حلب مدينة مفتوحة لكل زائر يأتيها كما يحلو له , بينما مدن أخرى مغلقة على هذا الزائر.
جاءها إبراهيم الخليل فترة فيها وله مزاران وآلهتها عرفت في أماكن بعيدة.
جاءتها إثنيات متعددة فاستقبلتهم وأقاموا فيها وحفظوا عروقهم وطوائفهم وعاداتهم. أقام فيها التجار الأوروبيون وقناصلهم , وكانت لهم خاناتهم وأحياؤهم (في الجلوم ثم الجدّيْدة) وتعاونوا مع سكان هذا البلد , وبعدها بقرون أقاموا في مدن أخرى من بلاد الشام ,حين أتيح لهم ذلك.
لكن الصورة العامة والمقبولة للمدينةالعربية تؤكد وجود الطوائف الدينية, كفئات منعزلة ومتجمعة في أحياء ومتجانسة , والمظهر الطائفي لها يأخذ بعدا حقيقيا كمجتمعات "الفيتو" اليهودية الواضحة. ولكن إذا أخذنا التجمع المذهبي والطائفي في حلب يقول باحثان فرنسيان زارا حلب قبل مئات السنين ما ترجمته : "إن انقسام مدينة حلب إلى أحياء وأجزائها لا يتفق مع التقسيمات الدينية ...."
يقول الباحث ووتورث في تاريخ حلب في الفترة المملوكية ما يلي:"يظهر أن المسيحيين واليهود كانوا متشتتين في المدينة , وقد يعيشون في أحياء خاصة لكنها مجاورة إلى أحياء إسلامية .
يوجد توزع أشخاص ولا يوجد تجمعات غيتو..."
من خلال الأبحاث التي جرت في وثائق المحاكم الشرعية المختلفة لم نر أحياء طائفية خاصة , ويؤكد جان سوفاجيه (إن كثيراً من المسيحيين منتشرون في مختلف أحياء حلب) الأمثلة والشواهد كثيرة عن صكوك البيع :
1- مسيحيان اشتريا من مسلم ربع منزل فيه عشرة مساكن وعاشا مع العائلات الإسلامية في قارلق.
2-في الشرعتلي نرى أسماء عائلات مسيحية وأرمن وسريان وكذلك في حي الأكراد.
3- عائلات مسيحية في حي أقيول (حارة القبب ومنها المرحوم المطران ناوننيطوس إدلبي)
4- دعوة مقامة لدى القاضي الشرعي لستة عائلات إسلامية في حي بحسيتا .
5-في عام 1627م اشترى يهودي من مسلم منزلاً في بحسيتا محاطاً بعائلات إسلامية.
6- المسيحيون القدماء في حي الجلوم , بقوا في سكنهم بجوار العائلات الإسلامية حتى القرن العشرين.
إن التجمع المذهبي مسيرة تاريخية بطيئة جداً لأنها تتعلق بقرار فردي أكثر منه جماعي. لقد كان الاستقرار وتنظيم العلاقات بين مختلف (الملل) سائداً.