ومازال في العمر تسلّق جديد ...
أيّها الطبيب ...
ما أتْعَبَتْكَ شكواي !!
ما أَحْزَنَتْكَ بلواي !!
ما انْفَطرَ قلبكُ حزناً
حين آتيكَ كلّ يومٍ
وأرمي بين صفحاتك الغصّة بأمثالي
قصّة أحاولُ أن أتخيّلَ نهايتها أجمل
فتبسمُ لي برقة
وتكشفُ ثنايا عينيْك
التي طالما احتضنت غيري من عوالم شتى
معلناً أنّك تتفهّم كذبي في تلك التفاصيل الصغيرة
مطمئناً إيّاي بهزّ رأسكِ
أنّ القصّة ذاتها حدثت ما لا أُحصي عدّه في دنياي
أيّها الطبيب ...
ما جِئْتُكَ اليوم بحكاية فريدة
ولا أتيتُ أنْبِشُ من جراحي آلاماً
تنسابُ على أوراقك
تَرْصِفُها كلماتك
ويُلْبِسها قَلَمُكُ المدوِّنُ لها حلّة جديدة
أيّها الطبيب
ما جِئْتُكَ اليومَ مريضة
بل جِئْتُكَ بكلّ ما تحملُ تلك الكلمة من معنىً
ما أدركنا مداهُ في حياتنا لكثرة ما حولنا من نفوس مريضة
أتيتُكَ "صديقة"
فدع عنكَ ما حمّلتني دنياي
على صغر العمر من مهام جسيمة
وأخبرني عمّا قرأتُ
من حزنٍ يَقَرُ في هاتيك العيون الوحيدة
أخبرني أيّ لونٍ من الفراق عالجتَ في حياتك
شكلهُ
طعمهُ
متى كان أولهُ
أوصل بكَ حدّ منتهاه !!
أخبرني أيّ مَبْدَأ كسرتَ في حياتك
حباً
خُلُقاً
فكراً
أم عقيدةً
متى شُرِخَ أوّلهُ
أتفتّت فيك عمقَ الآه !!
أخبرني أيّ فرحٍ صادفتَ في حياتك
طفلاً
فتىً
شاباً
أم أنّك تنتظرهُ كهلاً
متى أتاك ليزرعَ بذرتهُ الأولى في قلبكَ
أوأَنْبَتَ فيكَ حدّ ما ترضاه !!
أتدري أيّها الطبيب
حين كنتُ أسمعُ قَسَمَكُم ذاك
وأعلمُ في دنياي عمّا أصاب بعضكم ليحنثوا بهِ
أتناهى إلى تلكَ الأرواح التي رفّت إلى السماء
وأهبط إلى الباقية تعالجُ من الأخطاء عطباً في الجسد
هرأَ جِلدهُ من الأرزاء قبلَ علاج السقام
يتساقطُ برداً لاسعاً على عقلي وفؤادي ذاك السؤال
" أيحقُ للبشرِ أن يحاسبوا أنِفَسٌ اً أخرى
تتنفّس وسطَ الزحام !!! "
أتدري أيّها الطبيب
حين كنتُ آتيكَ على الموعد الذي ما أخلفه كلينا
كنتُ أجهّز نِفَسٌ ي جيّداً
أشحذُ طاقتي على خير ما يرام
وأحملُ في جعبتي
تلك الحكاية
القصّة
الأقصوصة
أو حتّى كما يحلو لكَ أن تسمّيها دائماً
"أهزوجة الحياة"
وحينَ أمثلُ بينَ يديك
وأتلو منها شرّها والخير
لا أنفّكُ من النظر إلى عينيك
لا لأتابع تصديقهما
أو تكذيبهما
بل لأجعلكَ تزفرُ في كلّ مرّة
من صندوقكَ السريّ
ما خبّأتَ مثل كلّ البشر من الأحزان
أيّها الطبيب
استلقِ جيّداً الآن
أغْمِض عينك بإحكام
أرسل لذاتك العنان
ما هي إلاّ ساعة واحدة نتبادلُ فيها الأدوار
آه ..
أستبيحُ عذرك
أتأذنُ لي قبل أن تبدأ معي الحوار
أن أسجّل علاجك الدائم لي قبل أن أنساه
من يدري لعلّ فيه لنا من خير الشفاء
"جرعة إحساس بشريّ صباحاً
حبّة ملوّنة من الأخلاق ظهراً
وملعقة حبّ صادق عند المساء"
أتذكرُ قولك الدائم لي
"حين نكونُ قادرين على معالجة الذات ..
سنترّفعُ عن مقامات البهائم
إلى مصافي الملائكة تختال على الأرض بهاء"
أيّها الطبيب
تفضّل
ها أنا أصغي جيّداً
لكَ الكلام
تسلّقات على جدران الزمان
ميادة أبو الشعر