بمناسبة اليوم العالمى للفساد، نعود للمقولة الخالدة التى حفظتها كل حكومات مصر طوال العقود الأخيرة، كلما اتسع الحديث عن الفساد، أو ظهرت واقعة فساد جديدة، يخرج المسئولون ليقولوا إن الفساد فى كل أنحاء العالم، ولا داعى للقلق. ويستخرجون تقارير دولية تقول إن الفساد فى أوروبا وأفريقيا، مع أن هذه التقارير، ومنها تقرير منظمة الشفافية الأخير، تقول إن الفساد 30 فى المائة فى دول العالم الثالث، وفى أوروبا 5 فى المائة فقط.
وفى مصر، فإن الفساد يتطور أحيانا بصورة سابقة لتطور الدولة، فقد انتقلنا من الفساد الفردى مع الانفتاح إلى الفساد المؤسسى والجماعى منذ الثمانينات، ورأينا كيف كانت عملية بيع شركات كبرى تحت دعوى الخصخصة، تحول الشركة والمال العام إلى ذبيحة توزع لحمها على عشرات من السماسرة والمستثمرين، يكون منهم نواب ووزراء أحيانا ورؤساء شركات، وقد اكتشف مجلس الشعب نِفَسٌ ه خلال العام الماضى كيف تمت خصخصة شركات المراجل والمعدات التليفونية والكتان، بل وعمر أفندى دون النظر إلى حق الدولة والعمال، وانتهى الأمر بمأساة. وعندما اكتشف مجلس الشعب الفساد مصمص الجميع شفاههم وتصعبوا على أحوال البلد وشتموا الفساد، واكتشفنا أن البرلمان الجهة الرقابية الأولى والذى وافق على الخصخصة، يبكى عليها مثل الأطفال.
ومثل الخصخصة تأتى عمليات توزيع أراضى الدولة بالتخصيص، والتى فتحت الباب لفساد بالقانون، عجزت أجهزة الرقابة عن ضبطه، وهى نوع من الفساد المؤسسى، الذى يمتد من أعلى إلى أسفل، ويسميه البعض مافيا أو عصابات. هناك رؤساء عصابات تحولوا إلى أثرياء بدون أى جهد، بل إن بعض اللاعبين فى الأراضى كونوا ثروات أضعاف ما فعل كبار رجال الصناعة والتجارة، وبينما أفلس رجال أعمال يعملون بجد فى صناعات النسيج، كان هنا من يكون مليارات، استناداً إلى قوانين ولوائح فاسدة، كان الجميع يعرفون فسادها. وحتى عندما قضت المحكمة ببطلان تعاقدات توزيع الأراضى، تم بسرعة اللعب فى القواعد لعادة توجيه العقود ومنحها شرعية، وتم هذا بقواعد الفساد المتضامن.
ونعود لنكتشف أن الاستبداد هو الراعى الرسمى للفساد، لأن التلاعب فى القواعد هو الذى رفع وزير للأراضى إلى مجلس الشعب ليحصنه، فى مواجهة أى اتهامات، وهو نِفَسٌ ه الذى يمنحه منصباً فى شركة عامة بالمخالفة للقانون. ومثل انتخابات المجلس الشعب الأخيرة جرت انتخابات مختلفة تنتج نواباً ضعفاء وأحيانا حمقى، يتم استخدامهم لتمرير الباطل. ومن هنا، فإن الاستبداد، هو الحامى الأول للفساد، لأنه يؤدى إلى شبكات متسعة. وهذا الفساد لا يمكن مكافحته بدون عمل مؤسسى، لإغلاق الأبواب الكثيرة التى يتسرب منها الفساد. لأن الاستبداد أخطر من الفساد، ويعنى أن الفساد فى يده كل مفاتيج الكرار.