** يوم30 يونيو.. يوم يستحق أن تحتفل مصر كلها به وليس قوات الدفاع الجوي المصري!. يوم30 يونيو1970 أدخلت مصر إلي الجبهة بقوة السلاح وعزيمة الرجال وإصرار الأبطال وشجاعة لا توجد كلمات تحكيها.. أدخلت حائط الصواريخ المضاد للطائرات رغما عن أنف الصهاينة وعن ترسانتهم الجوية الجبارة وأقمار التجسس التي في خدمتهم ليل نهار!. في يوم30 يونيو صاروخ من دفاع مصر الجوي أسقط أول طائرة فانتوم في انتصار هائل مذهل لعقلية المقاتل المصري علي أحدث ما وصل إليه العلم من تكنولوجيا داخل الطائرة الفانتوم!. يوم30 يونيو يوم عيد الدفاع الجوي حدوتة مصرية رائعة تعالوا نقرأ سطورها من البداية.
عندما حلق الطيران الحربي في السماء ظهر الدفاع الجوي علي الأرض ليبدأ الصراع بين نسور الجو ودفاعات الجو.. بدأ من لحظة نجاح الأخوين رايت في الطيران ونجاحهما سجل ميلاد الطيران الحربي وبظهور طائرات في السماء وجدت المدافع علي الأرض وسنة1880 تم تصنيع أول مدفع ميدان مجهز لضرب أهداف جوية, وفي عام1902 صنعت روسيا أول مدفع مضاد للطائرات عيار3 بوصة, ومن هذا التاريخ انطلقت أسلحة الدفاع الجوي ومع الوقت تطورت وإلي جوار المدفعية ظهرت الصواريخ.. ودخل المحلقون في السماء والمدافعون عن الأرض في سباق تطوير لا يتوقف علي أمل أن يفرض أحدهما إرادته علي الآخر!
مصر عرفت الدفاع الجوي بعد معاهدة36 وعام1937 شهد تشكيل أول بطاريات مدفعية مضادة للطائرات وقسم الأنوار الكاشفة, وعام1960 زار المشير عبدالحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة المصرية الاتحاد السوفيتي ومطلبه الوحيد الحصول علي صواريخ مضادة للطائرات, ونجحت الزيارة, وعام1962 وصلت إلي مصر مجموعة خبراء روس عددهم202 خبير معهم36 مترجما وبعد أن انتهوا من عملهم وصلت مصر أول شحنة صواريخ سام2 الروسية المضادة للطائرات وبوصولها تشكلت أربعة ألوية صواريخ دفاع جوي, ومن هذا اليوم أصبحت لـ مصر قوات قادرة بحق علي الدفاع عن سماء مصر وغطاء أمان لقوات مصر البرية.. هذا الوقت أشار لنا إلي أهمية الدفاع الجوي وهذه الأهمية ما كانت ستحدث ولا ستجيء لولا زيارة المشير عامر للاتحاد السوفيتي التي أدخلت الصواريخ للدفاع الجوي المصري فيما عرف وقتها بمشروع عامر.
وجاءت حرب1967 والهزيمة القاسية لنا ونحن الذين فعلنا هذا في أنِفَسٌ نا.. ما علينا!. وبالطبع حصل الدفاع الجوي علي نصيبه من الهزيمة وخسر قرابة الـ50% من إجمالي تسليحه والخسارة الأفدح84 شهيدا!. وأيضا بدأ الدفاع الجوي إعادة بناء قواته وفي أول فبراير1968 صدر قرار جمهوري بإنشاء قوات الدفاع الجوي واعتبارها أحد الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة, وقبل هذا الوقت كانت تبعية هذا السلاح للقوات الجوية!
