قد يسأل سائل لماذا التنبيه الآن تحديداً من هكذا ظاهرة ، أقول ببساطة لأنني لاحظت عبر قراءتي لما يكتبه بعض الإخوة السوريين عبر مواقع التواصل الإجتماعي كما من خلال النقاشات التي اخوضها مع بعض السوريين و غير السوريين عن تطورات الأزمة و النهايات المتوقعة لها أن بعض أولئك وصل عنده التشاؤم و الَيّأِسً و الخوف من المجهول حداً متطوراً ، فيما بدأ البعض الآخر يجنح إلى تكرار تساؤلات غريبة و غير منطقية على الإطلاق كإستغرابه من عدم مقدرة الجيش السوري على بسط الأمن و الأمان على كافة مساحة الوطن إضافةً لضبط الحدود ، و التي لطالما رددت عليها بإستحضار التجربة الأميركية في العراق فالجيش الأميركي الذي وصل قوامه مع البريطاني إلى ستمائة ألف جندي عجز على مدى ثماني سنوات من وضع حد لدخول المسلحين إلى العراق و من تنفيذهم للعمليات الإنتحارية القواعدية ، و هو الجيش المجهز بأحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا صناعة الأسلحة و أجهزة المراقبة ، و رغم أن الحرب اليوم هي على الأرض تأخذ طابع المواجهة بين القوى الأمنية و الجيش من جهة و بين العصابات الوهابية المجرمة من جهة أخرى إلا أن هذا لا يمنع أن جانب كبير منها هو حربٌ نفسية تستهدف المواطن السوري و الجندي السوري وصولاً إلى استهداف الأرض ، لهذا كان لا بد من التعرض للعامل و الجانب النِفَسٌ ي لهذه الحرب ....
يشكل الإعتياد في العموم حاجزاً صلباً مانعاً لتغيير المفاهيم أو الوقائع على الأرض عبر تحفيز الإرادة ، فالإعتياد السلبي على حالة سلبية يحمل في ثناياه مخاطر جسيمة يكمن جلها في سيطرته و تحكمه بآلية التفكير و الإعتقاد و المحاكمة عند الفرد فيما يخص حالة بعينها ، وصولاً إلى التحكم بالسلوك و آلية التعاطي و التعامل مع تلك الحالة ، و الإعتياد في هكذا حالة يسهل على الفرد في لاوعيه استسلامه لما بات معاشاً و مألوفاً و يثبط عزائمه ، و يبث سمومه في مراكز محاكمته العقلية و المنطقية ، و هنا تحديداً يكمن الخطر الحقيقي للإعتياد عن طريق التكرار ، حيث يرخي بظلاله بطريقة شيطانية ليفرض على الفرد من حيث أراد أم لم يرد تقبل الواقع على علاته و سلبياته و مخاطره ، و يزرع في نِفَسٌ صاحبه بذور الَيّأِسً من جدوى أية محاولات بذل الجهد أو المواجهة تجنباً للأسوأ ... .
و الإعتياد على معايشة الوقائع الدامية عبر الحواس و المشاعر التي تخوض عميقاً في التفاصيل اليومية سواء أكانت خبراً مقرؤاً أو مسموعاً أو متناقلاً عبر الإشاعة أو مشاهداً من خلال التلفاز ، ما يجعل من تلك الوقائع و المشاهد الدامية أياً وصلت درجة سلبيتها و غرابتها و بعدها عن العقل و المنطق إلى حالة واقعية يتوقف المرء بعد حين عن الوقوف عندها أو اعطاءها ما تستحقه من الإهتمام و التأمل و المتابعة و إستقراء حيثياتها و تطوراتها المستقبلية المحتملة .. .
