ولد عام 1924في محافظة حلب وهو الابن الثاني بعد الأنثى البكر ,لعائلة مؤلفة من الأب والأم وأثنى عشر مولودا ,مات منهم أربعة وبقي ثمانية على قيد الحياة ,أربع إناث ومثلهم ذكور ,حيث ترعرع في منطقة أغير والتي سميت طبقاً للتسمية التركية أقيل والتي تعني الطريق الأبيض ولسهولة اللفظ سميت أغير وكانت بها الخانات والتي تعني باللغة التركية الكبير والأزقة القديمة والتي وصلت بين شارع الحديد وميسلون الذي فتح حديثاً.
.
.
أهم انقلاب في حياة رب العائلة و(الدكتور محمود) وقد أثر فيما بعد على جميع أفراد عائلته ,كان في أواخر العشرينات من القرن العشرين ,وهو,انتقاله من عامل يومي كادح إلى موظف لدى الدولة,إذ أصبح شرطياً ثم رقي بسرعة, لنشاطه في عمله إلى رتبة عريف خيال ,ثم انتقل إلى رتبة المشاة وخصص عمله بمراقبة السجون .
وهذا الانقلاب الكبير أتاح له أن يكون على احتكاك مباشر ,كموظف مرموق بالريف,بالطبقة المثقفة من الموظفين ,كمدير المنطقة (القائم مقام),وقاضي الصلح,وقائد الفصيل أي المسئول عن الشرطة حينئذ ,ومعلمي المدارس الابتدائية .هذا الاتصال مع هذه الفئة جعله يتعلم القراءة والكتابة بشكل جيد ويتقن أصول الخط,ويعلل النِفَسٌ بأن يكون أولاده مثل المعلم فلان الذي سيصبح محامياً,وقد أصبح فيما بعد محاميا ونقيبا للمحامين –والقاضي فلان وغيرهما....
وحصل الوالد باعتباره موظفاً حكومياً في الريف ,على"كرسي مجاني داخلي"لابنه محمود في عام 1938بعد أن نجح في شهادة ( السرتفيكا )الابتدائية ليكمل تحصيله في (السلطاني)ثانوية المأمون ,حتى نجاحه في(البر وفيه)الإعدادية في أوائل الأربعينات.
.
الصورة في جامعة حلب
لم تكن ظروف الحرب العالمية الثانية التي اندلعت عام 1939 أقل قسوة في سورية عنها في باقي أنحاء العالم فقد تأثر بها جميع أفراد الشعب السوري ,وقد أجبرت هذه الظروف الطالب الشاب محمود على ترك الدراسة والالتحاق بوظيفة ثم بأخرى في الريف البعيد عن عائلته.
حيث عاد مع نهاية الحرب عام 1945 و تخلى عن وظيفته التي بدأت تدر عليه ربحا وافيا , عاد إلى كنف والده ويطلب مساعدته لاستئناف الدراسة الثانوية ,في ثانوية المأمون (التجهيز الأولى ),وهنا تأتي المعجزة لحياة صاحب السيرة...
ليستطيع العودة لمتابعة الدراسة في الثانوية الرسمية , أقام دعوى تصغير سنه ونجح وأصبح تاريخ ولادته 1927بدلا من 1924 وعاد إلى ثانوية المأمون الرسمية وأكمل دراسته المجانية,وحين سجل بالصف العاشر هزأ منه الموظف الذي يعرف انقطاعه عن الدراسة لمدة سنوات ,ولكن تراكم النصائح الأبوية القديمة في ذاكرته ومقارنته لحياته كطالب وحياة الشقاء حين كان موظفاً بعيداً ...خلق كل ذلك الإصرار على المتابعة.
وكذلك نجاح أقرانه السابقين الذين تابعوا دراستهم وحصلوا على الثانوية وبدؤوا حياتهم الجامعية ,وبين حياته اليومية القاسية فهو يعيش عند جدته وأبوه يرسل له طعامه اليومي من بعد مائة كيلو متر ,كل ذلك خلق له تحدياً جابهه صاحب السيرة ونجح في دراسة الثانوية.
.
الصورة في ارمينيا
وحصل على الإجازات الجامعية من دمشق في عام 1952 إجازة في الآداب – قسم التاريخ ودبلوم في التربية والتعليم ,أهلية التعليم الثانوي ,فضلاً عن إجازة في الحقوق حصل عليها في عام 1969 م.
وحصل من جامعة ليون الثانية (فرنسا) 1982على دبلوم الدراسات المعمقة D.E.Aفي الدراسات والثقافات الإسلامية وعام 1984 دكتوراه معادلة D.H.P في الدراسات والثقافات الإسلامية .
وعمل في التدريس كلياً في حلب من عام 1952وحتى1969 في المرحلة قبل الجامعية ومعاهد إعداد المعلمين وفي عام1969في المرحلة الجامعية وكلية الآداب في جامعة حلب حتى2005في كلية الآداب بجامعة حلب وقسم الدراسات العليا في معهد التراث العلمي العربي وكلية الهندسة المعمارية.
عمل في المديرية العامة للآثار والمتاحف من عام 1958وحتى1963مفتش آثار ومتاحف المنطقة الشمالية في سورية ومن عام 1969وحتى 1980مديرآثار والمتاحف في المنطقة الشمالية في سورية ومن عام 1980وحتى1989مدير متحف التقاليد الشعبية والصناعات اليدوية في حلب – سورية.
وأثناء العمل صادفت الدكتور محمود مشاكل كثيرة منها الإساءة التي تمت لعمران وعمارة وتاريخ المدينة القديمة بحلب ومشروع باب الفرج وإزالة تسعة هكتارات من النسيج العمراني القديم وبناء مركز تجاري حديث جداً بأبنية طابقيه عالية وحين أجبر على الموافقة حاول إنقاذ بعض المباني ومنها (واجهة قصر رجب باشا "وهو ضمن بناء مديرية الثقافة"والجامع العمري وجامع بحسيتا و الكنيس الكبير).
.
الصورة في ندوة مع محافظ حلب السابق أسامة حامد عدي
وأخيرا اقتراح بناء مدرج روماني في قلعة حلب الإسلامية فقد تم الرفض من قبل الدكتور محمود وتم الاقتراح بدلا منه تنظيم الفراغ أمام مدخل القلعة للاحتفالات بحيث يكون مدخل القلعة الخلفية الرائعة لأي عمل فني وبعد مغادرة الدكتور عمله في مديرية الآثار تم بناء المسرح وهذا لم يكن موافق عليه ,ثم إن كثيراً من المهرجانات جرت أمام مدخل القلعة كما أقترح الدكتور محمود حريتاني في حين رفض بناء المسرح الحجري الهجين الروماني في قلعة إسلامية معروفة لدى العالم وحب موسوعة غينكس للأرقام القياسية.
تم تكريم الدكتور محمود في عدة مهرجانات في اليابان وفرنسا بتقديم هدايا وماشابه ذلك أثناء محاضراته عن الآثار من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب وبالسويد وبالجنوب حتى مكة والمدينة وشمال أفريقيا.
.
.الصورة ندوة للدكتور محمود حريتاني
.
الدكتور حريتاني مع الوفد البولوني