مرت شهور1968 ووصلنا عام1969 وفيه صدر قرار حرب الاستنزاف لأجل ألا يهنأ الصهاينة في سيناء بيوم واحد ينامون فيه نتيجة العمليات الفدائية للقوات الخاصة المصرية وتحضيرات المدفعية, وبالطبع كان الهدف الرئيسي من حرب الاستنزاف هو تطعيم جيش مصر بالحرب للحرب.. أي إتاحة الفرصة لكل الوحدات للقيام بعمليات ضد العدو, وهذا معناه اقتحام للقناة وتخطي الساتر الترابي واختراق خط بارليف وتنفيذ المهمة والعودة مرة أخري لغرب القناة.. ومن يقوم بذلك يكون قد تم تطعيمه للحرب بمواقف من التي ستحدث في الحرب!. العمليات كل يوم وحرب الاستنزاف استمرت500 يوم كمائن وإغارات واشتباكات ونسف وتدمير علي العدو لأجل استنزاف دمه وأعصابه وقوته وثقته وخلال أشهر مايو ويونيو ويوليو1969 بلغت خسائر العدو البشرية108 أفراد بين قتيل وأسير, وفي المقابل لم يعرف الصهاينة ماذا يفعلون أو كيف يردون؟
نحن في الربع الأخير من سنة1969 والعدو يفكر علي محورين.. الأول رد موجع يوجع المصريين والثاني البحث عن طريقة لوقف حرب الاستنزاف.. وخلال الاجتماعات التي لا تتوقف لصقور الصهاينة عيزرا وايزمان رئيس عمليات جيش العدو وقتها قال مقولته الشهيرة: من يملك السماء يملك الأرض ونحن نملك السماء ولابد من ضربة جوية موجعة للمصريين.. وبدأ تنفيذ الخطة بوكسير بتوجيه غارات جوية متلاحقة علي القوات المصرية في جبهة القناة, وجاء العبء الأكبر علي عاتق الدفاع الجوي المصري المطلوب منه منع هذه الغارات!
وقتها الدفاع الجوي الموجود في الجبهة أول عن آخر ست كتائب دفينا( صواريخ) ومعها عدد من وحدات المدفعية المضادة للطيران ومقابلها الصهاينة لديهم فوق الـ300 طائرة قتال حديثة وطيارو العدو يعرفون مواقع دفاعنا الجوي ويعرفون إمكاناتها القتالية.. يعرفون أن صواريخ دفينا ليس بإمكانها التعامل مع الطيران المنخفض.. ويعرفون أن كتيبة الصواريخ المصرية ليس بإمكانها التعامل مع أكثر من هدف في وقت واحد.. ولهذا كانوا يهاجموننا بطيران منخفض وبتشكيلات تهاجم من كل الجهات.. يهاجمون بشراسة لأجل انسحاب كتائب الصواريخ من الجبهة ويوم20 يوليو1969 هاجمت46 طائرة ميراج وسكاي هوك كتيبة الصواريخ الوحيدة الموجودة في بورسعيد ويومها قصفت وأسقطت الطائرات الصهيونية أكثر من30 طن صواريخ ومتفجرات علي كتيبة الصواريخ المصرية التي استشهد قائدها الرائد رجب عباس في هذه المعركة غير المتكافئة لتواضع إمكانات الصواريخ في مواجهة تكنولوجيا الطائرات!
المهم أن الصهاينة ضاعفوا هجماتهم علي كتائب الصواريخ انتقاما مما يحدث لهم في سيناء بحرب الاستنزاف.. وتكبدت كتائب الدفاع الجوي خسائر في الأرواح والمعدات.. ورغم صعوبة وشراسة المعارك اكتسبت قوات الدفاع الجوي مع كل اشتباك خبرة وصمودا وجرأة وحافزا يكبر يوما بعد يوم للانتقام عندما يأتي اليوم!.. في هذا الوقت وتحديدا خلال الفترة من20 يوليو وحتي أول سبتمبر قام الطيران الصهيوني بأكثر من ألف طلعة جوية علي الجبهة.. والمحصلة!
حاييم بارليف رئيس الأركان صرح بقوله: إنه ليست لدينا القوة في الوقت الحالي لإيقاف حرب الاستنزاف!. هذا قائد عسكري كبير يعترف بأنهم فشلوا رغم ما يملكون.. والذي يملكونه ترسانة أسلحة أمريكية وغربية أبوابها مفتوحة للإمداد حيث لا مشكلة في ذخيرة ولا في صواريخ ولا في قنابل ولا في قطع غيار ولا حتي طائرات بطيارين, وفي المقابل نحن لا نملك هذا التميز وكل الذي نملكه مقاتلون لا يخشون الموت يقومون بعمليات فدائية ليل نهار في سيناء وكل اعتمادهم علي الله وعلي ما أعطاهم من شجاعة وجلد وشموخ وعقيدة راسخة بأنهم يقاتلون عن حق لأجل أرض وشرف وعرض.. والموت لا مكان له في عقولهم وقلوبهم!