إن أولى خطوات مواجهة المؤامرة و الحرب القذرة على سورية هي الإرادة و هي متوفرة لدى غالبية الشعب السوري ، و أما الثبات و عدم التراجع فيحتاجان إلى العزيمة التي يفترض أن ينتبه إليها الفرد كما القيادة ، فالحفاظ عليها و تقويتها هما ما سيصل بالوطن إلى يوم نصره ، و هي هنا تحتاج أن يقرن أحدنا الأقوال بالأفعال على الأرض ، فالقول قد يكون حماسي و رائع و يداعب المشاعر و العواطف و لكنه ليس كافياً إن لم نقرنه بالفعل بإعلاننا لحالة الإعتياد الإيجابي على الثبات و الإستمرار في المواجهة و الصبر و المصابرة وصولاً إلى نصرنا الذي ينتظرنا في نهاية النفق المظلم الذي نعبر . و طالما أن قيادة الوطن و شعبه و جيشه قد وضعوا مجتمعين النصر هدفاً و المجد غايةً و الخلود مبتغًى ، فواجب هذا الثلاثي العظيم ألا يحيد عن هذا الدرب أو يشتت إنتباهه عن هذا الهدف ، و إلا تعملقت صغائر الحواجز و تضخمت العقبات و ازدادت العراقيل .
إن التاريخ قد اعطانا من الشواهد الكثير عن شعوبٍ أو جيوشٍ تفوقت في حروبها و انتصرت رغم أنها كانت الطرف الأقل عدداً و الأضعف عدةً و مع ذلك فقد انتصرت لأنها كانت الأطول نِفَسٌ اً و الأكثر صبراً و الأشد تحملاً . .. .
و بالعودة إلى الواقع على الأرض يجدر بنا عدم تجاهل العبارات التي باتت تسمع اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى ، و أغلبها يحمل طابع الشكوى التي تصل في بعض الأحيان حد التململ و التذمر و الخشية من المدى الزمني الذي تحتاجه عملية العلاج و ما يليها من فترة نقاهة ضرورية ، حتى باتت مناجاة الله تقرأ بشكلٍ يومي من خلال ما يكتبه السوريون على صفحات الفيسبوك و مطالبته بإستخدام نفوذه و شفاعته و تظليل المجتمع السوري بفيء رحمته . و إن أردنا الخوض في هذا الأمر صادقين و غير مواربين وجب علينا أولاً وضع بعض النقاط على حروفها ، و للإجابة على هكذا تساؤلات صعبة و معقدة حول التوقيت المرتقب أو المتوقع لنهاية الأزمة ، و هو كما ذكرت أكثر من مرة لأكثر من صديق و في أكثر من مناسبة ، هو من الأسئلة الشائكة و البالغة الصعوبة و التي تستدعي أحياناً مكاشفاتٍ مؤلمة يجب علينا تقبلها بواقعية بدلاً من الغوص عميقاً في أمنياتٍ بعيدة عن الواقع .
بإيجازٍ أقول أن على كل سوري أن يعي حقيقة في غاية الأهمية مفادها أن الوضع لن ينقلب بفعل ساحر خلال اسابيع أو أشهر قليلة إلى حالة من الأمن و الأمان و الإستقرار الذي يعم الوطن و ينعم به المواطن ، و إن سألنا أنِفَسٌ نا لماذا ، أو لو إعتبر بعضكم أن هذه فكرة تشوبها بعض السوداوية و يسيطر عليها التشاؤم سأرد ببساطة .. تذكروا أن الأرض الآن هي جد خصبة لإستمرار حالة اللاإستقرار إلى أجلٍ تحدده مجريات و تفاصيل المشهد في الأشهر القادمة ، يكفينا أن نستوعب حقيقة أن معظم السماد الثوري و العلف الثوري و ابر المورفين الثورية و تحاميل الجنون الثوري و حبوب الهلوسة الثورية ، أن هذه جميعها سوف يستمر تقديمها لكل الثيران و الجواميس الثّوًرٌيَة على الأرض السورية ، و طالما بقيت الثيران قادرة على الحصول على محرضات نوبات الثورنة فإنها لن توفر جهداً في ألإستمرار في حالة الرفس و الهياج الثورجي على الأرض ... .
