عندما كنت يافعاً، كنتُ ادرس بعيداً عن والديّ، ولذلك كنت ارسل لوالدي – كلما احتاج الأمر – رسالة له، والمضحك أنه – رحمه الله – كان يعيد لي رسائلي بعد تصحيحها لغوياً وباللون الأحمر وكأنه استاذ مدرسة، وكأنني طالب، ويُعيد لي الرسالة وكأنها ورقة امتحان فيها الكثير من الخطوط الحُمر، ولا يبق لها إلّا أن يضع العلامة.
كنت أتخيله واضعاً يديه على أذنيه، عندما أخطىء في كتابة اللغة العربية، وهو يتهيأ بشكلِ الغاضب والمزعوج، وأنا اعرف في سريرتي كم هو محب وعطوف.
في احدى المرات اتصل بي هاتفياً ليؤنبني على خطأ – برأيه كبير – إذ أنني لم اضع /ال/ التعريف امام كلمة نكرة لتصبح مُعرفة، ولم افهم آنذاك الفرق واليوم انتبهت له.
في اللغة العربية تكون كل كلمة، نكرة حتى نضع لها /ال/ التعريف، فتصبح انذاك مُعرفة، وعندما نحذف /ال/ التعريف، تعود نكرة.
دأبنا منذ فترة طويلة الى اختيار بعض المسؤولين (واركز على بعض) من نوع النكرة، واعطيناهم المناصب التي هي بمثابة /ال/ التعريف، فيصبحوا مُعرفين ومعروفين، ويعتقدون أنهم مُعرفين بالأساس، وتراهم على صفحات المجلات وفي الاذاعات والفضائيات، الى درجة يعتقدون أن العالم كله – وليس فقط سورية – لا يعمل بدونهم ودون مشورتهم.
حتى يحين سحب مناصبهم – اي /ال/ التعريف – فيعودون الى مواقعهم – كما كانوا – نكرة.
يتسلقون المناصب، يبنون علاقات مع نَكِراتٍ مثلهم، يبحثون عن /ال/ التعريف لهم، من خلال المراكز والمسؤوليات.
هم على استعداد لأن يدفعوا مالاً لمن يكتب لهم, في كل شيء, من الاقتصاد الذين اصبحوا منظّرين لها، لا بل على قاب قوسين او أدنى من استلامهم جائزة نوبل فيها، ولحين استلامهم لها، يخترعون الجوائز ويوزعونها على بعضهم، فمن جائزة الاقتصاد في تربية الدجاج الى جائزة التوفير في تلميع الارضيات، والمهم هو الصور وحفلات التوزيع والمجلات التي يمولونها لنشر نظرياتهم النيّرة.
يلقون محاضرات، كتبوها لهم، من الاقتصاد الى السياسة الدولية والاقليمية، الى درجة اصبحت اخاف عليهم من سرقة افكارهم لاستخدامها في مجال مكاتب الدراسات الدولية، الى البيئة والزراعة والصناعة....حتى ابحاثهم في الرقص الشرقي والموسيقى الشرقية والاحلام الشرقية.
سئمت من ابتسامات هؤلاء المتسلقين، الذي تحملناهم سنين طوال واوصلونا الى ما وصلنا عليه، هم نكرات متعددة، وللأسف هناك من أوصلهم عن معرفة بهم، ومنهم من أوصلهم عن جهلأ.
اليوم أكثر من اي يوم مضى، علينا أن نختار الاشخاص المُعرفين بذاتهم، وليس بمناصبهم، علينا الانتباه الى أولئك النكرات الذين يستخدمون المال السياسي ويسخرونه لاجل /ال/ التعريف.
دائماً هناك استحقاقات، ودائماً هناك اختيارات، فلنسأل أنِفَسٌ نا فقط سؤالاً واحداً عن الشخص الذي نريد ان نختاره للمسؤولية.
هل /ال/ التعريف معه أم أنه نكرة؟
اللهم اشهد اني بلغت