الذي حدث من هجوم وتطاول وصراخ علي اتحاد كرة اليد عموما ورئيسه خصوصا.. أمر غريب بل مريب!
غريب لأن حملة المطالبة برأس الاتحاد.. دعوة للدهس بأحذيتنا علي كل نجاج في كل مجال مع أول عثرة له!
ومريب لأن مضمون حملة الترويع والترهيب والصوت العالي.. تحذير واضح قاطع لكل مخلوق في هذا البلد بألا يفكر في النجاح أو المشاركة في صنع نجاح.. لأن الذي سيحدث من هجوم وتنكيل وتطاول عندما يقع.. أضعاف كل نجاحاته!
لم أكن أعرف أن صدور البشر التي خلقها الله منبعا للرٌحًمِة والمودة والحب.. يمكن لها أن تختزن كل هذا الغل!
يــــــــاه!!!!!
** من يسمع من.. وسط الصراخ والصوت العالي والشعارات والمزايدات واللعب علي مشاعر الناس الحزينة بتراجع كرة اليد؟. الكل في نِفَسٌ واحد يتكلم والكل لاينصت لأن الكل لايبحث عن حقيقة لأجل حل إنما الهدف الخلاص من هؤلاء البشر الذين ذنبهم الوحيد أنهم نحتوا في الصخر إلي أن نجحوا ونجحوا ونجحوا وكان من الصعب النيل منهم خلال سنوات نجاحهم التي تزيد علي العشر ولم يكن هناك سبيل إلا الانتظار علي مضض لأي عثرة لهم.. وما إن وقعت حتي أقاموا الدنيا علي حيلها وكأن اتحاد كرة اليد فضحنا أو وضع رأسنا في الوحل!
المشكلة الحقيقية أن الصوت العالي وحملة الهجوم الشرسة علي اتحاد كرة اليد, تعامل معها الرأي العام علي أنها حقيقة وأن المشكلة جوهرها في وجود شخص واحد اسمه حسن مصطفي.. والخلاص منه هو الحل!
الناس في الشارع المصري نسوا بسرعة هائلة سنوات الانتصار المتتالية ولولا أنها حقيقة لشكوا فيها هي الأخري!. الناس نسوا إنجازات اتحاد اليد ونسوا فضل حسن مصطفي في قيادته ونسوا أنه أخذ هذا الاتحاد من الصفر إلي أن وصل به ومعه إلي العالمية وعاش فيها سنوات وليس بضع مباريات.. كل هذا اتنسي تحت وطأة حملة الصوت العالي التي كانت فيما يبدو تنتظر هذا التعثر من سنوات!. الناس فيما يبدو لايعرفون الحقيقة.. والحقيقة سأقولها لكن ليس قبل أن تقرأوا هذه الرسالة:
الأستاذ الفاضل الكبير: إبراهيم حجازي
تحية طيبة لقلمكم الجريء وصوتكم الإعلامي المحبب إلي مسامعنا لأنه يعبر عن كثير مما نريد أن نقوله.
الأستاذ الفاضل.. صوت الجماهير ليس تشفيا ولاتصفية حسابات فلا العامة أمثالنا يصارعون علي رئاسة الاتحاد الدولي أو المصري لكرة اليد, وليس بينهم وبين الدكتور سابق معرفة بل هي المصلحة العامة للعبة أحببناها لأنها رفعت معنوياتنا وسط كثير من الإحباطات, كما أننا نؤيد كلام سيادتك المتواصل عن قاعدة الاختيار وندرة الملاعب, وإهمال الدولة في توفير رئات خضراء للشباب, وعدم وجود تكنولوجيا صناعة أبطال رياضيين وأن هذا وراء ضآلة تاريخنا الرياضي ولكن ياسيدي نقطة الخلاف أن كرة اليد لم تسقط بل سقطت الدكتاتورية والشمولية وحكم الفرد, سقط منطق إحالة الشباب للمعاش والتحكم في الأجهزة الفنية وفي خطط المباريات والتسلط علي الأندية الكبيرة, وقد قلتها لك من قبل ياسيدي وفي نِفَسٌ المكان وحذرنا من عاقبة الرأي الأوحد ولكن ردك وقتها كان مفحما لنا ودارت الدائرة وكنا نتمني أن تعلنها معنا يا أستاذ وتنحي تماما ـ صداقتك لدكتور كرة اليد, وتعلنها صريحة مدوية: تسقط الدكتاتورية ودولة القطب الأوحد بدلا من تبرئة الجاني بمنطق اشنقوه, وبدلا من الحديث عن أسباب تخلف الرياضة المصرية عامة وأن تكشف كل الأسرار, قبل أن تلحق كرة اليد بأخواتها وكل الشكر علي الدوام.
