تحديث التعليم والعناية بالعقل الوطني في جميع بلدان المنطقة ضرورة وحتمية بخاصة في ضوء المتغيرات الجارية.. هل سنكون جدييين في التعامل مع هذه الإشكالية الحداثية في حياتنا؟ ماذا نفعل؟ أي الطرق نسلك؟ هنا نموذج يقرأ الأمر عراقيا بحدود إقليم كوردستان ولكنها قراءة تتسع لتتجه برسائل مفتوحة من جامعة ابن رشد إلى جميع الجهات المعنية لاتخاذ الخطوات اللازمة إجرائيا
د. الآلوسي
كوردستان والحداثة في البناء ومسيرة التقدم.. تحديث التعليم الآليات والضرورات
تيسير عبدالجبار الآلوسي
تمضي مسيرة البناء في كوردستان في تعاظم خطوات الإعمار وغنى مفرداتها وتركيبها بطريقة تتكامل فيها العناصر وتتلاحم إيجابا. فسياسيا برزت خطة الإصلاح والتغيير بوصفها انعكاسا لإرادة القيادات المنتخبة وتمثيلا لطموحات القوى الشعبية وما وضعته من ثقة في قيادتها.. إنّ الأوضاع الجديدة تسير بوقع حثيث نحو آفاق مفاهيم المؤسسات الديموقراطية وآلياتها ممتاحة من تجاريب الدول الديموقراطية العريقة..
ومن هنا فإنّ التوقعات تؤكد نجاحات نوعية لن تقف عند مفردة بناء مجمع سكني أو مشروع خدمي أو إنتاجي فحسب بل ستكون في آليات العيش وتعاطي الوجود المجتمعي المدني والرسمي مع هذه المتغيرات النوعية.. فما الذي يمنحنا مثل هذه القراءة؟
إنّ الدافع وراء هذه القراءة يكمن في توظيف تجارب وخبرات عريقة من جهة وفي اعتماد توازنات جدية مهمة تخص أولويات مفردات التخطيط وفي اعتماد التكنوقراط والعقل العلمي في المجتمع.. ولعل من بين أبرز الأمور هو ذاك الاهتمام والأولوية بشأن منح التعليم بخاصة منه التعليم العالي ومراكز البحث العلمي خصوصية ومكانة مناسبة.. ومتابعة هذا الأمر بالعمل على دراسات لأدوات التغيير والتطوير واستخدام نظم الحداثة في الجهود العامة وتحديدا هنا في مجال التعليم العالي...
إن قراءة التجارب الموجودة في الدول المتقدمة ودراسة وسائل توظيفها كوردستانيا بات معلما مهما.. فتلك التجارب تتعامل مع واقع السوق المعاصر وما ينتظره من مخرجات التعليم العالي الأحدث في ضوء قيم السبق في البنى الاقتصا ية و الاجتماعية وما تتطلبه من مشروعات وآليات بناء.. وكوردستان الجديدة تحولت نحو نظم اقتصاد جديد يتطلع لمتغيرات تستجيب لحاجات المجتمع بما ينقله باتجاه عالمنا المعاصر... ومثل هذا يتطلب قوى إنتاجية مختلفة بخاصة منها عنصر القوى البشرية وما تتطلبه من تنمية عميقة وجوهرية...
وطبعا تلك التنمية ربما تأتي أولا من التعليم الأساس التخصصي المهني وأيضا من طبيعة الثقافة العامة السائدة وما تمتلكه من زخم فعلي ولكنها لن تكون وافية كافية بهذه المفردات ما لم تُرفد بنظم التعليم العالي التخصصي الذي يقرأ حاجات السوق بدقة.
ومن الطبيعي أن تجابه عمليات التحديث عقبات تخص الإمكانات المادية ماليا و بشريا؛ فلا الطاقة الاستيعابية للجامعات الموجودة بقادرة على استيعاب الزخم الكبير لخريجي الثانوية العامة [الإعداديات] ولا إمكانات التغيير التقليدية في الجامعات القائمة بقادرة على ملاحقة السرعة المؤملة في التغيير إذا ما بقيت في نطاق طبيعة آليات العمل المعتاد فيها وإذا ما تقيدت بمحددات روتينية تقليدية مفروضة مركزيا فوقيا من بغداد...
