قبل أن ينتهي فصل الشتاء ويأتي الربيع يأتي جميع مزارعي سورية الزراعية إلى حلب ووجهتهم الوصول إلى سوق صغير يقع ضمن أسوار المدينة القديمة ويتم الوصول إليه عبر باب القناة حيث تدخل قناة حيلان لشرب الأهالي من هذا الباب لتتوزع في أقنية في جميع أنحاء حلب القديمة وقد سمي ( باب الحديد ) فيما بعد
ندخل ونتجه باتجاه القلعة لنقع بعد أمتار على سوق رائع تعود غلى ما قبل خمسة آلاف عام .
هذا السوق بسقفه الجملون ومخازنه ( وكل مخزن أمامه مصطبة حجرية لا تعترض الطريق ) ودعاماته الجدارية وعليها كتابات أصبحت لا تقرأ لمرور الزمن وعبث العابثين هذا السوق يستقطب المزارعين الذين جاؤوا من بعيد لتأمين مستلزمات موسمهم القادم حيث تفيض الخيرات من قمح وشعير وعدس وباقي أنواع الحبوب .
هذا المزارع بحاجة إلى الأدوات الخشبية والحديدية التالية :
- المنجل للحصاد وقد رآه البعض في المتاحف .. وله قبضة خشبية ونصله منحنية لقطع السنابل الذهبية ..
- عدة ( الرجاد ) وهي قفص خشبي تتدلى أطرافه على ظهر الجمل وتتكدس عليه السنابل لإيصالها إلى القرية .
- اسطوانة الدريس أو الجرجر " اثنتان تحيط بكل واحدة دائرة حديدية مسننة تشكل عربة تجرها الحيوانات بقيادة اي كان تدور حول البيدر لتفصل القش عن الحبوب .
- ( مذراة ) وينتظر المزارع الريح ليذري القش الذي يبتعد مع الريح الخفيفة وتسقط الحبوب بفعل الجاذبية .
- الختم وبعد نقل الحبوب إلى أي مكان ولمراقبته توضع السطيحة من الخشب عليها رموز على أطراف البيدر وأي اعتداء على كمية القمح يلغى وتتضح السرقة , حيث يتغير شكل البيدر .
يبيع المزارع إنتاجه من الحبوب في خانات حلب وينقضي الصيف ويستعد للموسم القادم
- ويعود إلى هذا السوق ليشتري ( المحراث ) الطويل وله شفرة لشق الأرض فتتم الفلاحة .
كل هذه المستلزمات الخشبية والحديدية تتوفر في هذا السوق الصغير ولهذا عرفت محليا ً بـ اسمين :
(قبو النجارين) لأنه سطح حجري أو (قبو المسلاتية) لأن فيه عمل الحدادين ....
كنت أتمنى أن يصبح هذا السوق متحفا ًً كاملا ًبنجارته وحدادته ومنتجاته من الأخشاب والعيدان التي تحمى على النار لتصبح مستوية عن طريق مثلث يدخل فيه الغصن المعوج وبالنار تحته ليستوي .
انتهت هذه الحرفة مع مجيء الآلات الميكانيكية ولكن لم ينته هذا الماضي الهام الذي نعود إليه لننطلق إلى المستقبل .
الدكتور محمود حريتاني :
يحمل وسام الثقافة من الجمهورية البولونية منذ عام 1973 ويحمل وسام فارس من الجمهورية الإيطالية منذ عام 1974
مؤلفاته :
كتاب سياحي عن قلعة حلب .
كتاب سياحي عن متحف التقاليد الشعبية بحلب
كتاب علمي عن أسواق المدينة في حلب ( نفذ وتعاد طباعته ) وأحياء حلب القديمة وحلب السلطنة العثمانية وبالاشتراك مع جان كلود دايفيد : حلب القديمة التدهور وعوامل الإحياء .
دراسة عن حلب بالمشاركة مع عدة جامعات يابانية
اكثر من دراسة عن حلب بالمشاركة مع عدة باحثين فرنسيين نشرت في المعهد الفرنسي B.E.O
أكثر من دراسة عن حلب في مجلة عاديات حلب تصدرها جامعة حلب