د. سيد مختار
انتهي كلام الدكتور سيد.. والكلام واضح فيه تأثير حملة الصوت العالي عليه والدكتور يريدني أن أسير في الزفة وأطالب بسقوط الدكتاتور حسن مصطفي وأن أنحي صداقتي له جانبا إلي أن نسقطه.. وأقول هنا لو أن كرة اليد حافظت علي مركزها في بطولة العالم الأخيرة.. هل كنت يادكتور سيد ستتهم حسن مصطفي بالدكتاتورية؟. لا أظن.. رغم أن سياسة حسن مصطفي واحدة من أول يوم تسلم فيه هذا الاتحاد وحتي الآن.. سياسة واضحة جدا والكيل فيها بمكيال واحد والتعامل بلغة واحدة وليس هناك أسرار أو تعاملات من تحت الترابيزة والكل سواسية أمام اللوائح ولامجاملات في الثواب ولا تصفية حسابات في العقاب.. تلك هي سياسة حسن مصطفي التي اعتبروها في شارع الرياضة دكتاتورية.. فهل المشكلة في حسن مصطفي أم فيمن يكرهون النظام ويرفضون الالتزام ولاصالح لهم بالمصلحة العامة؟.
أي شباب ذلك الذي تتحدث عن إحالته للمعاش وأي أجهزة فنية يتحكم فيها؟. لا ياسيدي الحكاية مختلفة تماما وحسن مصطفي عندما يكون له رأي فني فلابد أن يسمعه الآخرون ليس لأنه رئيس الاتحاد الدولي لكرة اليد إنما لأنه قضي سنوات طويلة رئيسا للجنة الفنية للاتحاد الدولي قبل رئاسته له.. ولأنه أيضا وهذا هو المهم صاحب الفكر الذي نقلنا من القاع إلي القمة في كرة اليد.. وجزء من هذا الفكر زمان قرار اعتزال كل من بلغ سنا معينة ولم يدخل في المنتخب وليس هناك أمل في أن يكون قاعدة اختيار للمنتخب.. واعتزاله بالإجبار ليس موقفا عدائيا من اللاعبين أو عقدا نِفَسٌ ية من رئيس اتحاد.. إنما هو أحد الحلول التي تساعد علي ضخ وجوه جديدة في القاعدة الممارسة الصغيرة فربما يكون من بين الوجوه الجديدة من يصلح للمنتخب وهي لن تمارس مادامت القاعدة الصغيرة أصلا مليئة بمن يلعبون لأنديتهم وليس للمنتخب!
يادكتور سيد.. اتحاد كرة اليد تأسس عام1957 ومنذ إنشائه وحتي عام1991 لم يحصل منتخب مصر علي بطولة أفريقيا إلا مرة واحدة في عام1965 وعندما تولي حسن مصطفي رئاسة اتحاد كرة اليد في منتصف الثمانينات كانت مصر قد مضي عليها20 سنة بعيدة عن بطولة أفريقيا ومن هو بعيد عن أول وثاني وثالث أفريقيا أعتقد أنه لامكان له علي خريطة العالم وهذا كان وضعنا الحقيقي عندما تولي حسن مصطفي المهمة.. وكانت اللعبة خرابة وقتها لأنه لاتصنيف لنا أفريقيا ولا أمل في أن يكون لنا تصنيف في ظل الأوضاع التي تعيشها اللعبة في مصر.. فماذا فعل حسن مصطفي؟
نسف كل ماهو موجود لأن الموجود أوصلنا للحضيض.. وبدأ حملة إصلاح والذي يريد إصلاحا يضع مصلحة الوطن فوق كل المصالح ومن هنا اعتبره الشارع الرياضي دكتاتورا لأنه لايجامل ولايخشي سطوة ونفوذ الأهلي والزمالك ولايتملق اللاعبين وأمامه هدف حدده ويعمل بجهد وتفان وإخلاص لأجل الوصول إليه!
