إذا كان هذا رأي الأب زكي بدر فنحن لن نحاسب نجله علي رأي والده، لكن من حقنا أن نسأل: هل انتقلت هذه الآراء لابنه وتأثر بهالم يعمل أي من أبناء وزراء داخلية الرئيس مبارك في السياسة أو العمل العام أبداً!
أبناء وزراء الداخلية إما كانوا ضباطاً وأحيلوا للتقاعد أو اشتغلوا في وظائف أو تجارة!
الوحيد الذي اشتغل بالعمل العام وانضم للحزب الوطني، بل صار وزيراً هو أحمد ابن وزير الداخلية زكي بدر!
ولم يكن زكي بدر وزيراً عادياً للداخلية ولم يكن خروجه منها حادثاً طبيعياً، لقد كان زكي بدر وزيرًا منفلت التصريحات وفظ الكلمات وخشن المعاملة ويفتقد الحد الأدني من لياقة رجل الدولة، والحقيقة أن زكي بدر خرج من الوزارة بعد فضيحتين مدويتين، وهو الوزير الوحيد تقريباً في عهد مبارك الذي أُقيل بفضيحة سياسية، لا هي أمنية ولا هي شخصية ولا هي مالية، بل سياسية مذهلة!
ما الذي يهمنا هنا؟
وزير الداخلية زكي بدر ترك مقعده بعدما قال عن زملائه الوزراء في اجتماع مع ضباطه في المعهد الدبلوماسي ما لا يمكن أن يصدر عن رجل يملك الحد الأدني من المسئولية، فقد خص بالسباب ـ حسب ما نشرته جريدة الأهالي عام 1990 ـ كلاً من عاطف صدقي ـ رئيس الوزراء، وقتها ـ ويوسف والي، وصفوت الشريف، ومهندس حسب الله الكفراوي، ومحمد عبد الوهاب، ويسري مصطفي، ومحمد الرزاز، وفاروق حسني، ثم هاجم بنِفَسٌ الألفاظ كمال حسن علي ـ رئيس الوزراء الأسبق ـ والدكتور عبد الرازق عبد المجيد، والدكتور مصطفي السعيد ـ وزيري الاقتصاد السابقين ـ، وأشار الوزير بألفاظ نابية للدكتور محمد علي محجوب ـ وزير الأوقاف وقتها ـ وغالبية المحافظين، وتراوحت ألفاظ زكي بدر بين «دلاديل» - «الأهبل» - «الشواذ جنسياً» «الحرامية» «الشيوعيين» «النصابين» «المهربين» الذين يقبضون العمولات.
وإذا كان هذا رأي الأب زكي بدر فنحن لن نحاسب نجله علي رأي والده، لكن من حقنا أن نسأل: هل انتقلت هذه الآراء لابنه وتأثر بها، خصوصاً أن وزيرًا يقول آراءه هذه في اجتماع عام وللعلن فمن الطبيعي جدا أن يقولها في بيته مع ولده الأثير وعلي حريته التامة؟.. ثم إذا كان زكي بدر وزيراً للداخلية ويملك الحصول والاطلاع علي وثائق وملفات هؤلاء الوزراء الأمنية وبعضهم لايزال زميلا في مجلس الوزراء وفي الحزب الوطني لابنه، فهل زود الأب ابنه يومها بمعلومات عنهم في جلسات البوح والفضفضة والمودة والتربية الحسنة؟.. وهل خصه بالاطلاع شفوياً أو عملياً علي أوراق وملفات احتفظ بها الأب في يديه أو في ذهنه لزوم الذكريات والحصانات مثلاً؟.. كل هذه الأسئلة لا إجابات لها إلا عند الابن البار بمنهج والده، الوزير الحالي!
