يلح الرئيس مبارك في تصريحاته هذه الأيام علي أنه أصدر تعليماته بنزاهة الانتخابات البرلمانية المقبلة دون الالتفات إلي خطورة هذا التصريح: فمتي كانت نزاهة الانتخابات تحتاج إلي تعليمات؟، والتصريح مدهش فعلاً وتكراره أكثر إدهاشًا، فالسؤال مرة أخري هنا واجب: وهل نزاهة الانتخابات في حاجة إلي تعليمات؟!
الأمر يعني أن الدولة تعترف بأن الانتخابات السابقة كلها كانت مزورة، ثم إن العادي أيضًا أن تكون مزورة لدرجة أنها تحتاج إلي تعليمات رئاسية فوقية علوية كي تكون نزيهة!
عموماً هذه إحدي المرات التي لن تنفذ فيها أجهزة الدولة تعليمات الرئيس وستزيف الانتخابات وهي مطمئنة ودون أن تخشي عقوبة، فتعليمات الرئيس علي عين الأجهزة ورأسها، لكنها ستطبق ما تفهمه وتعرفه واعتادت عليه وستنفذ روح التعليمات وليست التعليمات نِفَسٌ ها!
الحاصل أن دوائر أمريكية أذاعت ـ ربما عن عمد ـ أن الرئيس الأمريكي في اجتماعه مع الرئيس مبارك وفي حضور ثلاثة وزراء في الوفد المرافق له تحدث عن حكمة الرئيس مبارك ومكانة مصر ودورها في المنطقة، ثم ضغط علي حروف كلماته وهو يقول «إن أمريكا تتطلع إلي أن تكون الانتخابات البرلمانية القادمة في مصر نزيهة وإلا ستصاب إدارته بخيبة أمل كبيرة» وقال إنه يعرف مدي الضغوط التي يتعرض لها النظام المصري من التيارات غير المؤمنة بالديمقراطية إلا أنه « لا يجب أن تدفعها هذه الضغوط إلي التلاعب بإرادة المواطنين»، الكلام كان ودودًا ومهذبًا وغاية في الأدب، لكن معناه كان خشنًا خصوصًا في علانيته المتعمدة وفي قوله أمام أطراف في الوفد الرسمي.
الثابت أن النظام المصري لا يمكن أن يستغني أو يتخلي عن التزوير، فكان الحل أمام الأجهزة التي تخطط الآن لإدارة العملية الانتخابية القادمة هو بدلاً من التوقف عن التزوير يتم التوقف عن الكلام عن التزوير، ومن هنا جاءت خطوات مثل تحجيم الإعلام الفضائي (الأمر يتجاوز مقدمي البرامج إلي الضيوف والتقارير الإخبارية والمكالمات التليفونية!) ثم إن الدور قريبًا علي الصحف (بتدخل ناعم مع البعض وخشن مع بعض آخر ) وربما نشهد تشريعات قريبة عاجلة تخنق حرية تعبير المصريين علي الإنترنت، وتفاهمات كثيرة ستجري علي مستوي ممثلي الإعلام الغربي في مصر.
لكن الخطوة الرئيسية والأكيدة في احتواء الترقب الأمريكي لأداء الحكومة المصرية في الانتخابات بعد حصار القدرة علي فضح وكشف التزوير هي الانتقال من مرحلة تزوير الأصوات إلي تزوير الأرقام، التوقف عن اللعب في بطاقات التصويت لما يسببه هذا من فضائح وجرسة وكبسة إلي تزوير الآلة الحاسبة، صوتك سيصل آمنًا للصندوق وسيخرج منه آمنًا، وسيصل كذلك إلي اللجنة العامة آمنًا، لكن هل سيتم احتسابه؟ والله علي حسب!!
جمع وطرح الأصوات والنسبة والقسمة وكل هذه العمليات الحسابية هي لعبة التزوير القادمة!
تزوير الآلة الحاسبة أهدأ وأرق وأسهل…. وربنا يسهل!