تعجبنى شهادة أولاد البلد المصريين حين يقولون.. العراق كانت سبب سعد الملايين فى مصر.. فتحت لهم أبواب العمل والرزق.. الآن جاء دورنا لكى نقف معهم فى محنتهم.. ومن يقول إن مدينة السادس من أكتوبر تحولت إلى مستعمرة عراقية إنما يريد أن يضرب إسفينا بيننا ويقطع عروق المحبة.. ولا أفهم لصالح مَنْ هذا الكلام..
مرة يقولون إن العراقيين هم السبب فى ارتفاع أسعار الشقق والأراضى.. ومرة أخرى هم السبب فى غلاء أسعار الأكل والشرب.. معاهم فلوس وتجار شطار.. وحيولعوا أسعار كل شىء.. العراقيون أهالينا وأصدقاؤنا وشركاء فى الهم العربى السياسى، وفى الهم الإبداعى أيضاً.
زارنى مؤخراً الشاعر العراقى باسم فرات.. والفنان التشكيلى جون باقشيان.. الأخير فى المنافى منذ خمسين عاماً.. والأول قرابة عشرين عاماً.. وجون أرمنى الأصل.. ولكنه يحلم كل ليلة بعراق الطفولة.. ويترجم أحلامه فى لوحاته التشكيلية.. وكله أمل أن يعود لبلاده مرة أخرى ويعزمنى على الشاى فى مقهى «أبونواس».. أو فى شارع الرشيد.. أو فى الأعظمية أو ربما على شاطئ دجلة أو الفرات..
أعود بذاكرتى للوراء وأتذكر شعراء وأصدقاء عراقيين جميلين.. عبدالوهاب البياتى وبلند الحيدرى وجبرا إبراهيم جبرا.. والفنان التشكيلى جواد سليم.. هم مع فارق السن يشعرونك بصداقة حقيقية.. ويتواصلون معك إبداعياً من قريب ومن بعيد.. فى بغداد كانت لنا ذكريات جميلة.. وكان صديقى الشاعر عدنان الصايغ يقيم يومياً حفل توأمة مع الشعراء المصريين محبة وانحيازاً.
لعن الله السياسة أفسدت كل شىء.. وانفرطت عقود الصداقة بين العراقيين والمصريين والعرب، مرة بسبب الأمريكان ومرة بسبب صدام.. العراقيون غاضبون منا جميعاً.. من الجماهير العربية ومن المثقفين العرب.. ومن جامعة الدول العربية.. ونحن نعرف الأسباب..
لقد تخلى عنهم الجميع.. إنهم يحاربون وحدهم ويموتون وحدهم يومياً.. موتا مجانياً.. وحزنهم الأكبر ليس على موت شهدائهم.. ولكن على موت القومية العربية.. التى راهنوا عليها بجنون.. كان احتلال أمريكا للعراق فرصة سعيدة لإسرائيل لكى تنكل بالشعب الفلسطينى فى غزة وفى رام الله وفى القدس وفى كل مكان ولا مكان أيضاً.
أيها العراقيون سامحونا.. لقد اتسع الخرق على الراتق.. التمزقات فى الثوب العربى تكاثرت واتسعت.. والخياط عاجز عن أن يفعل شيئاً.. الآن العراقيون مهاجرون فى بلاد الدنيا.. فهل لهم من أنصار؟!.. ليتنا تعلمنا من قصة المهاجرين والانصار أيام الرسول عليه الصلاة والسلام.. ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له..
الاستعمار يزرع بيننا العداوة والبغضاء.. ويوهم الناس أن العراقيين فيهم مليونيرات وكذلك الفلسطينيون.. وأنهم لا يحتاجون ملايين.. المساعدة أو الدعم.. مغالطات يجب مراجعتها ومهاترات يجب التوقف عنها فوراً.. كلنا مطالبون بتقديم يد العون إلى الفلسطينيين وإلى العراقيين فى الداخل وفى الخارج.. إننى أكره وسوسات الشيطان التى تقعدنا عن فعل الواجب وفعل الخيرات عندما تتهامس أصوات بأن المعونات والتبرعات سوف تُسرق وتُنهب، وبالتالى لا نتبرع ولا ندعم إخواننا فى محنتهم.. الكلام هنا ليس للحكومات ولكن لنا كجماهير.. لقد اكتفينا بالتعاطف والغناء فقط.. ورددنا فى لوعة وحسرة: يقولون ليلى بالعراق مريضة فياليتنى كنت الطبيب المداويا.