ذات مرة يادكتور.. منتخب مصر مشترك في بطولة دولية كبيرة وصعبة وحصل علي المركز الثاني ووصلت البعثة للقاهرة ولم يذهب رئيس الاتحاد إلي المطار لاستقبالها مثلما يحدث في الاتحادات الأخري التي تذهب عندما تفوز مصر في مباراة وليس المركز الثاني علي دول كبيرة!. وفي أول تجمع للاعبين في المنتخب.. ذهب حسن مصطفي لهم وقال: أعرف أنكم كنتم تتوقعون حضوري لاستقبالكم وأعرف أن الدهشة أصابتكم.. لكن ما أريد أن تعرفوه هو أنكم تلعبون علي مركز واحد.. هو الأول وأي مركز خلافه يعتبر خسارة.. وهذا ما رأيته واعتبرته أنا.. فهل تتوقعون أن أخرج للمطار لاستقبال منتخب خسر المركز الأول؟.
الذي فعله حسن مصطفي هنا يادكتور ليس دكتاتورية إنما هو درس للاعبين بأن تكون القمة هي هدفهم وألا يستكينوا أو يهدأوا أو يرتاحوا إلي أن يحققوا هذا الهدف!
هذا مثال لنقطة تربوية بسيطة يمكن أن يكون لها دور.. والطفرة التي حدثت جاءت نتيجة فكر متطور ويوميا يتطور وجهد وبشر يعملون لوجه الله ومصلحة وطن.. فريق عمل محترم قوامه مجلس إدارة اتحاد كرة اليد في1985 ومابعدها برئاسة حسن مصطفي وهذا الفريق المحترم عمل في صمت وتعامل مع مئات العناصر المؤثرة والمتأثرة بكرة اليد إلي أن وضع منظومة أوصلتنا إلي اللعب مع الكبار سنين طويلة.. وهذه المنظومة شملت أنظمة التدريب والمسابقات والتحكيم والتدريب والإدارة وأشياء كثيرة ومن لاشيء علي خريطة كرة اليد الأفريقية ولن أقول العالمية.. إلي كل شيء بداية من عام1991.. وتعالوا نستعرض البطولات والنتائج ومنها سنعرف أن ماتحقق عمل محترم مدروس وليس ضربة حظ أو نتيجة طيبة في بطولة وكل واحد راح لحاله.. سنعرف وتعرف يادكتور سيد أن النظام والالتزام والاحترام والثواب والعقاب أمور غير معروفة في شارع الرياضة وحسن مصطفي هو من أدخلها الشارع عنوة.. لذلك اعتبروه دكتاتورا ولذلك أيضا كانت الثورة العارمة ضده عندما تعثر المنتخب!
* الدورات الأوليمبية: قبل التسعينات لم نكن علي الخريطة وفي برشلونة1992 حصلنا علي المركز الـ11 وفي أتلانتا96 فزنا بالمركز السادس وفي سيدني2000 السابع.
* بطولات العالم للشباب: في عام1993 بالقاهرة فزنا ببطولة العالم وفي95 بالأرجنتين حصلنا علي المركز السادس وفي97 بتركيا السادس وفي99 بقطر حصلنا علي ثالث العالم وفي2001 بسويسرا الثامن.
* بطولات العالم للرجال: في93 بالسويد المركز الـ12 وفي95 بأيسلندا تقدمت مصر للمركز السادس وفي97 باليابان السادس وفي1999 بمصر تراجعت إلي السابع وفي2001 تقدمت مصر للمركز الرابع وفي2003 بالبرتغال جاءت الـ15.
