في خطاب الأسد الأخير .. لم يفاجئنا الرئيس الأسد كثيرا بهدوئه .
الكثيرون في معسكر الوطن توقعوا خطابا ناريا غاضبا بعد مسرحية مجزرة الحولة القذرة التي استخدمت دم الضحايا بدناءة وخسة ونذالة رغم أنهم قتلوا بيد العصابات المسلحة عمدا لغاية واحدة وهي إخراج مشهد سينمائي يحتاجه مجلس الأمن ..
توقع الناس أن يسمعوا الرئيس يرفع من لهجة التهديد والوعيد وأن يضع سيناريوهات الحرائق في الشرق ..
وأن يقوم باستعراض العضلات العسكري الحقيقي لترهيب الخصوم الخارجيّين وتثبيت الرسالة للمسلحين الداخليين بأنّ عليهم انتظار قدر أسود ..
كان الكثيرون يتمنّون أن يسمعوا خطابا فيه الوعيد والرغبة بالقصاص يعكس قوة قي الموقف خاصة أن موقف الرئيس الأسد الدولي والإقليمي قد تمكن من فرض نِفَسٌ ه وأنه في معادلة دولية لصالحه تماما بغض النظر عن ثرثرات المعارضين واستهبالهم للناس ..
و أن لديه كل المعطيات التي تجعله يقتلع التمرّد وأن يجعل حملة السلاح يسعون على ركبهم يطلبون الغفران والعفو إذا ماأطلق عليهم قسوة الجيش الغاضب الذي يمنعه الرئيس حتى الآن من ممارسة رد الفعل العارم وذلك ليبقى تاريخ الجيش بلا لوثات عسكرية ..
كل من قرأ الخطاب وجد أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة .
الأسد ترفّع عن الثأر والتهديد وكأنه يتوقع أن تندلع المنطقة تلقائيا ..
وعندها لن يلام السوريون الذين قالوا على لسان رئيسهم أنهم :
لايريدون سوى إرسال رسائل الحرية إلى المحيط ..
أما العنف القادم إلى تلك البلدان فهو عنف تسببت به طريقة تصدير الأزمات نحو سورية فإذا بها ترتد إليهم ..
الأزمات التي قرأها الأسد وأحسّ بدنوها من تلك الدول عاجلها :
بنصيحة التعلم من رسائل الحريّة السورية وليس من رسائل العنف والتهديد ..
ففي السيرة النبوية الكريمة في فتح مكة درس عظيم من دروس الدبلوماسية النبوية ..
فرغم أن ألد أعداء الرسول الكريم طوال الدعوة المحمدية كان " أبو سفيان " ..
فقد تخلى الرسول عن الرغبة بالتشفي منه ومن خصومه القدماء ..
بل انه عندما لمس ايجابية لعملية استمالة أحد سادة قريش الكبار وهو أبو سفيان ( لحقن الدماء )
تغاضى الرسول الكريم عن عداوة عشرين عاما وقال :
" من دخل الكعبة فهو آمن .. ومن دخل داره فهو آمن .. ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن .. " ..
أي ساوى بين الكعبة ودار أبي سفيان .. أي :
تخلى الرسول عن المطالبة في معاقبة الخصوم الرئيسيين وهو المنتصر وفي موقف اليد العليا ..
وتنبه إلى أن شخصية أبي سفيان ومكانته في قومه القرشيين ونفاذ كلمته لايجب إغفالها وتجاهلها ..
بل يجب الاستفادة منها في تجنيب مكة حمامات الدم ..
لكن كانت النتيجة :
أن من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن ..
من لايقبل بالرأي الآخر والتصالحية والتعالي عن الحقد هو من يقود إلى عصر بدوي وجاهلي .
أي دولة من قياس مشيخات النفط المحتلة ..
حيث الشيخ يتزوج من كل نساء القبيلة وينجب قبيلة من أولياء العهد ..
ويشتري اليخوت والخيول والاولمبياد ويؤجّر الجزر للطائرات الغربية ..