وفي9 سبتمبر1969 بدأ وصول طائرات الفانتوم واشتدت الهجمات الجوية شراسة, ويوم25 ديسمبر نفذ الصهاينة أعنف هجوم جوي منذ حرب1967 من خلال192 طلعة جوية علي كتائب الصواريخ المصرية.. وبات واضحا للقيادة المصرية أن العائد من وجود هذه الكتائب علي الجبهة لا يقارن بخسائرها وعليه صدر قرار إخلائها من القناة وانطوت سنة1969 وحرب الاستنزاف قائمة وخسائر العدو هائلة ومحاولات إيقافها انتهت بالفشل!
عادت كتائب صواريخ الدفاع الجوي إلي المواقع التي تسمح لها بمراجعة الدروس المستفادة من سنة1969.. وثبت يقينا أن سنة1969 ومعاركها كانت أفضل تطعيم للدفاع الجوي ضد الحرب استعدادا للحرب!. خبرات هائلة اكتسبوها وأتوقف هنا أمام أربع مشكلات أظهرتها معارك سنة1969 وكثرة الاشتباكات أكسبت مقاتلينا تطعيما ضدها ودفعت مقاتلينا لإيجاد حلول لها ولما يواجههم من مشكلات!
الصاروخ شرايك المضاد للرادارات مشكلة لأنه يطلق من الطائرة علي شعاع الرادار وبلغة الدفاع الجوي يركب شعاع الرادار الذي يأخذه مباشرة إلي هوائي الرادار ويدمره!. الطائرة الصهيونية تطلق الصاروخ شرايك من علي بعد20 كيلومترا, وما إن انطلق وركب شعاع الرادار المصري انتهي الأمر وتدمر الهوائي خلال سبع أو ثماني ثوان فقط!. ضباط الدفاع الجوي المصريون عقلياتهم فذة وقدراتهم العلمية بلا حدود لأن الظروف أجبرتنا علي أن نعتمد علي أنِفَسٌ نا وعلي الكم والكيف الموجودين والمتاحين من السلاح وعلينا أن نطور نحن ونحل المشكلات نحن عن قناعة بأن عقولنا لا تقل عن عقولهم إن لم تكن أفضل!المصريون ليس لهم حل لذلك وجدوا الحل بتغيير وضع الهوائي180 درجة ومعه يتغير مسار الشعاع ومعه الصاروخ يركب الهواء بلغة أولاد البلد ويذهب بعيدا!
المشكلة الثانية كانت أجهزة الإنذار في الطائرة الفانتوم وأحدها ينبه الطيار الصهيوني لحظة إطلاق صاروخ مصري عليه فيقوم بتغيير اتجاهه ويهرب من الصاروخ.. فماذا فعل مقاتلو الدفاع الجوي!. توصلوا إلي حيلة بمقتضاها ضحكوا علي أحدث تكنولوجيا في العالم بإطلاق إلكتروني كاذب لصاروخ يعطي نِفَسٌ الإشارات التي تصدر عند إطلاق صاروخ حقيقي فيتعامل معها جهاز الإنذار في الفانتوم ويعطي إنذاره للطيار الذي يغير وجهته وفي هذه اللحظة يفاجئونه بالصاروخ الحقيقي.
المشكلة الثالثة تمثلت في مستودعات الإعاقة الإلكترونية بالطائرة الفانتوم وتشمل أنواعا كثيرة من الأجهزة ذات الترددات المختلفة التي ترسل موجات من الإشارات للهوائيات المصرية لتضليلها عن الموقع الحقيقي للطائرة وأيضا هذه الحيلة المتطورة تكنولوجيا وجدت عقولا لا تعرف المستحيل ونجحت في إيجاد أساليب أحدث تفوقت علي أسلوب الإعاقة الموجود في الفانتوم!