* بطولات العظماء السبعة: في96 بالسويد الرابع وفي99 بالسويد السادس وفي2002 السادس.
* ألعاب البحر المتوسط: في91 باليونان الثاني رجال وفي93 بفرنسا الرابع منتخب الشباب وفي96 بإيطاليا السادس بالشباب.
* الألعاب الأفريقية:91 بالقاهرة الأول وفي95 بزيمبابوي الأول وفي99 بجوهانسبرج الثاني.
* الأمم الأفريقية: في91 بالقاهرة الأول ـ بعد غياب26 سنة عن هذه البطولة ـ وفي93 بكوت ديفوار الأول وفي94 بتونس الثالث بفريق الشباب وفي96 ببنين الثالث بفريق الشباب وفي98 بجنوب أفريقيا الثالث بالرجال وفي98 بكوت ديفوار الأول شباب وفي2000 بالجزائر الأول وفي2002 بالمغرب الثالث رجال وفي نِفَسٌ السنة ببنين الأول شباب.
هذا يادكتور دفتر أحوال كرة اليد الحديثة في مصر وأظن أنه سجل طيب يجعلنا نشعر بالفخر ويجعلنا أيضا نستشعر الخطر فيما لو تعرضت كرة اليد لهزة أو سقطة أو هزيمة أو تراجع أو أي تسمية يمكن أن نصف بها ماحدث في بطولة العالم الأخيرة بالبرتغال والتي تراجعت فيها مصر للمركز الـ15 وفيها أيضا تراجعت السويد من الثاني إلي الـ13 وأظنك تتفق معي في الرأي يادكتور أن الدولتين حدث لهما تراجع وتتفق أيضا في أن رد الفعل بالتأكيد مختلف وجذري!. عندنا.. ماصدقنا توقف التقدم وانهالت اللعنات من كل جانب علي اتحاد كرة اليد أوحسن مصطفي تحديدا باعتباره رئيس الاتحاد من جهة ولأنه ـ أردنا أم لم نرد ـ قائد ثورة تحرير كرة اليد من التخلف الذي كانت عليه إلي كرة اليد التي احتلت مكانا مميزا ثابتا بين العشرة الكبار لأكثر من عشر سنوات!
علينا أن نعترف يادكتور بأننا نواجه مشكلة في كرة اليد أدت لتراجعنا بعد ثبات مستوانا مع الكبار عشر سنوات متتالية.. وحل المشكلات لن يحدث أبدا بالتربص وتصفية الحسابات إنما بالفكر والمنطق والعقل الذي أعطاه الله لنا للتفكير في الأفضل والبحث عن الجديد وليس بهدم المكان علي من فيه!. يادكتور.. هناك مشكلات موجودة وأفضل من يضعون أيديهم عليها رجال هذا الاتحاد ولا أحد غيرهم.. مشكلات ناجمة عن طبائع وسلوكيات اللاعب المصري عموما ومشكلات في نظام المسابقات ومشكلات في القلة الشديدة للملاعب والتي تنعكس علي عدد من يمارسون اللعبة!. هناك مشكلات بالتأكيد وثقتي تامة في قدرة الاتحاد علي مواجهتها وحلها.. ومن واجه أصعب منها في مرحلة الإصلاح قادر علي حسمها الآن!
وتبقي ملاحظة وكلمة. الملاحظة هي اتهامك يادكتور لي بصداقة حسن مصطفي وكأنها جريمة.. والذي لاتعرفه أنني لا أخلط إطلاقا بين الصداقة والعمل وإن كنت أؤكد لك أن صداقة رجل محترم ناجح صادق مع نِفَسٌ ه والآخرين غير مجامل في العمل.. مثل هذه الصداقة أشرف أنا بها.
أما الكلمة يادكتور.. أنه إذا كان التمسك بالمبادئ والحرص علي النظام وعدم التفريط في القيم والتصدي للفساد وقمع الدلع والوصول للعالمية.. إن كانت هذه الأمور دكتاتورية فأنا أدعوك لأن تدعو الله معي بأن يصاب كل رؤساء الاتحادات المصرية بداء الدكتاتورية!