ويسمل عيون المعارضين .. ويرقص له الجميع بالسيوف ..
وفي المساء يبتهلون بالدعاء لطويل العمر بأن يطول كل شيء له ..
العمر والحكم و … .. كل شيء في ذلك المساء ..
نقل عن سعد الحريري لمسؤول عربي كلام منسوب الى الملك " عبد الله " جاء فيه أن :
سيطرة بشار الأسد على عاصمة الأمويين وسيطرة نوري المالكي على عاصمة العباسيين غير مقبول .
ولابد من نزع إحداهما .
بالرغم من أن آل سعود لاشأن لهم بالدين ولا بقضايا الإيمان أو التاريخ، فهم ، إلا في حالات محدودة .
منغمسون في المجون والفساد الاخلاقي حتى النخاع .
ولكن في المقابل ، لديهم نزعة طائفية شديدة الضراوة ، مع التذكير بأن الطائفية لا صلة لها بالدين ،
وأنها توجّه السياسات الخارجية السعودية .
ما قيل عن علاقات مع آل الأسد منذ خمس وثلاثين عاماً ، لم تمنع من اندلاع حملة أيديولوجية وإعلامية ضد ما تطلق عليه الأدبيات الوهابية ( النظام الـ ..... ) في سورية ، دون أن يصدر قرار بمنع النيل من النظام السوري أو القدح في الطائفة التي ينتمي اليها الرئيس السوري .
كتب ونشريات ومجلات ومحاضرات عامة مليئة بعبارات الكراهية ضد ( الـ ...... ) في سورية ،
وآخرها بيان رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق وعَضّوِ هيئة كبار العلماء الحالي الشيخ " صالح اللحيدان "
الذي صدر قبل فترة ليست بالطويلة وأباح فيه فتوى بقتل الثلث من أجل أن ينعم الثلثان .
وقد استعمل اللحيدان عبارات القدح والذم ضد النظام السوري ورئيسه ، ربما لو قيل في رئيس آخر لربما ناله من التقريع والعقاب الشديد .
الحملة الطائفية ضد سورية ليس كنظام سياسي وإنما كانتماء ديني قديمة ، وتزداد تصعيداً في هذه الفترة ،
حتى أن الشعارات التي انطلقت في بعض المدن السورية وتحمل على إيران وحزب الله وقيادته لا يمكن وضعها في سياق احتجاجات سلمية وديمقراطية أو حتى سورية وطنية ،
وإنما هي شعارات مستعارة من الأدبيات الوهابية .
المعارضة السورية لاتعنيها معاناة جمهورها ولا معاناة الناس في وطنها لاتبحث مثلا عن حلول وسط ولا تريد حتى الإشارة إلى نقطة ايجابية حتى لغويا ..
وانتقت عبارات بعينها وجلدتها وعذبتها لتقول أنها عبارات تهديد وعنف ثم حقنتها بالمازوت والكيروسين كما يفعل الثورجيون مع كل مايخطفونهم ويجبرونهم على الانشقاق القسري ..
لينتزعوا براءة اختراع بالإعدام بالحقن بالمازوت لم يسبقهم إليه أي نظام ديكتاتوري على الإطلاق ..
منذ الحجاج وحتى مملكة عبد العزيز آل سعود ووريثه " أبو متعب " في الحجاز " المحتل " ..
الذي يصدر المازوت للعالم كله ..
المعارضة تريد الرئيس الأسد أن يرتكب مذبحة كبرى ..
أنها تدفع جمهورها إلى الموت ولا تمانع من التضحية به .
هذا أيضا اختراع لم تسبقها إليه معارضة في الدنيا .. معارضة تريد مذبحة لجمهورها ..
إن لم يقم بها الجيش فليقم بها جمهور السلطة في رد فعل طائفي بدليل ترويج أن مذبحة الحولة كانت :
ردا على مجزرة طائفية ..