و طالما أن استقدام قوافل و قطعان المجاهدين الكفرة و شحنهم إلى سورية مستمر ، و طالما أن تجنيد أمثالهم ممن يدعون حمل الجنسية السورية و هي منهم براء ما زال ممكناً ، و طالما أن بعير و نوق مضارب آل سعود و آل ثاني التي ترتدي العباءة الأعرابية و تستر رؤوسها بالغترة و العقال تفتح خزائنها و تدفع ما تطلبه شركات الأسلحة التي يناسبها بيع المزيد و المزيد من انتاجها ، و طالما أن باقي زمرة العملاء في تركيا و لبنان و العراق تتسابق لإظهار ولائها و تبعيتها لقادة الناتو و من خلفهم مهندسي المؤامرة حاخامات بني صهيون ، فإن الوضع مرشح منطقياً لحالة التقدم بخطًى ثابتة على الأرض نحو ما يتوسمه الشعب السوري من نصرٍ بات يشغل مراكز الطموح في أدمغة السوريين ، لكن تلك الخطوات على الأغلب لن تكون قفزات ديناصورية .... .
تحضرني هنا إجابة الموفد الأممي لسورية كوفي انان خلال مؤتمره الصحفي بعد إجتماع جنيف الصحفي حين توجه إليه من إفترض أنه يتذاكى و يسبق أقرانه من الصحفين سائلاً : هل سيكون الرئيس الأسد على رأس السلطة في نهاية هذا العام أم لا ، فضل انان أن يعطي جواباً مقتضباً لكنه جد معبر إذ قال : " اعتذر فقد نسيت بلورتي السحرية و لم احضرها معي " ، انان أيها الأصدقاء تحاشى أن يقولها بالفم الملآن أن أحداً من أطراف التحالف الدولي ضد سورية لا يجرؤ على الإدعاء بإمتلاك جوابٍ لهكذا سؤال ، لأن جميعهم يعلم أن الأسد باقٍ طالما أن غالبية الشعب و الجيش معه و هم كذلك اليوم و غداً و إلى ما شاء الله ، جميعهم يقرأ هذه الحقيقة و يسمعه إياه عقله مراتٍ و مرات في اليوم الواحد رغم عشرات التصريحات و التلميحات و المطالبات و الإشتراطات لعدد غير محدود من " أشباه رجالات هذا التحالف " سياسييه و عسكرييه و مفتييه و منجميه و زنادقته و مجرميه و ثورجييه من كافة المستويات بدءًا من الدون .. وصولاً إلى ... الدون .. .
علينا في الفترة المقبلة أن نستعد لفكرة أن الأزمة قد تطول أكثر مما يتوقع البعض ، لأن الأمور تسير نحو مزيد من التآمر ، يجب هنا التذكير أن مقدرات الجيوش و القوى الأمنية تبقى في هكذا حالات بحاجة إلى مساعدة الرديف الشعبي مهما كانت جبارة و قوية و متمكنة على الأرض و ما الرديف في هكذا حالات سوى الشعب السوري و أبناء سوريا ، و لا يفترض أن يفهم من كلامي مساعدة الجيش عبر حمل السلاح و الوقوف معه في نِفَسٌ خندق المواجهة رغم أن هذا الأمر وارد و واجب حين يلزم ، كما لو أن تحالف المتآمرين أصيب بنوبة جنون مثلاً قرر على اثرها شن حربٍ كلاسكية على الوطن السوري و هو الإحتمال .. القائم في حالة الجنون و في حالة الجنون فقط ... . و أما عن المرحلة الراهنة فواجب السوري أينما كان ، داخل الوطن أو خارج حدوده أن يسخر بعض وقته و جهده لمحاولة القيام بدور الرديف المساعد ، الذي قد يكون دوره في حالات معينة رديفاً أمنياً كما حين إيصال أية معلومة قد تفيد القيادة السورية في منع عملٍ إرهابي أو التصدي له ، أو قد يكون رديفاً إعلامياً كما في المشاركة الفعالة في إيصال الصورة الحقيقية لما يحدث على الأرض و التصدي لكل محاولات قلب الحقائق و الوقائع التي يقوم بها جيش الإعلام المتصهين عبر محطاته و صحفه و مواقعه الإلكترونية ... .