………………………………………………..
** من ثلاثة أشهر وأكثر وأنا أكتب أسبوعيا عن قضية الفدادين السبعة الخضراء ملاعب بمركز شباب الجزيرة التي تم تجريفها وأظن أن التجريف امتد لأكثر من سبعة فدادين وكل ذلك لأجل إقامة مدينة تجارية وجراج تحت مسمي معلن هو إقامة جراج لأجل السيولة المرورية في المنطقة!. خلال الأسابيع الكثيرة الماضية أكدت بالمستندات وبالمنطق وبالعقل الذي أعطاه الله لنا لنفكر به أن هذا المشروع مخالف لقرار رئيس جمهورية وقرار مجلس وزراء وقرار محافظ القاهرة نِفَسٌ ه الذي يتبني المشروع ومخالف لقانون البيئة ومخالف لقرار الحاكم العسكري وتجريف لأرض زراعية وهذه جريمة عقوبتها السجن!. كل هذه الأسانيد كتبتها وكررتها وقلتها لعل جهة واحدة ممن يعنيها الأمر مثل وزارة الزراعة أو وزارة البيئة أو الدفاع المدني.. تتحرك وتحرك معها القانون.. لكن لم يحدث شيء من هذا بما يحمل صمتهم.. علامات رضا عن المشروع الذي يقال إنه لسيولة المرور بينما الواقع.. واقع المدينة التجارية الضخمة يؤكد أنه سيغلق كل منافذ المرور في المنطقة وبالتبعية القاهرة كلها ومن لايصدقني يخطف رجله ويشاهد عدد السيارات التي تتردد علي مجمع كارفور التجاري الواقع خارج المعادي ومن عدد السيارات الواقف أمامه سيعرف أن الجراج المقام المشروع باسمه لن يتسع لهذا العدد الضخم من السيارات القادمة للمجمع التجاري فأي سيولة مرور تتكلمون عنها؟.
كتبت مايكفي والصحافة آخرها الكتابة لكن ماذا يمكن للكتابة أن تفعل في قضية القاضي فيها هو نِفَسٌ ه المتقاضي.. والجهة التي تمنح التراخيص وتمنع المخالفين للقانون هي التي تخالف وتدهس بحذائها القانون.. ومن ثم يصبح تخصيص هذه المساحة أسبوعيا أفضل وأجدي لقضايا أخري يكون هناك أمل في أن تجد آذانا صاغية وقلوبا راغبة في الإصلاح!. عندي عشرات الآراء التي ترفض هذا المشروع المدمر ومن بينها اخترت دراسة علمية محترمة قدمها أستاذ وعالم متخصص متطوعا وهذه الدراسة المحترمة تحت يدي لمن يهمه أمر معرفة الحقائق العلمية في مشروع مثل هذا وتأثيره علي البيئة وأنا شخصيا علي ثقة بأن السيد محافظ القاهرة لو اطلع علي هذه الدراسة فسيكون له رأي آخر.. أقول ذلك لثقتي التامة في طهارة يده. ملخص هذه الدراسة أنشره اليوم كختام لتناول هذه القضية.. باعتبارها محل فصل بين يدي قضاء مصر العادل. ملخص الدراسة يقول:
ينص قانون’ في شأن البيئة’ الذي صدر عام1994 في مصر تحت بند’7′ علي أن تلوث البيئة هو:’ أي تغيير في خواص البيئة مما قد يؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلي الإضرار بالكائنات الحية أو المنشآت أو يؤثر علي ممارسة الإنسان لحياته الطبيعية’.. وعن تلوث الهواء في بند’10′ أنه’ كل تغيير في خصائص ومواصفات الهواء الطبيعي يترتب عليه خطر علي صحة الإنسان والبيئة سواء كان هذا التلوث ناتجا عن عوامل طبيعية أو نشاط إنساني, بما في ذلك الضوضاء!
