من الممكن أن نشعر بالفخر والسؤدد، ونطلع نزولا تحت أشجار الزيزفون، بعد أن أصبح لدينا لجنة عليا لمكافحة الفساد، سوف تلعب دورا فى تطوير التشريعات وإماطة الفساد المنتشر باستخدام البخاخات والرش والتنقية اليدوية.
نحن بالطبع سبقنا العالم فى إنتاج الفساد ولدينا خبرات هائلة عن كيفية فساد الأشياء من رأسها حتى أخمص أقدامها، وهو فساد يحظى الحزب الوطنى بالنصيب الأكبر منه، ومن كل المقاسات.
ومثل الفساد يمكن اعتبار مصر واحدة من أكثر الدول إنتاجا للجان العليا والدنيا والمتوسطة والمقلمة والكاروهات، لدينا لجان للكوارث مع أن عندنا أكثر عدد من الكوارث، ولجان عليا للتعليم والجامعات والأجور والنقل وأنفلونزا الخنازير والطيور والحمى القلاعية وحمى النفاس واللحمة والجبنة والكوسة والقوطة والأمراض الوبائية والطرق ولجان يصعب الإحاطة بها أو معرفة تفاصيلها.
وهذه اللجان فى الغالب تضم نِفَسٌ الشخصيات والوجوه لدرجة أن العضو الواحد يشارك فى 100 لجنة "ولايتبلش"، ومع أنه لا يجد الوقت أو الجهد فإنه يعتبر العَضّوِية نوعا من السياحة، ولا اعتراف بالفضل بين" اللجان".
تأتى اللجنة العليا "لمكافحة الفساد" واحدة من أبرز منجزات النظام السياسى والاقتصادى والتشريعى والتربيعي، ولهذا تم إسناد رئاستها لوزير العدل تأكيدا للجدية والرغبة العارمة فى مقاومة الفساد ودودة القطن، مع ما تيسر من ممثلين لوزارات الخارجية والداخلية والتنمية الإدارية والنيابة العامة والرقابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات، وهى جهات رقابية اعتادت أن تصدر تقارير عن الفساد لإثبات الحضور والتمثيل المشرف، توضع لتزيين أدراج مجلس الشعب، وتزويق الصورة العامة لإثبات حسن النوايا فى مقاومة الفساد دون مساس به من أى اتجاه.
ولاشك أن وجود وزير العدل على رأس منظومة مكافحة الفساد يؤكد الرغبة الحكومية فى تقديم ضمانات، ولا نعرف هل هذه الضمانات للفساد أم للمفسدين، وإذا كان الفساد من الحكومة أو الحزب الوطنى فهل يمكن أن يتحرك وزير العدل ولجنته ليقول للحزب الوطنى أنت فاسد فى عينه، أو يهمس فى أذنه ليقول له خل بالك من الفساد وما يصحش عيب.
تركيبة لجنة مقاومة الفساد تتناقض مع العقل والمنطق واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، لأنه يجعل الحكومة تراقب نِفَسٌ ها وتفضح ذاتها وهو نوع من الرقابة الذاتية التى لا تغنى ولا تسمن من فساد، وينتظر أن تلحق لجنة مكافحة "اللى مايتسماش" بلجنة الشفافية والنزاهة التابعة لوزارة التنمية، والتى تلعب دورا استشاريا، سوف تلعبه اللجنة الجديدة برئاسة الحكومة ولجنتها العليا، لتصبح اللجان وعندنا كالماء والهواء الملوث.