وعملية الحولة وكل ماسبقها من تحريض ديني واستعمال للرموز الطائفية والدينية كل ماتريده المعارضة هو مذبحة كبرى يقوم بها أي من الفريقين تحرج العالم والروس وتضغط نحو القبول بمكافأة المعارضة في نقل السلطة إلى أي شخص كان ..
لقد تأدب العالم بدرس صدام حسين الذي تجرأ بالجلوس إلى مائدة الكبار وقال :
انه يريد اللعب مع الكبار وهدد بإحراق نصف إسرائيل ..
وكان مصير الرئيس صدام حسين ومشروعه الطموح ومصير عائلته التي تشتتت درسا قاسيا للغاية ..
مثله مثل درس الأمير فخر الدين المعني الثاني في لبنان الكبير الذي انتهى طموحه بالاستقلال عن إرادة الباب العالي بإلقائه مع ولديه من أعلى أسوار استانبول إلى البحر وهم مقيدون إلى كتل حديدية ضخمة ..
وكان قبله درس الرئيس عبد الناصر الذي تم تحطيم كبريائه القومي في حرب الهزيمة المذلة ..
وأخيرا كان درس الرئيس القذافي وهو الأقسى في همجيته لأن القذافي كان يتحدث صراحة عن الأشياء دون مجاملة رغم جميع المآخذ على طريقة حكمه ..
فالرئيس الأسد كشخص تجرأ على المحظورات الكبرى لكنه الرئيس الذي يخيف الغرب لأنه :
ورث مدرسة سياسية معقدة للغاية ولها تحالفاتها الذكية المدروسة بعناية ..
وهو يتفرد عن غيره من الرؤساء بكونه شابا التف حوله الشباب الطموح ..
ونوع الشباب الذي تحلق بالرئيس هو شباب متعلم متنور مثقف يمكن أن يعتمد عليه بعد سبات طويل في صراعات المدارس السياسية المراهقة على امتداد الشرق التي لاتفهم العمل السياسي إلا بتقليدية وكلاسيكية القرن التاسع عشر ..
والأهم أن الرئيس الأسد أعلن تحالفا مع العدو الأكبر للولايات المتحدة وإسرائيل وهي إيران ..
وتحدى مشروع المحافظين الجدد في العراق مع أحمدي نجاد الذي " هتك عرض أقدس أقداس الغرب " وهو :
إنكار المحرقة اليهودية علنا وعدم التراجع عن مشروعه النووي ..
والرئيس الأسد كذلك مد يده لحسن نصر الله ومكنه من إذلال إسرائيل والغرب كله ..
الأسد هو من أعاد إحياء خطاب عبد الناصر ضد الحكام العرب في تلك الحرب وأعطى التوصيف الدقيق لهم دون مجاملة وهو " أنصاف الرجال " ..
وهذا أيضا هدم معنوي قاس لمنظومات الحكم التي تعتمد عليها الولايات المتحدة ..
وكانت هزيمة 2006 والحفاظ على غزة سببا في إضفاء الصدقية على هذا التحقير لحكام العرب وربما سببا في الموافقة على مشروع التغيير الشامل أو الجزئي والإتيان بمنظومة جديدة " ثّوًرٌيَة " تمارس :
التضليل السياسي والتهريج الثّوًرٌيَ ..
التضليل على جمهور وجد أنه لا يستحق أن يحكمه أنصاف رجال .. وأنصاف أطفال ..
تضليل يضيع فيه الرجال مع أنصاف الرجال .. وأشباه الرجال ..
الزمن لم يعد معنيا بتأديب الزعماء والمشاريع الوطنية الطموحة بل زمن يعنى :
بتأديب بحر النفط الذي تجبر وطغى وأراد أن يقنعنا أن لونه الأسود وقوامه اللزج الثقيل أجمل وأبهى من لون جبهة البحر الأبيض المتوسط الزرقاء ورشاقة موجها ..
قرارا إستراتيجيا أتخذه الرئيس بشار الأسد بدخول أي منطقة على الحدود السورية يسيطر عليها مسلحين وتخرج عن سيطرة الدولة المستضيفة .