وينص القانون في مادته رقم’34′ من الباب الثاني في شأن حماية البيئة الهوائية من التلوث أنه’ يشترط أن يكون الموقع الذي يقام عليه المشروع مناسبا لنشاط المنشأة بما يضمن عدم تجاوز الحدود المسموح بها لملوثات الهواء, وأن يكون جملة التلوث الناتج عن مجموع المنشآت في منطقة واحدة في الحدود المصرح بها’!
أولا: ما يخص الشوارع والسيارات التي تخدم سكان القاهرة:
1 ـ وصل عدد السيارات في عام1998 إلي2730046 سيارة, ولابد أن تكون وصلت الآن إلي عدد3829030 سيارة, وتجري كلها علي مسطح شوارع القاهرة الذي يصل في أحسن التقديرات إلي حوالي مائة وعشرين كيلو مترا مربعا’ حوالي30% من مسطح العاصمة’!
2 ـ بإنشاء ذلك الصرح التجاري, لابد أن تقام عدة طرق إضافة علي الموجود بالجزيرة كي تخدم90000 متر مربع من الخدمات التجارية والملاهي, و1800 سيارة علي الموقع, والتي قد يتكرر عدد تواردها إلي أربع مرات في اليوم لكي تصل إلي سبعة آلاف سيارة في اليوم علي أقل تقدير!
3 ـ بفرض أن كل سيارة يلزمها30 مترا مربعا من الأسفلت لكي تجري عليها خارج المشروع, أي تجري علي حارة من الطريق بعرض3 أمتار وبطول10 أمتار, وبفرض أن الشوارع الحالية بعرض حارتين أي6 أمتار, تحتاج السيارات وقت الذروة’ ضعف استيعاب الجراج’ إلي108000 متر مربع من الأسفلت, وبقسمة ذلك المسطح علي6 أمتار’ عرض الشارع’ يكون الناتج الكلي للطول اللازم للطريق الخادم للمشروع هو18000 متر, أي أن المشروع يحتاج علميا إلي18 كيلو متر طرق في المنطقة!
4 ـ يوجد شارعان حاليا بطول حوالي كيلو مترين حول المشروع, لذا يلزم إضافة16 كيلو مترا أخري تخدم المشروع المقترح, وهو ما يعني استقطاع مساحة مساوية من الأراضي الخضراء في الجزيرة!
5 ـ علي هذا ـ واستتباعا للاستنتاجات المتداعية من التفكير في ذلك المشروع الهندسي الضخم, والذي لم يذكر في المشروع ـ أن إضافة ذلك المسطح من الأسفلت الأسود سوف يضيف إلي المخزون الحراري اليومي المكتسب من أشعة الشمس ما قيمته108000 متر2*’470 وات وهو المستوعب من الطاقة الشمسية علي المتر المربع يوميا’ لكي تصل إلي حوالي50 ألف كيلو وات من الطاقة في اليوم!
6 ـ ذلك الناتج من الطاقة الطبيعية المضافة يتخلق بجوار الطاقة المنتظر إنتاجها من الأجهزة الصناعية الكهربائية اللازمة لتشغيل المحلات التجارية والسينمات والمطاعم المزودة بأجهزة التكييف وغيرها في المكان, وهي طاقة تضيف إلي مشكلة’ الجزيرة الدافئة’ فوق القاهرة ـ وهي ما تسمي’ السحابة السوداء’ في الصحف المحلية ـ تضيف أعباء فوق أعباء ليس لها حل حتي الآن في بلدنا!
ثانيا: ما يخص الضوضاء في الحضر:
أثبتت الدراسات أن أهم مصادر الضوضاء في البيئة الحضرية ـ المدن ـ هي ضوضاء المرور التي يفوق ضررها سائر المصادر من ضوضاء أماكن اللهو وضوضاء الإنشاءات وغيره لما تبثه من سموم, ولتزايد عدد المركبات بمعدل يفوق كثيرا المعدل النسبي لإنشاء الطرق وتعبيدها, وأضرار ضوضاء المرور كثيرة, منها ما يمس الجهاز السمعي والجهاز العصبي الذي قد ينتج عنه أمراض خطيرة تتراوح بين وهن حاسة السمع والإصابة بالسرطان, الذي بدأت آثاره تنتشر في الآونة الأخيرة, ومنها ما هو غير مباشر يؤدي إلي عدم القدرة علي التخاطب أو التفرغ للتفكير وإلي تداخل الأفكار واضطراب التعامل بين الأفراد!
