قالوا مجنون اللى يقدر يبيع أراضى الدولة ببلاش.. ومجنون اللى يقدر ينجح فى الانتخابات 30 سنة من غير منافس.. ومجنون اللى يخلى مجلس الشعب 500 عَضّوِ بدل 444.. ومع احترامنا لحقوق أصحاب الإعلان، فإن الحزب الوطنى وحكوماته قدروا على كل هذا وأثبتوا أن السياسة والاقتصاد وأراضى الدولة والانتخابات والخلط بين السلطات فيها أكتر كتير مما يتخيل العقل العادى أو العقل الميتافيزيقى.
أنت فى مصر لا تحتاج إلى العقل والمنطق لتفهم كيف يمكن للحكومة أن تبيع أراضى الدولة وتمنحها بالتخصيص القانونى لعدد من المستثمرين ثم تصدر محاكم الدولة المصرية أحكامها ببطلان عقود حررتها الحكومة بما فيها من خبراء وقانونيين. ربما كانت «مدينتى» هى الأحدث، لكن الأمر تكشف منذ فترة عندما اتضح أن وزير الإسكان يشترى لشركة هو مساهم فيها أراضى شركة تحت ولايته بحكم منصبه، نقصد آمون. يومها كأننا فوجئنا بوجود تداخل وتضارب فى المصالح بين نواب ورؤساء لجان فى البرلمان يشرعون ويفترض أنهم يراقبون أعمالاً تتعلق بممتلكاتهم وشركاتهم فى الخارج نقصد أحمد عز، رئيس لجنة الخطة والموازنة فى البرلمان وأمين تنظيم الحزب الوطنى صاحب الأغلبية فى البرلمان، والذى يستطيع أن يقول للنائب «قل ولا تقل.. افعل ولا تفعل». ليس فقط للنائب بل وأحيانا للوزير، وبالتالى ليس صعباً أن نرى كل هذا التداخل والخلط والاختلاط.
الدولة فكرت أن تبحث عن قانون يمنع تداخل المصالح وعن قانون يحكم أراضى الدولة، ونحتاج قانونا ينظم الانتخابات، وقانونا يمنع استخدام المال فى الانتخابات، وكل هذا مرهون بأن يصدر الرئيس تعليماته للحكومة بأن تفعل، وللبرلمان بأن يفعل، بعد ثلاثين عاماً ينتظر الحزب وحكومته تعليمات من الرئيس بتقنين أوضاع أراضى الدولة، ولما صدر حكم الإدارية العليا فى «مدينتى» انتظرت الحكومة كتلميذ خائب حتى يصدر الرئيس تعليماته للبحث عن حل، ولانعرف هل هو حل بالقانون، أم حل للإشكال.
الدولة يفترض أنها شىء واحد وليس أكثر لكنها عندنا أشياء ومن الطبيعى أن يجرى كل هذا فى ظل وجود حزب حاكم واحد طوال 30 عاما يرأسه رئيس الجمهورية الذى هو رئيس السلطة التنفيذية يعنى الحكومة، ورئيس الحزب، مع أن لدينا برلمانا يفترض أنه يراقب ويشرع ويعترض ويقر.. ولا نعرف أين كان مجلس الشعب عندما تم تخصيص أو توزيع أراضى الدولة، وعندما تداخلت المصالح.
لكن كل هذا مفهوم ومعقول إذا علمنا أن مرشحى الحزب الوطنى ينجحون فى الانتخابات أى انتخابات طوال 30 عاماً لمجرد أنهم مرشحو الحزب، ومعهم الحكومة والأجهزة التنفيذية والتشريعية، ومعهم قانون الممارسة السياسية والانتخابية، وهم الذين جعلوا البرلمان 500 عَضّوِ بدلاً من 444 باسم كوتة المرأة، مع أن المصريين كلهم يحتاجون إلى كوتة. إنها القدرات الخارقة للحزب الوطنى الذى أثبت أن السياسة والأراضى والانتخابات فيها أكتر.