الطيران المنخفض مشكلة لأن كتائب الصواريخ الموجودة لدينا وقتها تتعامل فقط مع الطيران العالي.. لكن المشكلة انتهت بوصول الصواريخ سام3 بتشورا من الاتحاد السوفيتي وهي قادرة علي إسقاط أي طائرة حتي لو كانت فوق الأرض بمتر واحد!
عشرات الغارات التي شنها العدو علي كتائب الدفاع الجوي قبل إخلائها.. حققت خسائر وحققت أيضا لمقاتلينا خبرة كان مستحيلا معرفتها والتعرف عليها إلا من المعارك التي خرجنا منها بمعرفة تامة لفكر عدونا وقدرة هائلة علي توقع ردود فعله.. وعندما تعرف أسلوب تفكير عدوك ورد فعله يصبح سهلا عليك أن تفاجئه بأفضل استعداد!. هذه المعارك عرفنا منها أن العدو علي درجة كفاءة عالية ولديه أسلحة متطورة يعرف جيدا كيف يستخدمها.. وعرفنا من هذه المعارك أيضا عن يقين أن العدو ليس أسطورة كما يزعمون, وأننا نقدر علي هزيمته!
وصلنا إلي يناير1970 وحرب الاستنزاف قائمة رغم كل الضغوط المبذولة من دول كثيرة لأجل إيقافها!. الجبهة لم يعد عليها كتائب الصواريخ وقرار إخلائها سليم ولأسباب سنعرفها فيما بعد إلا أن خروجها من الجبهة كان معناه إعطاء الحرية للطيران الصهيوني لقصف قواتنا باعتبار المدفعية المضادة للطائرات لن توفر الفعالية الكاملة ولا الوقاية التامة!. ومعناه ثانيا وجود ممرات آمنة لطيران العدو ليدخل إلي العمق المصري وقصف أهداف مدنية أو عسكرية مثلما حدث في بحر البقر!. والمعني الثالث وهو الأهم.. استحالة اقتحام القناة في حرب شاملة دون غطاء جوي بصواريخ الدفاع الجوي!
المعاني الثلاثة التي ذكرتها كانت معروفة جيدا للقيادة السياسية التي تحت يديها خطة قدمتها قيادة قوات الدفاع الجوي تهدف إلي بناء دفاع جوي جديد في الجبهة, وهذا ما دفعها إلي إخلاء كتائب الصواريخ لأجل إعادة تشكيلها ودعمها لتكون نواة الدفاع الجوي الجديد الذي هدفه بسط سيطرته إلي أقصي مسافة شرق القناة ويقدر علي الصمود أمام طيران العدو الذي ظن أن أحدا لن يقدر علي الصمود أمامه!
الدفاع الجوي الجديد مطلوب له أسلحة ومعدات جديدة ومتطورة.. ومطلوب له مواقع خرسانية محصنة تحميه من طائرات العدو!
مشكلة السلاح المتطور وذخيرته وقطع غياره تولاها الرئيس عبدالناصر الذي سافر يوم22 يناير1970 إلي موسكو ولم تكن المسألة سهلة لأن اجتماعات الكرملين عاصفة ساخنة, ونجح ناصر في إقناع القيادة السوفيتية بإمداد مصر بكتائب صواريخ بتشورا وصواريخ ستريلا ومدافع23 مم الرباعية ووحدات رادار.. وانتهت مشكلة سلاح وبقيت مشكلة الأطقم التي ستعمل علي هذا السلاح والمشكلة أن التدريب يستغرق شهورا!
إنشاء المواقع الحصينة اتضح أنه معركة شرسة وليس مجرد مشكلة.. وعندما بدأت مصر البناء خرج صقور الصهاينة علي العالم كله بتصريحات ثلاثة لكل من: إيجال ألون نائب جولدا مائير رئيسة الوزراء وموشي ديان وزير الدفاع وحاييم بارليف رئيس الأركان.. الثلاثة قالوا: لن نسمح بإدخال الصواريخ المضادة للطائرات المصرية إلي الجبهة وسيواصلون القصف الجوي لمنع بناء المواقع المحصنة, لأن إقامتها سيوفر لمصر قدرات هجومية وسيوجد لديها شعورا بالحرية لفعل ما تريد.
