الحلبيون منذ القدم محبّون للنزهة مولّعون بالماء والخضرة والشكل الحسن وقد كانوا قبل نصف قرن يقصدون المتنزهات زرافات ووحداناً فيجلسون على العشب الأخضر بجوار ساقية رقراقة أو بقرب عين ماء يتجاذبون أطراف الحديث وينثرون النكات والنوادر ويتناولون ما يحملونه من أطعمة ونقل وهم يكحلون عيونهم بمناظر الطبيعة الوادعة .
وعندما كان نهر قويق جارياً في وسط الشهباء كان يجذب إلى شاطئيه جموع الحلبيين فمنهم من كان يقضي الوقت بلعب النرد (الطاولة) أو بلعبة (البرجيس) وبالأحاديث السياسية التي كانوا يسمونها (التل فشار) ومنهم من كان يلقي شباكه في الماء ليصطاد السمك النهري الصغير الحجم واللذيذ الطعم حتى إذا حصل الصياد على بغيته عمد هو ومن صحبه من أعضاء أسرته فنظفوا السمك و شووه على أو قلوه وتناولوه على البساط السندسي الممتد على طرفي النهر .
والجدير بالذكر أن هذا النهر الذي كان ألعوبة الشعراء والمشنّعين وأصحاب النكتة كان يفيض في أواخر الشتاء وأوائل الربيع فيغمر بمياهه كلّ ما كان يجاوره من بساتين وحقول وقد تتسرب المياه أحياناً إلى الدور القريبة منه وقد فاض يوماً حتى أحاط بقصر سيف الدولة في سفح جبل الجيوش أو الجو شن كما يسمّيه عامتنا . وقد وصف الشاعر نهر قويق بقوله:
قويق إذا شمّ ريح الشتـــاء أظهر تيهاً وكبراً عجيبـا
وان أقبل الصيف أبصرتــه ذليلاً حقيراً حزيناً كئيبـا
اذا ما الضفادع نادينــــــــه قويق قويق أبى أن يجيبا
تغوص البعوضة في قعــره فتأبى قوائمـها أن تغيبـا
وبسب جفاف مياه نهر قويق وتسرب الروائح الكريهة إلى سكان المنطقة وفي عام 1981 في عهد الأستاذ نهاد القاضي محافظ حلب والأستاذ محمد ناجي العطري رئيس بلديتها تمت تغطية نهر قويق في حي محطة بغداد حتى شيخ مقصود بغطاء من الأسمنت المسلح زين بسلسلة رائعة من أحواض الزهور وبرك المياه ذات النوافير الخلاّبة التي تتدفق منها مئات ومئات من الحبال المائية المنعكسة عليها أضواء ملونة زاهية تسر العيون وتشرح الصدور . فبدأ الناس يقضون في أيام الصيف أوقاتهم جالسين حول هذه البرك المائية حتى ساعة متأخرة من الليل .ونهر قويق أو نهر حلب هو النهر الذي يخترق مدينة حلب شمالي سورية ومصدرها للحصول على المياه العذبة تاريخياً
يستمد النهر ماء من نهر الفرات عبر قناة جر مسكنة حيث تصب المياه المتدفقة من الفرات قرب مشفى الكندي الواقع شمالي مدينة حلب بشكل شلالات رائعة ارتفاعها حوالي العشرين مترا وتسمى منطقة السقوط الشلالي ,حيث تحصر المياه في بحيرة صناعية صغيرة ثم تنطلق في مجرى النهر .
قويق من أين جاءت التسمية ؟
إن هذا النهر كان ولم يزل يزرع على شواطئه في بدايته في بلاد عنتاب شجر الحور ,فينمو ويكثر وتباع منه مقادير عظيمة فعرف النهر به فأصبح اسمه نهر الحور منذ ذلك الحين لكثرة زرعه عليه , حيث يطلق على الحور بالتركية الآن (أي سنة 1340 هـ) لفظة قواق لق وتعني مزرعة الحور.
ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان أن "قويق" هو تشبيه لصوت الضفدع ,حيث كانت أعداد كبيرة من الضفادع تعيش على ضفافه , ولذلك سمي بصوتها . أما في اللغة السريانية فكلمة قويق تعني النحل وطيور الماء وبعض النباتات التي تنمو على ضفاف الأنهار . أما خير الدين ألأسدي فيقول في موسوعته انه قرأ في كتابة على حجارة قبر (هذا ضريح الوالي الزاهد الشيخ محمد بن عبد الله ..قويق..الحافر لمجرى نهر حلب الشهباء) ويعتقد أن النهر قد سّمي باسم من شق مجراه وهو الشيخ قويق .أما ابن الشحنة فيقول انه سّمي "بقويق" نسبة إلى شجر الحور الذي كان يزرع على جانبيه ولكثرة الزرع عليه حيث يسمى شجر الحور بالتركية "قواق".
يذكر إن نهر قويق كان سابقا ينبع من "عنتاب" في تركية ويصب في منطقة تسمى "المطخ" وهي تقع في الجنوب الغربي من مدينة حلب بالقرب من قرية تسمى "العيس " وقد توقف النهر عن الجريان منذ حوالي أربعة عقود حيث أقامت عليه السلطات التركية في أراضيها عدداً كبيراً من السدود , بالإضافة إلى جفاف الينابيع التي كانت تغذيه في سورية . ويجتاز هذا النهر مدينة حلب على مسافة تبلغ حوالي 18كم حيث يخترقها من شمالها إلى جنوبها . وقد كان هذا النهر ,سابقاً يقع خارج مدينة حلب (خارج أسوار المدينة القديمة ) وكانت المنطقة المحيطة به منطقة بساتين يقصدها سكان مدينة حلب من أجل التنزه واصطياد الأسماك من النهر , أما الآن فان النهر يمر في وسط المدينة وقد تحولت معظم البساتين القصر التي كانت تحيط به الى حارات وأحياء تحمل التسمية نِفَسٌ ها مثل : بستان الزهرة وبستان القصر وبستان كل آب وغيرها , والتي هي الآن حارات مأهولة ومكتظة بالسكان.
وقد كلف مشروع إعادة تأهيل وإحياء نهر قويق مبلغاً قدره مليار ومائتا مليون ليرة سورية . وأمام هذا يأتي دورنا في إقامة المنشآت السياحية التي وفّر لها النهر أهم المقويات بالإضافة إلى تأمين الحماية اللازمة له . هدف المشروع الذي بدأت الأعمال فيه نهاية عام 2004 على مراحل إلى الحفاظ على البيئة في مدينة حلب من خلال تنظيف مجرى النهر والتخلص من المخلفات الموجودة فيه وتجميل مسار مجراه وإقامة المتنزهات وتحسين السوية الاجتماعية للمناطق والأحياء التي تطل عليه , إضافة إلى تأمين احتياج منطقة الشيخ نجار الصناعية من المياه بتدفق 1 م مكعب في الثانية واستعمال مياه ذات خواص جيدة للري بما أما في الجانب الصحي فسيسهم المشروع في توفير مئات من الليرات التي كانت تصرف على معالجة مرض اللاشمانيا الذي كان تلوث مجرى النهر من مسببّاته .
وتشكل القناة الرئيسية التي تروي مشاريع مسكنة غرب , المصدر المائي المغذي للمشروع وهي قناة ذات تدفق يصل إلى 90م مكعب في الثانية تستمد مياهها من بحيرة الأسد المتشكلة خلف سد الفرات عبر محطة الضخ في البابيري .
ويتألف المشروع من قناة المأخذ والبوابات في محطة ضخ البابيري على نهر الفرات وقناة من الاسمنت المسلح بطول 245 كيلو متراً ومحطة للضخ بطول 6,6 كم قطرها 1,7 م وخط لإسالة المياه بطول 12,5 كم ومنشأة قرب حي حندرات لسقوط المياه بشكل شلالي .
وتمت إعادة تأهيل مجرى النهر البالغ طوله 18 كم داخل المدينة عبر أكساء وصيانة وتجديد المقاطع العلوية للمجرى العام على مسافة 12 كيلو متراً.
يشار إلى أن التصميم والتنفيذ و التمويل لهذا المشروع الحيوي تم بخبرات وطنية عبر الشركات العامة الإنشائية السورية.
وبعد أن تم فتح النهر وجريان الماء فيه أصبح قبلة الناظرين والزائرين الذين يتأملونه معجبين . ومنظر النهر ليلاً لا يقل جمالاً عن منظره في النهار . فشكراً لكل الجهود على هذا الانجاز الحيوي المنعش .
بقلم : نمير ابراهيم باشا
المصدر : مجلة الضاد - السنة 81 - العدد 3 - آذار 2011