لست أدري هل وزير الثقافة فاروق حسني هو الذي اختار أسماء الكتاب الذين التقاهم الرئيس مبارك بقصر العروبة صباح الخميس الماضي لأكثر من أربع ساعات، أم أن رئاسة الجمهورية اختارتهم من بين مجموعة كبيرة عرضت عليها؟..
لنقرأ الأسماء أولا.. يوسف القعيد، جابر عصفور، صلاح عيسى، الدكتورة سامية الساعاتي، سيد يس، عائشة عبدالمحسن أبو النور، خيري شلبي، أحمد عبدالمعطي حجازي، أنيس منصور، محمد سلماوي، فوزي فهمي.
من الوهلة الأولى نستنتج الشيخوخة التي تسيطر على تفكير الرئاسة أو وزارة الثقافة، وأنها ليست حالة بيولوجية فقط مرتبط بالتقدم في العمر، ولا حالة ارثية مرتبطة بطول الالتصاق بالكرسي، سواء ما يخص الرئيس والرجال المحيطين به وأولهم فاروق حسني، أو بهؤلاء المفروضين على المشهد الثقافي منذ سنوات طويلة رغم أن الكثرة منهم فقدت علاقتها بالزمن الذي تعيشه.
ربما احساسهم الوحيد بالزمن هو شكواهم من ارتفاع أسعار الطماطم والخيار، فعلاقة الإنسان بمعدته هي الوحيدة التي تبقى إلى النهاية، لكن المشاكل الحقيقية كانت مغيبة من اللقاء في ظل حالة التوهان بسبب الفرحة الطاغية التي سيطرت عليهم كونهم في حضرة الرئيس وفي قصره ويشربون معه الشاي الأسود والأخضر والقهوة.
جابر عصفور تحدث عن الاحتقان الديني وهو أبعد ما يكون عن فهم هذا الموضوع إلا من زاوية تفكيره المغرق في العلمانية، ومثله أحمد عبدالمعطي حجازي، ومن هنا ذهب الحديث إلى احصاء عدد الكنائس التي بنيت في عهد الرئيس مبارك والذي يفوق ما بني في جميع العهود منذ عصر فاروق الأول، وقد تباهى به جميع الحاضرين واعتبروه حكمة من الرئيس لمقاومة الاحتقان والطائفية.
ولو كانت هناك موضوعية وشفافية في اختيار من التقاهم الرئيس مبارك لمناقشة الاحتقان الديني، لكان المفكر الكبير محمد سليم العوا من ضمنهم أو أحمد كمال أبو المجد أو أي شخص آخر يستطيع تناول الموضوع بفهم وعمق ودراية وليس كما تناوله جابر عصفور الذي أظن أنه غير أمين في موضوع كهذا ولا يؤخذ منه.
فالمبالغة في تشييد الكنائس السبب الأول والأعظم في ما وصلت إليه البلاد والعباد من احتقان ديني. إنك ترى كنيسة في تجمعات ليس بها مسيحي واحد، وذلك مشهد يتكرر في طول مصر وعرضها. بالطبع لا يمكن منع أي أقلية من أداء عباداتها ولا تشييد دور العبادة التي تخصها، لكن في حدود المعقول والاحتياج وليس ما نراه الآن وتفتخر به الرئاسة والمفكرون من العينة التي قابلته.
كانت الدولة العثمانية بخطها الهمايوني المغضوب عليه أكثر حكمة بشأن بناء الكنائس من الرئاسة الحالية، وأكثر معرفة بأحوال الأقليات واحتياجاتها، فكأنها درست مصر وخبرتها أكثر من هؤلاء الذين يجلسون على أنوفنا من بني جلدتنا.
أقصى أمنيات الكتاب الذين ذهبوا إلى قصر العروبة أن يقابلهم الرئيس ويصافحهم ويجلس إليهم، لذلك لا ننتظر منهم كلمات مهمة تلم بالأخطار الحقيقية التي تحيط بنا.
لم يسأله أحدهم مثلا عن استفتاء انفصال جنوب السودان، وعندما سألوه عن النيل وقال لهم إن مسئولا كبيرا في أثيوبيا اخبره إنها لا تستطيع أن تحجز عن مصر قطرة واحدة لأنها - أي أثيوبيا – ستغرق حينئذ، هزوا جميعهم الرؤوس فرحا وغبطة واطمأنت قلوبهم..
ذلك لأنه ليس من بينهم متخصص يدرك أن التهديدات التي تواجهنا واقعية وخطيرة جدا ومن الوارد تنفيذها حاضرا أو لاحقا، ومن الخطأ أن يرتاح الرئيس مبارك لتطمينات لا تزيد عن حواديت المصاطب!