لن تتوقف مفاجآت ثورة يناير، وأهمها ما جرى لمقار أمن الدولة خلال الأيام الأخيرة، والأنباء والأسرار التى تم الكشف عن بعضها، هل لاتزال المستندات والوثائق المهمة موجودة، أم أن أيدى الفرم والحرق طالتها. نتوقع أن نرى المزيد من العجب بفضل الوثائق التى انتشلتها أيدى المصريين من الحرق والفرم، وتشرح لنا كيف كانت الدولة تدار بأجهزة التجسس والتنصت. ليس من أجل أمن الدولة فالدولة بريئة من كل هذا بل أمن النظام الذى أكله السوس. نظام عشش القمل فى رأسه، وحوله إلى كيان مفكك عاجز، إلا عن القمع. هل يمكن أن نتعرف من وثائق «ويكيليكس المصرية» على الصفقات التى كانت تعقدها أمن الدولة مع سياسيين بمقابل كبير، وكيف كان يتم تجاهل أنشطة فاسدة مقابل خدمات أمنية معاونة.
كنا نحمل تصورات أو خيالات عن عملاء أو متعاونين، لكن هل يمكن أن نتعرف أكثر على من كانوا يمارسون الفساد باسم أمن الدولة، وبمعرفتها؟. نتمنى أن نعرف المزيد عن حوادث غامضة وفتن تم ترتيبها وعمليات اغتيال مادى ومعنوى، أو على الأقل دفع هؤلاء للقطيع الذى أفسد الدولة. وكيف كانت تجرى عمليات ترتيب الفتن لشغل الناس وإشعال حروب طائفية وعرقية.
وماهو مصير جهاز نما وترعرع طوال ثلاثين عاماً وأكثر وجمع معلومات عن كل شخص وكل مولود، ملفات للأفراد والجماعات وجواسيس يعملون طوال الوقت لتقديم معلومات عن أبرياء. الهدف المعلن هو حماية أمن الدولة والنشاط المعلن ترتيب ملفات عن كل شىء، والتدخل فى كل التفاصيل والأعمال والصفقات، كل هذا بعيداً عن أعين الرقابة أو المتابعة وبلا أى مراجعة أو مرجعية. ولا نستبعد أن تكون مظاهر البلطجة والترويع والنهب جزءا من خططهم الجهنمية، لإرهاب المواطنين وترويعهم.
تفاصيل مرعبة عن مراقبة حياة الناس بدعوى حماية الدولة، بينما كل هذا العبث لحماية نظام فاسد، مكالمات تليفونية وتسجيلات خاصة وعلاقات وتقارير عن أشياء لا علاقة لها بأمن الدولة، وتبدو نوعا من التسلية. وتدخل «حجرة جهنم» لتدمير كل من يرغب النظام فى تدميره، ورفع كل من يرغب فى رفعه.
كنت دائماً أتساءل: كيف يمكن لأى نظام أن يراقب كل هذا الكم من الاتصالات والإيميلات، وتصورت بسذاجة أنه من الغباء مراقبة كل هذا العدد من الاتصالات التليفونية والإلكترونية والفيس بوك وتويتر والماسنجر وياهو وجى ميل وإى باى وتوك شو وتوكتوك، وما يستجد، لكنهم راقبوا كل هذا. وماذا كانت النتيجة؟. فشلوا فى توقع نتائج مايجرى. تصوروا أنهم «حفظوا الشعب عن ظهر قلب»، ففاجآهم الشعب من حيث لايتوقعون، فاجأتهم الثورة، مع انها قامت بترتيبات، وكانت الثورة الوحيدة التى أعلنت عن خططها. واثبتت انهم كانوا يسجلون ويكتبون تقارير ربما للتسلية أو للتحكم والسيطرة. وحتى عندما حاولوا مواجهتها، كان لديهم سيناريو ساذج للفوضى فشل تقريباً. من أين لهم بكل هؤلاء العملاء ليراقبوا خلق الله أون لاين. ربما كانوا يتفرجون عليها، حتى أصبحوا فرجة. لقد كانوا يرصدون «دبة النملة»، بينما هم أقرب إلى قمل الدولة، الذى يأكل فى الرؤوس، ويمكن القضاء عليه بقليل من النظافة. أمن الدولة كان يراقب كل شىء فى مصر.. فمتى كان يحمى أمن الدولة.