كانوا يجلسون ليلاً أمام جهاز التليفزيون بشاشته الكبيرة وسط هذا البهو الفسيح في شقة أحدهم المزينة بالألوان الذهبية التي تُضفي علي المكان فخامة الفجاجة، وضعوا شريط الفيديو في الجهاز وعبر ثرثرة وتمتمة ورشفات الشاي والحاجة الساقعة تبدأ صور الشريط في الظهور، هو تسجيل فيديو لساعة افتتاح الرئيس لمشروع أو كوبري يسجله سكرتير أرفعهم مسئولية من تليفزيون المكتب أثناء البث المباشر حتي يضمنوه كاملاً بدون محذوفات المونتاج، فربما يخلو عرضه في نشرة السادسة مما يبحثون عنه ويلتقطونه من الحدث والحديث، حيث إن وزير الإعلام يقصقص الأحداث ويحذف طبقًا لمحبته للبعض فيداري غضبة الرئيس عليهم، أو كراهيته للبعض فيبرز غضبة الرئيس عليهم ويكررها حتي يشتكي له أحدهم أو يشتكي منه إليه، يجلسون في هذه الجلسة منتبهين أمام الفيديو يتابعون حركة المصاحبين للرئيس والماشين خلفه كيف يعاملهم؟ ماذا قال لهم؟ هل ابتسم؟ هل داعب؟ هل خص أحدًا بكلمة زيادة؟ هل رمي لفظًا ناقدًا متهكمًا؟
يطلب كبير الجلسة وصاحب المنزل أن يعيدوا لقطة، يعيدونها وهم يمعنون فحصًا بحثًا عن سر الإعادة، يبتسم الرجل ويطلب إعادتها مرة أخري، يسألهم :أخذتم بالكم؟!
يستحثهم..
- خدوا بالكم من فلان!
لا يأخذون بالهم .
يرفع يده علامة عبقرية تجاوزهم جميعًا ويطلب إعادة الشريط للقطات سابقة لنِفَسٌ الشخص مع الرئيس، ثم يطلب عرضها بالبطيء، فيبطئون الصورة.
يسألهم: أخدتم بالكم؟!
يبلغ بهم الشوق مبلغه لمعرفة ما عرفه.
تنهد هو قائلاً: فلان تغير ونسي وعشان كده ح يتشال من منصبه بعد أسابيع قليلة،
سألوه: ليه؟! فأجاب:
- كلنا لما بنروح مع الرئيس أي مكان ونمشي معاه فكلنا نمشي وراه، مفيش حد مننا يمشي جنبه أو كتفًا بكتف، لازم نترك خطوة أو خطوتين خلفه، هو كده مقام الرئاسة وعلامات الطاعة بأننا تابعون له ونمشي وراءه .
التفت للشريط الذي ثبتوا صورته الآن، وقال :
- شغلوا بقي الشريط وشوفوا.
شغلوه فهتفوا:
- يا نهار أسود الراجل ماشي كتفًا بكتف وخطوة بخطوة ولا هَمّه.
بعدها بأسابيع خرج الرجل في مفاجأة مدوية من الوزارة!