وقد أدي تفاقم تلك الأضرار في السنوات الأخيرة إلي قيام هيئة الصحة العالمية بتحديد أقصي شدة لضوضاء المرور عند55 ـ63 ديسبل في الأحياء السكنية, وللمقارنة فإن شدة الضوضاء في أماكن النشاط القصوي من مراكز المدينة, مثل ميدان التحرير, قد تصل إلي120 ديسبل, ويشكل ضوضاء المرور محصلة للأصوات المنبعثة من محركات السيارات وأجهزة نقل وفصل الحركة وارتجاج هياكلها واحتكاك عجلاتها بالطرق, أضف إلي هذا أصوات غازات العوادم المنبعثة وآلات التنبيه إلي عوامل أخري مثل طبيعة القيادة والتغييرات المفاجئة للسرعة والاستخدام اللحظي للفرامل وغيرها!
من ناحية ثانية.. يمثل التلوث الحد الآخر للنصل ذي الحدين وهو السيارات, فقد أثبتت الدراسات أن السيارات تتسبب في انبعاث أكثر من50% من تلوث الهواء في الدول النامية غير الصناعية, كما ثبت أن كل سيارة من السيارات الخاصة متوسطة الحجم تقذف إلي الجو نحو60 م مكعب من غازات العوادم في الساعة الواحدة, وعلي ذلك نري الآتي:
في الساعة الواحدة, تقذف سيارات القاهرة في الجو ما قيمته120 مليون متر مكعب من غازات العوادم!
في اليوم تصل ملوثات عادم السيارات إلي حوالي بليون ونصف البليون متر مكعب من الغازات الملوثة!
وأيضا ثبت أن83% من أول أكسيد الكربون المنبعث في المدن يأتي من السيارات.
أما ما ينتج عن ذلك التلوث من سلبيات علي صحة الشعب المصري, فنذكر بعضا منها في الآتي:
يخل بالإدراك والتفكير, ويبطئ الانعكاس اللاإرادي, ويسبب النعاس, وقد يسبب فقدان الوعي والوفاة, وإذا استنشقته النساء الحوامل, فقد يهدد نمو الجنين وتطوره الذهني, ويؤثر علي الدورة الدموية والأجهزة التناسلية والعصبية والكلوية, ويشتبه في أنه يسبب النشاط المفرط ويقلل مقدرة التعلم لدي الأطفال, ويتراكم في العظام والأنسجة الأخري, ويسبب الإصابة بالانفلونزا, ويهيج الرئة, ويسبب الالتهاب الشعبي وفقر الدم, ويهيج الأغشية المخاطية في الجهاز التنِفَسٌ ي, ويسبب السعال والاختناق, ويعطل وظيفة الرئة, ويقلل المقاومة لنزلات البرد والالتهاب الشعبي, وانتفاخ الرئة, ويسبب السرطان, ومشكلات تناسلية, وعيوبا في النسل!
وإذا كان ما قيل أعلاه يهتم أساسا بالبيئة الخارجية.. فإن البيئة المنزلية في داخل المنزل لا تقل أهمية عن البيئة خارجه.. يأتي التلوث الداخلي من عوادم السيارات ومن أتربة الشوارع المثارة من حركة السيارات!