وقد بات اليوم متأخرا أن تنتظر (أربيل) تلك المتغيرات المتلكئة المتباطئة في (بغداد) بخاصة في مجال التعليم العام والتعليم العالي.. فتلكم القضية ممكنة قانونيا وإجرائيا في فديرالية كوردستان المتسارعة في عنصر تطورها وتقدمها...
إنّ نظام التعليم برمته بحاجة لمجلس أعلى للتعليم يمتلك الصلاحيات في الأداء والحركة وإلى مؤتمر دوري الانعقاد بشأن رسم خطى التغيير ينعقد بمستويين سنوي ونصف سنوي لمتابعة مفردات عمله.. ويكون من بين أعضاء المجلس الأعلى للتعليم والمؤتمر خبراء دوليين ومنهم من الأصول الكوردستانية والعراقية لقربهم من الواقع وطبيعته وحاجاته...
ومن الطبيعي أن يكون اتخاذ النظم البديلة وسيلة للتقليل من الكلف المادية والبشرية ما يساعد على حل إشكالات التغيير المتسارع والمحتاج للعامل الزمني وأسقفه المتاحة لمطاردة سوق العمل.. وهنا سيكون التعليم الألكتروني النظام التعليمي ذو الأفضلية في تلبية حاجات السوق ومطالب التطور والتغيير...
ولدى الإدارة الكوردستانية بالخصوص مؤسسات صديقة وجامعات عاملة تمتلك زخم التبني من جهة التعليم الكوردستاني العالي وتلبية مطالب الواقع المتعاظمة... على سبيل المثال (جامعة ابن رشد في هولندا) التي تمثل تجربة رائدة في التعليم الألكتروني من جهة مثلما تمتلك مراكز بحثية وخطط صارت اليوم قيد التنفيذ في دراسة الواقع الكوردستاني والعمل على تلبية مطالبه علميا أكاديميا في مخرجات البحث العلمي والدراسة في هذه المؤسسة الجامعية الفتية.. وفي إعداد برامج مهمة للتحديث والتطوير والتعليم المستمر بما يوفر موارد مالية كبيرة للإقليم وتنمية بشرية متقدمة مميزة في مختلف مناحي سوق العمل الجديدة والتوظيف والمؤسسات العاملة في كوردستان...
إنّ إجراءات جدية منتظرة يمكن تكثيفها في الآتي:
1. قرار بتفعيل وتشكيل مجلس التعليم العالي المرتبط باستقلالية ببرلمان الإقليم ورئاستي الحكومة والإقليم..
2. تشكيل لجان التطوير العليا لدراسة الأوضاع في الجامعات ومراكز البحوث والمنتظر من جديدها ومن آفاق التغييرات فيها وآلياته..
3. انعقاد المؤتمر السنوي وترتيب هيأة إدارته المرتبطة بمجلس التعليم الأعلى وبلجنة متابعة مؤقتة على أن يتسم باستمرارية الانعقاد ومتابعة إجراءات التنفيذ سواء منها الاستراتيجية أم المنظورة العاجلة..
4. إقرار تحديث القوانين وتطويرها مع إدخال نظام التعليم الألكتروني تحديدا في إطارها...
5. إصدار قانون التعليم الألكتروني وتشريعه في برلمان الإقليم عاجلا للأهمية.. علما أن دولا عديدة في المنطقة قد اصدرت هذا القانون بمراسيم سامية فيها... وربما كانت بغداد تدرس هذا الأمر لكن ببطء وعراقيل الروتين الذي تعاني منه المؤسسات للأسباب المعروفة وهي الأسباب التي لا علاقة لها بالتعليم وبمسيرة البناء والتقدم..
ويمكن هنا بالخصوص الاستعانة بجامعات وخبرات دولية وبمؤسسات عاملة كـ جامعة ابن رشد في هولندا، بسبب من جاهزية مفردات ومقترحات ومشروعات واكتمالها منذ سنوات.. ولعل هذه القراءة هي رسالة من الرسائل العديدة التي تتطلع إلى أن تكون خارج الروتيني والتقليدي وهي موجهة إلى جهات التعليم عامة وإلى أعلى مصادر القرار الكوردستاني التي نتوسم فيها حيوية التعامل والقرار وفعله غير الروتيني والحداثي الذي يمتد عميقا في جوهر القضايا كما هو الأمر واقعيا منذ انطلاقة المسيرة الكوردستانية المظفرة...