حال القلوب عند ورود الحق المنزل عليها : قلب يَفْتَتِنُ به كفرا وجحودا ،
وقلب يزداد به إيمانا وتصديقا ، وقلب يتيقَّنه فتقومُ عليه به الحجة ، وقلب
يوجب له حَيْرَة وعمى فلا يدري ما يراد به .
- قال تعالى {يَا
أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء
لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [ يونس : 57]
فهو شفاء لما في الصدور من مرض الجهل والغَيّ فإن الجهل مرض شفاؤه العلم
والهدى ، والغي مرض شفاؤه الرشد
- فمن استشفى به [ أي بالقرآن ]
صحَّ وبرئ من مرضه .. قال تعالى { وَنُنَزِّلُ مِنَ اَلْقُرْءَانِ مَا هُوَ
شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُومِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ
خَسَارًا} [سورة الإسراء آية 82]، والأظهر أن ( مِنْ ) ههنا: لبيان الجنس ،
فالقرآن – جميعه – شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين .
- مرض البدن .. خروجه
عن اعتداله الطبيعي لفساد يعرض له يفسد به إدراكه وحركته الطبيعية [ أما
فساد الإدراك ] : فإما أن يذهب إدراكه بالكلية كالعمى والصمم والشلل ، وإما
أن يَنْقُصَ إدراكه لضعف في آلات الإدراك مع استقامة إدراكه وإما أن يدرك
الأشياء على خلاف ما هي عليه كما يدرك الحلوَ مُرًّا والخبيث طيبا والطيب
خبيثا
وأما فساد حركته الطبيعية : فمثل أن تضعف قوته الهاضمة أو
الماسكة أو الدافعة أو الجاذبة فيحصل له من الألم بحسب خروجه عن الاعتدال
ولكن مع ذلك لم يصل إلى حدِّ الموت والهلاك بل فيه نوع قوة على الإدراك
والحركة .
- [ خروج البدن عن اعتداله لسببين] : إما فساد في الكمية أو في الكيفية :
فالأول : إما لنقص في المادة فيحتاج إلى زيادتها وإما لزيادة فيها فيحتاج إلى نقصانها .
والثاني : إما بزيادة الحرارة أو البرودة أو الرطوبة أو اليبوسة – أو نقصانها – عن القدر الطبيعي فيداوى بمقتضى ذلك
-
مدار الصحة على حفظ القوة، والحِمْية عن المؤذي ، واستفراغ المواد الفاسدة
، ونظر الطبيب دائر على هذه الأصولِ الثلاثة .. فالقلب محتاج إلى ما يحفظ
عليه قوَّته وهو الإيمان وأوراد الطاعات وإلى حِمية عن المؤذي الضارِّ ،
وذلك باجتناب.. المعاصي وأنواع المخالفات وإلى استفراغه من كل مادة فاسدة
تعرض له وذلك بالتوبة النصوح واستغفار غافر الخطيئات
- وقد تضمنها
الكتاب العزيز [ أي حفظ القوة والحمية عن المؤذي واستفراغ المواد الفاسدة ]
وأرشد إليها من أنزله شفاءً ورحمةً فأما حفظُ القوة فإنه – سبحانه – أمر
المسافر والمريض أن يفطرا في رمضان ويقضي المسافر إذا قدم والمريض إذا برئ
حفظا لقوتهما عليهما فإن الصوم يزيد المريض ضعفا والمسافر محتاج إلى توفير
قوَّته عليه لمشقة السفر والصوم يضعفها
وأما الحمية عن المؤذي : فإنه –
سبحانه – حمى المريضَ عن استعمال الماء البارد في الوضوء والغسل – إذا كان
يضره – وأمره بالعدول إلى التيمم حِمْيةً له عن ورود المؤذي عليه من ظاهر
بدنه فكيف بالمؤذي له في باطنه
وأما استفراغ المادة الفاسدة فإنه –
سبحانه – أباح للمُحْرِم الذي به أذى من رأسه أن يحلقه فيستفرغ بالحلقِ
الأبخرةَ المؤذية له وهذا من أسهل أنواع الاستفراغ وأخفها فنبه به على ما
هو أحوج إليه منه
- مرضه [ أي القلب ] هو نوع فساد يحصل له يفسد به
تصوره للحق وإرادته له فلا يرى الحق حقا أو يراه على خلاف ما هو عليه أو
ينقصُ إدراكه له وتفسد به إرادته له فيبغض الحق النافع أو يحب الباطل
الضارَّ أو يجتمعان له – وهو الغالب – ولهذا يفسر المرض الذي يعرض له تارة
بالشك والريب ..وتارة بشهوة الزِّنى .. فالأول مرض الشبهة والثاني مرض
الشهوة
- الصحة تحفظ بالمِثْل والشَّبَهِ والمرض يُدفع بالضد
والخلاف ، وهو يقوى بمثل سببه ويزول بضده والصحة تحفظ بمثل سببها وتضعف أو
تزول بضده
- ولما كان البدن المريض يؤذيه ما لا يؤذي الصحيح من
يسير الحر والبرد والحركة .. كذلك القلب إذا كان فيه مرض آذاه أدنى شيء من
الشبهة أو الشهوة حيث لا يقدر على دفعهما إذا وردا عليه والقلب الصحيح
القوي يطرقه أضعاف ذلك وهو يدفعه بقوَّته وصحته
- إذا حصل للمريض مثل سبب مرضه زاد مرضه وضعفت قوته وترامى إلى التلف ما لم يتدارك ذلك بأن يحصل له ما يُقويِّ قوَّّته ويزيل مرضه