ليس المقصود هو عم صلاح جاهين ولا عم صلاح عبدالصبور ولا عمنا الأكبر صلاح الدين الأيوبى.. ولكنه عم صلاح آخر، عبارة عن مستشفى آخر يمشى على قدمين.. ثلاثة وسبعون عاماً، يتحرك على عكازين، يرتدى جلبابا رمادياً «المفروض أن لونه أبيض أصلاً».. وفى يده زجاجة مياه لا تفارقه وكيس دواء.. ما هى حكايتك يا عم صلاح؟!..
أبداً.. أنا شلت المعدة ثلاث مرات «يقصد استئصال جزء من المعدة».. سلامتك.. ألف سلامة.. وشايل الطحال.. ربنا يشفيك.. وعندى مشاكل فى الكبد.. وأخيراً السكر.. ولكن كل ذلك ليس مهماً.. المشكلة عندى هذه الأيام هى الروماتويد.. بس شوف إيديا شكلها إيه.. وطبعاً رجلى وارمة لأن كان فيها جلطة بعيد عنك.. برده ليست هذه هى المشكلة.. المشكلة أن الحكومة أصدرت قرار إزالة للبيت الذى أعيش فيه فى الدرب الأحمر.. حصل تنكيس وسابوا البيت لم يتهدم حتى الآن.. لكنهم طردونا.. وأنا أعيش حالياً بلا مأوى.. وأين تعيش؟..
أبداً.. أنام فى القهوة أو أنام فى الجامع.. والأكل والشرب؟.. ربنا لا ينسى أحداً.. ولاد الحلال كل يوم يأتون إلى بالجرائد والمجلات أبيعها وأكسب منها قرشين واهى ماشية.. ماذا تريد يا عم صلاح.. بماذا تحلم؟.. الستر والصحة واللهِ.. وإيه كمان؟.. ولا حاجة يسيبونى أنام فى البيت القديم لغاية ما تتم الإزالة.
تنظر إلى الرجل وهو يحكى ويتكلم بعزة نِفَسٌ وروح جبارة جسورة تقاوم الأوبئة التى استوطنت فى جسده، وتعجب من صموده النادر.. الرائع فى حى الدرب الأحمر أن الناس كأنهم جسد واحد، إذا اشتكى منه عَضّوِ تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.. تكافل وتكاتف اجتماعى مدهش.. ولكنها مثل حالة الأعرج الذى يتعكز على واحد كسيح..
هذا الرجل وعشرات الآلاف مثله.. تطرح الأسئلة الساخنة فى الأدمغة الباردة.. فماذا نحن فاعلون؟… الحكومة وحدها لن تستطيع أن تلاحق كل حالات الغُلب الأزلى التى يعانى منها ملايين من هذا الشعب.. لم يتبق أمامنا إذن إلا أن نراهن على أنِفَسٌ نا وعلى فضيلة المواساة وعلى الخيرية فى نفوس الصالحين منا..
عم صلاح عنده عزة نِفَسٌ وكرامة تمنعانه من أن يتسول الإحسان.. فمن هو الكريم الذى يهب لمساعدته وتوفير مسكن آدمى له فى شيخوخته وتوفير كشك جرائد ومثلجات له حتى يتكسب عيشه بشرف ونخفف عنه آلامه بعض الشىء.. عنوان هذا الرجل موجود عندى لمن يريد أن يتقدم للمساعدة، وهناك عشرات الحالات لا تقل مأساوية لمن يريد مزيداً من أفعال الخير..
فمن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على قلب فقير أو مسكين.. فقراء مصر يحتاجون إلى قلوب حانية مثل سيدنا جعفر بن أبى طالب، حبيب المساكين.. احفظوا ماء الوجوه للمرضى والمحتاجين واغنوهم عن سؤال اللئيم.. فقديماً قالت المواويل:
إن أتاك الضيم يا ابن الكرام من اللئيم الواطى.. إوعى تطاطى.