تصريحات مغرورة وقحة لأن المواقع التي تبنيها مصر هي علي أرض مصرية وفي غرب القناة التي عليها قوات مصرية.. لكن ماذا نقول للغرور الذي تحميه الإرادة الدولية؟
هذه أيام فارقة في تاريخ مصر وفيها تجلت عظمة وشجاعة وجرأة المصريين.. جيشا وشعبا لأن بناء هذه الحصون قضية حياة أو موت بالنسبة لنا.. لأنه لا حرب ولا اقتحام للقناة دون دفاع جوي, ولن يدخل الدفاع الجوي الجبهة إلا ببناء الحصون.. وبدأت أعنف معركة خاضها شعب وجيش مصر!
شركات البناء الكبيرة.. المقاولون العرب وحسن علام ومختار إبراهيم وشركات أخري.. كلها بمهندسيها وفنييها وعمالها مع مقاتلي الدفاع الجوي وسلاح المهندسين يعملون طوال الليل ويتوقفون طوال النهار, لأن الغارات لا تتوقف لحظة!. نحن نبني بالليل وهم يهدمون بالنهار.. ومع هذا نجحنا نحن وفشلوا هم, رغم أنهم نفذوا332 غارة جوية علي مواقع البناء وخلالها وقع شهداء مدنيون وعسكريون!
حرب الاستنزاف قائمة في سيناء والحرب علي حصون الدفاع الجوي قائمة غرب القناة حتي إن الأمر بدا وكأن الصراع انحصر بين الدفاع الجوي المصري والطيران الحربي الصهيوني!
يوم9 أبريل اجتمع الرئيس عبدالناصر مع أربعة من قادة كتائب الدفاع الجوي في حضور وزير الدفاع ورئيس الأركان وقائد الدفاع الجوي, وبدأ الاجتماع في السابعة مساء وانتهي في الثالثة صباحا, وتكرر نفس الاجتماع لنِفَسٌ المدة يوم16 أبريل!
الاجتماع ناقش الوضع ووضع يده علي المشكلة وهي عربدة الطيران الصهيوني دون ردع فاعل!. أطقم السلاح الجديد التي تتدرب في الاتحاد السوفيتي لن تحضر إلا في أغسطس!. صعوبة قبول هذا الواقع!. صعوبة إعادة نشر كتائب الصواريخ(8 كتائب) علي الجبهة دون وجود الحصون الخرسانية, وفي نِفَسٌ الوقت صعوبة بناء الحصون دون حماية من كتائب الصواريخ!
انتهي الأمر إلي حل مؤقت وهو عمل كمائن بكتائب الصواريخ في طريق دخول الطيران الصهيوني والعودة بعد الاشتباك إلي أماكنها بسرعة.. ونجح هذا الحل وأوقع خسائر في العدو لكنه لم يكن بديلا عن الخطة الأصلية وهي دفاع جوي جديد دائم في الجبهة!
الوقت دقيق والصعوبات تكاد تكون مستحيلة وعربدة الطيران الصهيوني مستمرة والحل الأوحد هو المستحيل بعينه, فكيف ندخل إلي الجبهة حائط صواريخ مصريا يكون دفاع مصر الجوي القائم والثابت في خط النار لحماية جيش مصر وسماء مصر؟
الرجال يواصلون الليل بالنهار في اجتماعاتهم التي تبحث آلاف التفصيلات التي سيقوم عليها ويستند إليها القرار المستحيل.. الذي استعرض تفاصيل التفاصيل لأننا نتكلم عن تكنولوجيا متطورة مطلوب إخضاعها لأوضاع جديدة!. نتكلم عن أجهزة ومعدات دقيقة حساسة تعمل في ظروف خاصة ومناخ خاص, ومطلوب حلول لأجل أن تعمل في وضع مختلف جذريا!. نتكلم عن شبكة اتصالات داخلية وخارجية تقنيتها عالية جدا وكفاءة عملها مرتبطة بمتطلبات مكانها, ومطلوب أن تقام هذه الشبكة وتربط هذه الشبكة وتعمل هذه الشبكة في لا وقت وتحت القصف الجوي!. نتكلم عن حصون وعن إمداد وعن بنود لا حصر لها وعن غاية السرية في التكتم وغاية السرعة في التنفيذ!. كل هذه الإجراءات والمفردات والتفصيلات انصهرت في خطة جاهزة للتنفيذ يوم24 يونيو1970.