الأردن فهمت الرسالة سريعا والدبلوماسيون الغربيون ينقلون رسائل لقوى 14 آذار مفادها أن القيادة السورية جادة بدخول عكار وأخذ دور الجيش اللبناني بعد انسحابه منها وأن الجيش السوري في أعلى درجة الجهورية لأن اللعبة دخلت مرحلة الخطر الشديد .
و ... ما الذي لم تفعله تركيا من أجل الإساءة لسوريا ؟ .
في فنادق اسطنبول ، تستقبل تركيا هؤلاء العملاء المكلفين بلعب دور المعارضين السوريين .
وعبر المصارف التركية ، يتدفق المال من قطر والسعودية ليشكل واحداً من المحركات الرئيسية لما يسمى :
بالثورة السورية .
وفوق أراضيها ، أقامت تركيا معسكرات يجري فيها إعداد الإرهابيين العاملين في سوريا وتموينهم .
وهي تزودهم بالأسلحة وتدربهم على أيدي ضباطها ومحترفين تمدها بهم أجهزة الاستخبارات الغربية والإسرائيلية .
أما وسائل إعلامها ففي الطابور خلف " Fox News" ، و " BBC " و " France 24″
و " الجزيرة " و " العربية " .
العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري على الأرض تحقق نتائج مهمة بالنسبة للشعب السوري وقيادته ، وأن هناك عمليات وصفتها هذه التقارير بـ :
" زحف تطهيري " تقوم به وحدات الجيش ضد المجموعات الإرهابية التي تتكاثر ليس بشكل داخلي وإنما عبر الإمدادات القادمة لها من الخارج بتمويل من أطراف المؤامرة على سوريا ،
فهناك عمليات ضخ للإرهابيين والسلاح إلى داخل الأراضي السورية للالتحاق بالعصابات المسلحة ،
بعد أن تجتاز تدريبات مكثفة في معسكرات خاصة داخل قطر والسعودية والإمارات وتركيا وإسرائيل .
وتقول تقارير استخباراتية واردة من سوريا إلى عواصم التآمر أن عمليات التطهير التي تقوم بها القوات السورية ألحقت خسائر فادحة في صفوف الإرهابيين ،
ومن هنا أصبحت الأمور تتجه باتجاهات مختلفة وخطيرة حسب ما كشفت مصادر مطلعة وهي مصادر مقربة من الجهات الداعمة للإرهابيين ،
هذه الجهات المتآمرة ترى ضرورة إيجاد آلية دولية تعيد فرض وقف لإطلاق النار داخل سوريا قبل فوات الأوان وقبل أن يتمكن النظام من حسم الأزمة بشكل ميداني والقضاء على المجموعات الإرهابية ، فالمناطق التي كان الإرهابيون يسيطرون عليها باتت تسقط تباعا بأيدي الجيش .
وكشفت مصادر :
أن دولا عربية وتحديدا قطر والسعودية وهما داعمتان للإرهابيين متخوّفتان من أن لا يكون هناك تحرك غربي سريع ، وأشارت المصادر أن القلق سيطر على اللقاء الذي جمع وزيري خارجية قطر وتركيا في باريس .
وأضافت المصادر أن السعودية وتركيا وقطر تحاولان إقناع الدول الغربية بضرورة إرسال قوة دولية مسلحة إلى سوريا لفرض تطبيق وقف لإطلاق النار للحد من العمليات التي يقوم بها الجيش في ملاحقته للإرهابيين في المدن والأرياف السورية .
بخصوص المواجهات العسكرية فتشير المصادر إلى أن المقاتلين أصبحوا أمام خيارين إما القتال حتى النهاية أو الاستسلام ، لأنه لم يعد بالإمكان المناورة ، والقيام بانسحاب تكتيكي لأن الجيش السوري أحكم السيطرة على كافة مداخل ومخارج الأحياء الثائرة ، وبالتالي أصبح متعذرا تكرار سيناريو الانسحاب التكتيكي .