وهذه الملوثات تتسرب إلي بيوتنا عبر الفتحات والنوافذ.. وقد ثبت أن نصف الأتربة العالقة بالجو تتسرب إلي المسكن وتكمن خطورتها في حملها حبيبات الرصاص السامة الناتجة من عوادم السيارات.. وقد ثبت أيضا أن تركيز الرصاص بهواء البيوت ضعف تركيزه في الهواء خارج البيوت, وحبيبات الرصاص دقيقة الحجم يسهل استنشاقها فتترسب في الأجزاء السفلي من الرئتين, وعند ركود الهواء في المسكن, فإنها تسقط فوق الأطعمة لتدخل الجهاز الهضمي فتسبب تسمم الأطفال وتخلفا في تحصيل الدروس.. ونتيجة لهذا التلوث, أصبحنا مهددين بقائمة طويلة من الأمراض الخطيرة التي تؤثر علينا مثل التعب والإجهاد من أقل مجهود والوهن, ورفع نسبة السموم في الدم والتي تجهد الكبد وتؤثر علي المخ!
أما ما قد تم عالميا لمواجهة سلبيات انتشار الغازات الناتجة من الاحتراق الداخلي في محركات السيارات.. فقد تم التوصل إلي اتفاقيات لتقليل الانبعاثات من ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النتروجين تحت رعاية وكالة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا, ويطالب بروتوكول ثاني أكسيد الكبريت, الذي أقر في يوليو عام1985, بإجراء تخفيض نسبته30% في الانبعاثات أو تدفقاتها عبر الحدود من مستويات عام1980 بحلول عام1993, وتطالب اتفاقية أكاسيد النتروجين التي وقعت في نوفمبر عام1988 بتجميد الانبعاثات عند مستويات عام1978 بحلول عام1994!
أخيرا.. ننوه بأنه قد تم تقدير الخسارة المادية, أو التكلفة الاجتماعية المقابلة للملوثات المنتشرة في عملية تلوث هواء القاهرة بمبلغ7 ر1 بليون دولار, وذلك التقدير يمثل الحد الأدني لقيمة تدمير الصحة!
د. عادل يس
أستاذ العمارة بجامعة عين شمس
العميد السابق لمعهد الدراسات والبحوث البيئية
بجامعة عين شمس
وعَضّوِ المجالس القومية المتخصصة والمجلس الأعلي للثقافة
انتهي ملخص الدراسة العلمية التي أعدها متطوعا الدكتور عادل يس.. وأظن أن كلامه واضح ويقطع الشك باليقين بالنسبة للتلوث الشديد للبيئة فيما لو أقيم هذا المشروع الذي سيجلب للمنطقة يوميا آلاف السيارات القادمة للمجمع التجاري بما يشل حركة المرور وبما يلوث البيئة إضافة إلي التلوث الناجم عن مولدات التكييف الضخمة للمجمع.. بالإضافة إلي آلاف البشر الذين سيتوافدون يوميا إلي المجمع, وهؤلاء وحدهم تغيير للبيئة!
علي أي حال بقيت عندي ملاحظتان.. الأولي: واقعة مشابهة في الإسكندرية بمحاولة البناء علي أرض ناد وتصدي لها السيد محافظ الإسكندرية.. نعم المحافظ هو الذي تصدي لوقف البناء باعتباره مخالفا للقانون, ووصل الأمر للقضاء.. فقضت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بتأييد قرار محافظ الإسكندرية بسحب تراخيص بناء من أحد المستثمرين, مؤكدة أنه لا يجوز إصدار ترخيص بناء عمارات في أراضي النوادي الرياضية. صدر الحكم برئاسة المستشار حسين السماك وعَضّوِية المستشارين سعيد خليف وعلي إسماعيل!
والملاحظة الثانية.. أن مثل هذه المشروعات المتوقع لها خلق كوارث لا كارثة واحدة علي المجتمع.. يجب أن يتضمن ملف أوراقها تعهدا قانونيا رسميا من المسئول الحكومي الذي اخترعها وفرضها.. بتحمله المسئولية عنها فيما لو اتضح عمليا عند بدء عملها أنها بالفعل كارثة.. علي أن يعطي هذا التعهد الرسمي الحق القانوني لكل مواطن في ملاحقة هذا المسئول قضائيا.. سواء كان في الخدمة أو بعد خروجه للمعاش!
وللحديث بقية مادام في العمر بقية