ــ يوم25 يونيو: ثماني كتائب صواريخ دفينا تم تمركزها بين بلبيس شمالا وعلامة الكيلو30 طريق السويس جنوبا والتعليمات منع الإشعاع تماما في كل الاتجاهات منعا لرصدها إلكترونيا!. لا أحد يعرف موعد التحرك للجبهة!
ــ يوم28 يونيو: المهندسون العسكريون بدأوا التجهيز الميداني للمواقع المخططة وقبل أن تغرب الشمس انتهوا من عملهم.
علي جانب آخر بدأت في الرابعة بعد الظهر عملية تلقين التحرك للكتائب الأربع التي تحركت بالفعل مع آخر ضوء إلي مواقعها في الجبهة, والتحرك ونحن نتكلم عن مسافة تقترب من الـ40 كيلومترا والوصول وتجهيز المعدات للاشتباك وتركيب الهوائيات, كل هذا تم في إضاءة مقيدة بالبطاريات وفي صمت لاسلكي تام!
ــ فجر يوم29 يونيو: الكتائب الأربع في مواقعها وجاهزة للاشتباك ودخلت منظومة تعاون نيران الدفاع عن القاهرة.
ــ آخر ضوء يوم29 يونيو: تحركت الكتائب الأربع الأخري واحتلت مواقعها وقبل أن يرحل الليل الكتائب جاهزة للاشتباك ودخلت منظومة الدفاع الجوي عن القاهرة!
ــ يوم30 يونيو: في الجبهة الآن تجمع جديد لقوات الدفاع الجوي شكلت حائط صواريخ أنا لن أتكلم عنه لكن أترك شهادة اثنين من الخبراء العسكريين في هذا المجال أحدهما أمريكي واسمه لورانس والثاني صهيوني واسمه زيف وكلامهما منشور في مرجعين الأول حرب القناة والثاني اسمه فانتوم فوق النيل.. جوز الخبراء قالا:
شبكة الدفاع الجديدة تتمركز في مستطيل طوله70 كيلومترا من غرب الإسماعيلية شمالا وحتي طريق السويس جنوبا بعمق30 كيلومترا وأقرب كتائبه علي بعد23 كيلومترا من القناة. هذه الشبكة توفر مظلة دفاع جوي بمواجهة110 كيلومترات من الشمال إلي الجنوب بموازاة القناة وبعمق70 كيلومترا من الشرق إلي الغرب. ورغم أن الكتائب تتمركز في مواقع سريعة التجهيز فإنها شكلت تجمعا متكاملا متعاونا بالنيران والطائرة التي تهاجم موقعا تتعرض لنيران ثلاثة أو أربعة صواريخ أخري من كل الاتجاهات. والطيران المنخفض يجد نِفَسٌ ه أمام نيران صواريخ الضبع الأسود التي تتعامل مع الطيران المنخفض وتجبر الطيار علي الارتفاع ليتفاداها فيدخل في نطاق نيران الصواريخ!. التجمع الجديد أصبح قادرا علي تقديم الحماية للقوات البرية في الجبهة وتقديم الحماية للعاملين في بناء المواقع المحصنة باستثناء شريط عرضه عشرة كيلومترات غرب القناة.
تلك كانت شهادتهم التي تؤكد وجود حائط صواريخ علي الجبهة!.
نحن في يوم30 يونيو1970 وهذا اليوم بالنسبة لنا مختلف تماما عن كل ما سبقه من أيام ولابد أن يكون مختلفا لأن لمصر منذ هذا الصباح حائط صواريخ قادرا علي منع العربدة الصهيونية في سماء مصر!. هذه هي الحقيقة التي رفضت الغطرسة الصهيونية أن تفهمها وراحت تمارس نِفَسٌ لعبة العربدة الجوية.. فماذا حدث؟.
في صباح يوم30 يونيو حلقت طائرة استطلاع صهيونية ورصدت أجهزة الرادار موقعها حيث تحلق علي ارتفاع12 كيلومترا وعلي حدود مدي نيراننا وبالفعل اشتبكت معها الكتيبة416 بصاروخ فلتت منه الطائرة وعادت لقواعدها لكن هذه المرة بالنبأ اليقين.. المصريون شيدوا حائط صواريخهم!.