المرحلة القادمة يعتقد لها أن تشهد حالة من المراوحة في المكان مع أفضلية و أرجحية منطقية للإيجابية على السلبية ، لماذا ؟؟ هناك أسباب موجبة لهكذا إستنتاج إذ لا زال لدينا من دواعي التفاؤل الواقعي الشيء الكثير فالمعارضة السورية تزداد شرذمةً و تشتتاً و ضياعاً و تيهاً .. يوماً بعد يوم ، و كان لافتاً ذلك الفشل الذريع الذي منيت فيه آخر محاولات لم شملها و توحيدها و جمعها في بوتقة من العمالة ، أي عمالة بالجملة ، لكنها و لأن الأنا تتحكم في " أبطالها الأشاوس " و لكونها تقبض بالمفرق و من مصادر متعددة فقد بقيت مشتتة و تابعة للجهات و الحكومات التي تدفع لها و وكالآت الإستخبارات التي تمولها ، و لا يتوقع لحالها أن يتغير في المدى المنظور ، يضاف إلى هذا أن الانشقاقات المزعومة في الجيش مهما تم تضخيمها و إستغلال بعض اسمائها لإظهار أن قيامة الجيش قد قامت و لن تقعد بعد اليوم تبقى محدودة و لا تأثير لها سيما في عالم النسبية ، و لن ننسى حالة العجز التي يمر بها الحلف الشيطاني ، فلا هو قادر على المواجهة المباشرة و لا هو قادر على الحسم دون تلك المواجهة ، فيما تستمر عمليات التطهير و التعقيم التي يقوم بها الجيش السوري ، و كان أخيراً ،، رسالته التي ترجمت إلى كل لغات العالم ، حتى أنه فرض قراءتها على كل من أصابه بكمٌ أو صمم أو عمى من ذاك الفريق ، لم يعرف السوريون أجمل منها لغةً و لا أروع من مفرداتها ،،انها لغة الصواريخ التي فقأت عيون كل من راقبها أو تابع تفاصيلها من ذاك الفريق المتصهين .. .
ستثبت قادمات الأيام أن ما يعتقده الغرب غولاً يكاد ينقض على بعض جيشنا الأبي ما هو في واقع الحال سوى قطيعٌ من الثيران لن يكون صيدها و سوق من يقع في الشباك منها إلى حيث يجب أن يكون مهامه مستحيلة ، و عن تسمية عصاباتهم "بالجيش الحر " أقول أنهم مجموعة من الهررة المسلولة التي تنظر من بعيد من داخل الحدود السورية و من خارجها فلا ترى سوى أجلها يلوح لها و يرسل لها الإشارة تلو الإشارة أن أيامها لن تطول و أنه آتٍ للقياها بأقصى ما تفرضه إرادة و عزيمة و صلابة و شجاعة الشعب السوري و جيشه العظيم .. . نحن شعبٌ اعتاد على قبول التحدي و من يقبل التحدي لا يمكن له أن يكون خصماً ضعيفاً أو سهل المنال و إلا لما إمتلك القوة على الزئير معلناً تحديه كما الأسود ، و يوم الظفر و النصر و نيل المبتغى سوف تسمع الأرض و من عليها و السماء و ما حولها نشيد النصر يعزفه هذا المتحدي الجبار ثنائية الشعب و الجيش السوريين ، الحفل سوف يكون غير كل الإحتفالات و نشوة الإنتصار لن تكون كما عهدت البشرية من الإنتصارات ، و لن يكون من يكتب هذا النصر بكل تفاصيله سوى المنتصر السوري ، لن يكون أهم شهوده سوى الدمشقي ... قاسيون .