المدهش كذلك أن وزير الداخلية زكي بدر كان رأيه في مثقفي مصر ورموزها الثقافية والإعلامية رأياً مفزعاً يثير الاشمئزاز والرغبة في القيء، فخلال اجتماع علني في بنها جلس زكي بدر ـ وزير الداخلية ـ يخطب في ضباط ومجموعة من العمد والمشايخ والقيادات المحلية وتم تسجيل نص خطابه، ونشره الزميل النابه صلاح النحيف في جريدة «الشعب» في 9 يناير 1990 وكان وراء الانفجار السياسي ضد زكي بدر وشكّل نهاية مشواره الوزاري، قال زكي بدر والد وزير التعليم الحالي متفاخراً بأنه طرد أحد القيادات الإسلامية التونسية من مصر وهو راشد الغنوشي لكنه أضاف :
(وتاني يوم الصبح ولد صحفي اسمه بهاء الدين كاتب لي ده أستاذ فاضل وعالم جليل طبعاً. العيل ده أحمد بهاء الدين بيطلع بره وياخد منه)، هل انتبهت إلي أن رأي وزير الداخلية ـ والد وزير التعليم ـ في القيمة الصحفية العظيمة والرفيعة والنجيبة والتي سيبقي عطاؤها في التاريخ باقياً وخالداً، أن بهاء الدين ولد وعيل وبيطلع بره وياخد منه، هل هذا ما علمه إذن زكي بدر لنجله وزير التعليم الحالي وهل قال له ذلك في منزلهما حيث يربيه علي عينة رأيه الذي قاله في الأديب الخالد يوسف إدريس في نِفَسٌ المؤتمر؟ حيث قال زكي بدر ـ رحمه الله ـ (وولد تاني اسمه يوسف إدريس كتب: الشرطة ومذبحة الأشجار.. رديت عليه قلت له: إنت لك شقتين مأجرهم علي النيل لأولادك.. اتقي الله واكتب كلام مظبوط أو انكتم.. ويوسف إدريس ده سكير لا يفيق من الشم والغم) هل ممكن الآن أن نسمع رأي وزير التعليم في الدكتور يوسف إدريس لندرك فقط أنه لم يتأثر برأي والده، خصوصاً أن ربنا ابتلاه (والابتلاء اختبار) بأن يجلس علي مقعد المسئولية عن تربية عقول أطفالنا وشبابنا وطلابنا ويهمنا أن نعرف أن رأي وزير التعليم الحالي ليس مثل رأي أبيه في أديب كبير ومبدع ومفكر عظيم مثل يوسف إدريس، أنه سكير ولا يفيق من الشم! فقط لنطمئن علي أولادنا من أن تصلهم آراء المرحوم زكي بدر من خلال ـ أطال الله بقاءه في وزارته ـ ابنه أحمد زكي بدر!
أما علاقة دكتور أحمد زكي بدر بالصحفيين فلعلها مستمدة من رأي والده الفاضل في واحد من عمالقة الصحافة المصرية وهو مصطفي أمين، فقد قال عنه (وهناك مبدأ صحفي لرجل وسخ ومخرب اسمه مصطفي أمين بيقول عدم الرد معناه إن الكلام صحيح.. ده رجل وسخ وخربان وكلب لما تهمله يمشي مع الاعتذار للكلاب، دول أحسن تشبيه لهم الخنازير).
هذا هو رأي الأب الفاضل الذي ربي لنا وزير التعليم الحالي أن مصطفي أمين وسخ وكلب مع الاعتذار للكلاب!!
ليست المشكلة في ألفاظه القميئة المعيبة الحقيرة، بل المشكلة أن هذه هي رؤيته ومنهجه في التعامل مع المفكرين والمثقفين، ولغاية هنا فقد مات زكي بدر وحسابه عند ربه وفي كتب التاريخ، لكن الحقيقة الجاثمة هنا هي أن نجله صار وزيرًا للتعليم فنخشي فورًا أن ولاءه لوالده وثقته في والده وتشبهه بوالده وتأثره بوالده تجعله مقتنعاً ومتبنياً لآراء والده في الوزراء من زملائه وفي السياسيين من رفقائه وفي رموز المثقفين والصحفيين أساتذة العقل المصري!
فهل آراؤه فعلاً كآراء أبيه، وإن قال «لا» فمن يضمن لنا أنه لم يتأثر بآراء والده وهو الذي رباه وعلمه وكبره وثقفه بثقافته العالية؟! وهل يجرؤ علي الاعتذار لنا نحن المثقفين والصحفيين والمواطنين عن آراء والده في كبار مثقفينا وأساتذتنا، هذا الاعتذار الذي لم نسمعه أبدًا من والده؟، فهل من المحتم ـ وقد وصل ابنه في غفلة من المنطق إلي وزارة التربية والتعليم ـ أن يعلن اعتذاره واضحاً وكاملاً عن آراء والده وليقل لنا إنه يتبرأ منها؟!
يبقي أن كل تصرف يصدر عن أحمد زكي بدر يؤكد أنه ملتزم بزكي بدر منهجاً وتفكيراً وألفاظًا وطريقاً، ويبدو أن النظام يحب أحمد زكي بدر جدًا؛ لأنه أفضل تعبير عن تفكير النظام وأقرب وزير تعليم إلي قلب النظام؛ وسيكون أطول وزير تعليم عمراً في عمر نظام مبارك؛ لأن النظام الذي أتي لنا بمقاول ليصبح وزيرا للإسكان قد أتي لنا كذلك بوزير تربية.. متربي!