حائط الصواريخ المصري توقع الهجوم واستعد للرد ومرت الثواني ببطء وليس الدقائق والساعات.. وبعد آخر ضوء رصدت الرادارات المصرية24 طائرة صهيونية قادمة لأجل تحطيم حائط الصواريخ وهذا فكرها وغرضها وحلمها, لكن أبدا لن يتحقق وفي صدور الرجال.. رجال الدفاع الجوي قلوب تنبض!
معركة هائلة نشبت بين الأربع والعشرين طائرة وبين حائط الصواريخ المصري علي مواجهة110 كيلومترات وأسقط الدفاع الجوي المصري أربع طائرات.. اثنتين فانتوم واثنتين سكاي هوك وشهد يوم30 يونيو سقوط أول طائرة فانتوم بصاروخ مصري وتم أسر أربعة طيارين صهاينة!
يوم30 يونيو انتهي الأمر بعد أن عرف الصهاينة يقينا أن للمصريين دفاعا جويا قادرا علي الردع, وفي أول مواجهة حقيقية أسقط أربع طائرات وأسر أربعة طيارين!. عرف الصهاينة أن السماء علي القناة لم تعد متاحة ولا مباحة!. أيقن الصهاينة أنه لا شيء في السماء بعيد عن متناول المصريين ابتداء من30 يونيو!
وجاء شهر يوليو ويبدو أن الصهاينة أرادوا المغامرة بشيء ستتوقف عليه أشياء!. أرادوا التأكد من حقيقة هي مستحيلة.. حقيقة إقامة المصريين لحائط صواريخ دفاع جوي في الجبهة!. الصهاينة لا يعرفون هو حلم أم علم.. خيال أم حقيقة.. هل حقا علي الجبهة حائط صواريخ مصري.. هل فعلها المصريون.. كيف والأمر مستحيل بكل الطرق وكل اللغات!. خلاصة القول أراد الصهاينة القيام بهجوم جوي وبعدها يكون قرارهم الأخير!
فعلوها وجاء الرد منا عليهم كالضرب علي القفا!. الدفاع الجوي المصري أسقط عشر طائرات صهيونية.. خمس في عين العدو فانتوم وهي آخر ما ابتكرت أمريكا.. وخمس أخري في العين الأخري سكاي هوك وخمسة ثالثة في عين العدو أيضا من الطيارين الصهاينة الأسري!
بعد الخمسات الثلاث.. خمس فانتوم وخمس سكاي هوك وخمسة طيارين أسري.. بعدها قال العدو حقي برقبتي.. ألا تكفي حرب الاستنزاف حتي تخرج علينا حرب الدفاع الجوي! العدو الصهيوني استعان بصديق لأجل إعادة طرح مبادرة روجزر لإيقاف النار التي رفضها الصهاينة بعد يونيو1967!. أمريكا أعادت طرح مبادرة روجرز بعد أن دخلت حرب الاستنزاف مرحلة استنزاف أرواح الصهاينة وبعد أن أدخل الدفاع الجوي حائط صواريخه للجبهة.. مسقطا أي طائرات حتي ولو كانت فانتوم!
مصر رفضت أن تكون المبادرة منها لقبول المبادرة وقبل الصهاينة أن يبادروا هم بالقبول وهذا علي خلاف الغطرسة الصهيونية, لكنهم قبلوا لأن القوات الخاصة المصرية لا تهدأ وحائط صواريخ الدفاع الجوي لا يرحم!
يوم7 أغسطس وقبل إعلان وقف إطلاق النار يوم8 أكتوبر.. مصر تقدمت بحائط الصواريخ المصري30 كيلومترا تجاه القناة وأضافت أربع كتائب أخري للحائط, وبذلك باتت قناة السويس سماؤها مؤمنة بصواريخ دفاع مصر الجوي, وهذا أمر هائل ظهرت أهميته وقيمته وفعاليته فيما بعد! وهذه حكاية أخري!
تحية لرجال الدفاع الجوي في عيدهم.
تحية لأرواح شهدائهم.
تحية إلي جيش مصر العظيم في الأمس واليوم وفي الغد وكل غد!